أعلنت إسرائيل عن نيتها الهجوم على لبنان، وجاء ذلك على لسان رئيس وزراء إسرائيل بنيته القضاء على حزب الله، جاء ذلك بعد تفاقم وتزايد وتيرة المناوشات بين الجانب الإسرائيلي والجانب اللبناني الممثل في حزب الله وذلك منذ ثمانية أشهر في عمليات عسكرية محدودة، بدأت على إثر الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة واحتلاله وتدمير البنية الأساسية في غزة.
وقد أدت المناوشات حتى الآن بين إسرائيل وحزب الله على الشريط الحدودي بينهما إلى نزوح عشرات الآلاف من السكان وتركهم منازلهم، كما أسفرت المواجهات حتى الآن عن وقوع ضحايا بين الجانبين، حيث بلغ عدد القتلى في الجانب اللبناني 468 قتيلًا منهم 90 من حزب الله، وفي الجانب الإسرائيلي 26 قتيلًا منهم 15 عسكريًا و11 مدنيًا، بالإضافة إلى 12 قتيلًا في هجوم الجولان الأخير والذي أنكرت حركة حزب الله مسؤوليتها عنه.
وعلى إثر تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيته في شن هجوم مؤثر على حزب الله، وأن هذا العام هو عام حرب حاسم لإسرائيل، ازدادت المخاوف المحلية والإقليمية والدولية من اتساع دائرة المناوشات بين الجانبين وتحولها إلى حرب مفتوحة كبيرة مع سيناريوهات متعددة لأطرافها. فمن المتوقع أن لا يكون الأطراف إسرائيل وغزة ولبنان فقط، بل ستكون هناك تدخلات متوقعة من إيران وأعوانها في سوريا والعراق واليمن، مع حزب الله في لبنان كطرف أساسي.
وقد سارعت الإدارة الأمريكية على لسان الرئيس بايدن بتحذير إسرائيل من اتساع دائرة الحرب في الشرق الأوسط، وأن المنطقة لا تتحمل صراعًا جديدًا، كما تسعى الإدارة الأمريكية إلى حل مشكلة احتلال قطاع غزة وهو أساس المشكلة المعاصرة بين الأطراف حاليًا.
كما صرحت ألمانيا بعد هجوم هضبة الجولان ومقتل 12 إسرائيليًا بضرورة ضبط النفس بين الأطراف وحذرت من تدخل إيراني قد يشعل الموقف أكثر. فيما أبدت كل من فرنسا وبريطانيا رفضهما اتساع دائرة الحرب التي لن يتضرر منها فقط لبنان وإسرائيل، ولكن الأضرار ستقع على كافة دول المنطقة بلا استثناء في جميع دول الشرق الأوسط.
وحذرت معظم بلدان العالم رعاياها من مغادرة لبنان وعدم السفر مجددًا إلى لبنان أو إسرائيل وعدم السفر إلى الشرق الأوسط بقدر الإمكان حاليًا، في تحذيرات تؤكد احتمالية نشوب حرب.
كما تحركت الدبلوماسية الأمريكية والألمانية والبريطانية والفرنسية في تحركات ترفض ضرب العاصمة بيروت ومحيطها والبنية الأساسية المدنية في لبنان. كما أكدت الخارجية الأمريكية على ضرورة الاستمرار في محادثات وقف إطلاق النار في غزة كسبب أساسي للإشكالية الحالية.
تعاني معظم بلدان الشرق الأوسط من التأثيرات السلبية المتتالية والمتعاقبة عبر الأزمات المحلية والعالمية. فما زالت هناك معاناة كبيرة في دول غير مستقرة مثل ليبيا والسودان وسوريا واليمن على إثر الثورات التي غيرت أنظمة الحكم، ودول أخرى محيطة تلتقط أنفاسها بالاستقرار، ومنها مصر وتونس. ثم تعاقبت الأزمات العالمية المتتالية فجاء فيروس كورونا وعانت منه دول المنطقة وكل دول العالم والبشرية كلها بالسلب، ثم حدوث الأزمة الروسية الأوكرانية وتأثيرها على سلاسل الإمداد والتموين العالمية، وكل ذلك أدى إلى تضخم عالمي تعاني منه معظم بلدان العالم الآن.
وجاءت حرب إسرائيل على غزة وأثرت تأثيرًا سلبيًا على دول الجوار في قطاعات الطيران والسياحة والتجارة البحرية في البحر الأحمر وأسواق الغاز والنفط. نستنتج من كل ذلك أن الشرق الأوسط لا يتحمل صراعًا جديدًا وحربًا واسعة تزيد الموقف اشتعالًا وتؤثر سلبًا على الاقتصاد. فالشعوب تنشد الاستقرار والتقاط الأنفاس والتنمية والتعاون والسلام بعد أزمات متتالية ومتتابعة أنهكت الدول في الشرق الأوسط. شعوب المنطقة عانت اقتصاديًا ولا تتحمل أزمات جديدة.
أهم المخاطر الاقتصادية المتوقعة في حالة حدوث الحرب الإسرائيلية على لبنان وتأثير ذلك على دول الشرق الأوسط
خسائر في قطاع الطيران لدول المنطقة ناتجة عن حالات الارتباك والتوقف والإلغاء الكلي والجزئي لرحلات الطيران المحلي والإقليمي والعالمي للأجواء مع العالم.
خسائر في قطاع السياحة لمعظم دول المنطقة بسبب إلغاء الرحلات السياحية وعدم التعاقد على رحلات جديدة، وجاءت البداية بعد تحذير الدول الكبرى لرعاياها بمغادرة لبنان وعدم الذهاب إلى الشرق الأوسط إلا للضرورة بسبب توقع حدوث حرب.
تأثير سلبي على حركة التجارة بين بلدان الشرق الأوسط والعالم ناتجة عن ارتباك النقل البحري والجوي وحركة انتقال البضائع بالاستيراد والتصدير بسبب الحرب في كل من البحر الأحمر والبحر المتوسط وظهور عراقيل الشحن ومعوقات النقل بين دول العالم ودول الشرق الأوسط.
خلل وارتباك وتذبذب في سوق النفط والبترول في الشرق الأوسط وعالمياً، واتجاه الطلب العالمي على البترول من دول بعيدة عن الشرق الأوسط بسبب الحرب.
تعرض دول الشرق الأوسط لابتعاد شركات وجهات الاستثمار العالمي عن الاستثمار في دول الشرق الأوسط والاتجاه نحو مناطق مستقرة، فرأس المال للمستثمر جبان ويخشى اتساع دائرة الحرب، وبالتالي تنخفض معدلات الاستثمار في الشرق الأوسط كله نتيجة للحرب.
تعرض البلدان لخسائر اقتصادية واجتماعية ناتجة عن نزوح وانتقال وسفر المتضررين من الحرب من المناطق المشتعلة إلى بلدان أكثر استقراراً، وهي تكلفة فادحة.
تعرض العملات الوطنية لدول الشرق الأوسط لضغوط على أسعار صرفها نتيجة التأثير السلبي على اقتصاديات دولها والسحب من احتياطياتها النقدية الأجنبية لتدبير احتياجاتها نتيجة ضغوط الحرب.
احتمالية تعثر وتوقف عدة بلدان في الشرق الأوسط عن دفع أقساط ديونها أو فوائد ديونها نتيجة للخلل الاقتصادي المتوقع نتيجة الحرب وتأثيرها السلبي على دول المنطقة.
عرقلة برامج التنمية والتعاون المشترك بين بلدان المنطقة في المشروعات التي تدعم الاستقرار والتنمية والسلام، فالحرب ستربك كل الحسابات بالسلب.
التأثير السلبي للحرب على البيئة الطبيعية في الشرق الأوسط، سواء البيئة البحرية أو البرية أو النهرية أو الجوية، فمعلوم أن للحرب أضرار ومخاطر على البيئة الطبيعية وارتداد تلك المخاطر على مواطني وشعوب المنطقة.
ومما لا شك فيه أن منطقة الشرق الأوسط تعيش على صفيح ساخن منذ عدة عقود بسبب القضية الفلسطينية والحق الفلسطيني في الوجود، والرفض الإسرائيلي لتنفيذ القرارات الأممية والدولية الملزمة بحل الدولتين وحق الشعب الفلسطيني في الحياة على دولته. وأمام تلك الإشكالية المزمنة، تعاني معظم دول الشرق الأوسط اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا. ويكمن لب حل إشكالية الشرق الأوسط في حل المشكلة الفلسطينية وحق دولة فلسطين في الوجود ليعم السلام والتنمية والرخاء لكافة شعوب الشرق الأوسط.
بقلم / دكتور ياسر حسين
الخبير الاقتصادي