على خلفية الأزمة المالية الحالية وانعكاساتها السلبية على كافة الاقتصادات العالمية، وبشكل خاص طائفة الاقتصادات الناشئة ومن بينها الاقتصاد المصري، والتي زادت حدتها، بعدما خرج نحو 22 مليار دولار من الأموال الساخنة خلال الاربع شهور الأولى من العام الحالي، مما أدى إلى وجود مشكلة حقيقية فيما يتعلق بنقص حاد وشديد في ارصدة العملات الأجنبية في البلاد، مما كان لابد من البحث عن وسائل أخرى لاستقطاب موارد نقد اجنبي، لمواجهة الأزمة.
واذا ما علمنا ان تَعطل سلاسل الإمدادات العالمية، كان لها أثر سلبي شديد على تقلص شديد للطاقة التصديرية، فضلا عن إرتفاع أسعار الواردات بشكل كبير، نتيجة زيادة تكلفة النقل على خلفية إرتفاع أسعار النفط العالمية، في ظل ان مصر تستورد اكثر من 60٪ من احتياجاتها من السلع الأساسية والاستراتيجية من الخارج، فكان لابد من التفكير خارج الصندوق، من أجل جلب نقد اجنبي، يُغطى احتياجات الاقتصاد المصري في مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، وكان على أولوية ذلك، تقرير إعفاءات جمركية كانت مقررة لمصلحة الجمارك، نظير استيراد سيارات للاستعمال الشخصي، للمصريين العاملين بالخارج، دون اشتراط مدة معينة بالخارج، وأن يكون له حساب بنكي مر عليه أكثر من ثلاث شهور، ولديه إقامة دائمة في الخارج، في مقابل ان يودع مبلغ على هيئة وديعة لمدة خمس سنوات كاملة بدون عائد في احد حسابات وزارة المالية، تُسترد قيمتها في نهاية المدة بالعملة المحلية المعادلة لقيمتها بالعملة الأحنبية وقت استرادها، ويتم تحديد قيمة تلك الوديعة، بقيمة التكلفة التي كان سيدفعها المصري المقيم بالخارج من رسوم ضريبية او جمركية على السيارة المستوردة.
ومن الجدير بالذكر، ان هذا التوجه من شأنه ان يُعظم موارد الدولة من النقد الاجنبي بشكل كبير، في ظل الظرف الشديد الذي يواجه الاقتصاد المصري، حتى أن صانعي القرار، قد حدد فترة الاستفادة من تلك المميزات، بأربعة شهور من تاريخ اقراره من مجلس النواب، نظرا للحاجة الشديدة والمُلحة لموارد نقد اجنبي بشكل سريع، بسد الفجوة التي خلفتها الأزمة.
الا ان شرط بقاء الوديعة لمدة خمس سنوات وبدون عائد دائن، وصرفها بالجنيه المصري بالسعر المُعادل لعملة الوديعة في تاريخ الصرف، يجد عديد من الانتقادات بإعتباره قرار غير مُشجع للمصريين العاملين بالخارج، على خلفية ان هذا الأمر، لا يأتي على خلفية تقديم خدمة لمستورد السيارة، اكثر من انه عملية تفاوضيه للحصول على خدمة مقابل خدمة، دون النظر الى العاملين بالخارج على ان تحويلاتهم تُعد المصدر الحيوي في ظل هذا الأزمة، بعدما وصلت إلى نحو 31.6 مليار سنوياً.
والحقيقة، ان هذا القرار، يُعد توجه محمود، نحو التفكير في طرق غير تقليدية لجلب موارد نقد اجنبي مُستدام؛ ولكن يجب أن يكون لدى صانعي القرار، النظر الى هذا الأمر، بإعتباره خدمة للوطن من جانب المصري الذي يعمل بالخارج، وفي المقابل، لابد من النظر في مدة الوديعة التي تطول إلى خمس سنوات، فقد يكون من المناسب ان تقتصر المدة، وبنفس الشروط، إلى ثلإت سنوات فقط، او تقرير عائد دائن على الوديعة بمقدار 2٪ سنوياً مثلا، يصرف مرة واحدة في نهاية الخمس سنوات.
بقلم/ دكتور رمزى الجرم
الخبير المصرفى