أظهرت مذكرة حديثة أعدها معهد التمويل الدولي “IIFC” تباينًا في أداء برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي اتفقت عليه مصر مع صندوق النقد الدولي. ورغم الجهود التي بُذلت لتنفيذ الإصلاحات الهامة،
إلا أن تردد السلطات المصرية في تنفيذ بعض الإجراءات المتفق عليها في البرنامج، مثل التحرك نحو سعر صرف مرن وتقليص دور الدولة في الاقتصاد، أثر بشكل كبير على تحقيق أهداف البرنامج.
تراجع تنفيذ إصلاحات برنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر
أبرمت مصر وصندوق النقد الدولي اتفاقًا بقيمة 3 مليارات دولار لمدة 46 شهرًا، يهدف إلى استعادة استقرار الاقتصاد الكلي وتحسين الاحتياطيات وتحويل الاقتصاد نحو النمو الذي يدعمه القطاع الخاص.
أشار المعهد إلى أن تأجيل الإصلاح الاقتصادي، جنبًا إلى جنب مع العجز في الحساب الجاري والعجز المالي، وزيادة معدلات سداد الديون، وتدفقات كبيرة تغادر محفظة الأوراق المالية، وصافي التزامات أجنبية كبيرة للنظام المصرفي، قد أدى إلى وضع مالي غير مستقر لمصر.
ومع ذلك، تم تخفيف بعض الأعباء المالية في السنة المالية 2023 بفضل انكماش كبير في الواردات، ناتج عن قيود الاستيراد وتخفيضات قيمة العملة.
وتشير البيانات الخاصة بالسلع إلى انخفاض العجز التجاري بنسبة تقرب من 30% من يوليو 22 إلى مايو23، مقارنةً بالفترة من يوليو 21 إلى مايو 22. كما ساعد الارتفاع الحاد في السياحة، بدعم من انخفاض قيمة العملة، في تحقيق توازن في ميزان الخدمات.
وقد ساهمت العوامل السابقة في التغلب على انخفاض التحويلات الواردة، الذي يعزى إلى المدفوعات غير الرسمية وزيادة مدفوعات الفوائد على الديون الخارجية الأولية، وفقًا للمعهد.
تأثير تدهور الميزان التجاري على الوضع الاقتصادي في مصر
وتشير البيانات إلى توقع انكماش عجز الحساب الجاري بشكل كبير من 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2022 إلى 1.1% في السنة المالية 2023. ويرجع ذلك إلى توقع ورود تدفقات كبيرة من الاستثمار الأجنبي المباشر التي ستساهم في تمويل العجز، مقارنةً بالتدفقات المتوقعة للخروج من محفظة الأوراق المالية والتي تقدر بحوالي ملياري دولار.
من ناحية أخري تم بيع الأصول المملوكة للدولة في ظل زيادة الجدل حول هذه العملية في الأسابيع الأخيرة ، يجب أن تتم هذه التدفقات الوافدة قبل بداية العام الجديد. نتيجة لذلك، يتوقع المعهد زيادة طفيفة في الأصول الاحتياطية هذا العام، بقيمة تقدر بنصف مليار دولار.
ويرى المعهد أنه على الرغم من تحسن الوضع النقدي بتقلص العجز في الحساب الجاري، إلا أن مصر لا تزال تتأثر بالعوامل الخارجية والعقبات الهيكلية المحلية.
من الناحية الخارجية، فإن التباطؤ الاقتصادي العالمي ليس له تأثير فقط على الصادرات المصرية، بل يمكن أن يؤثر أيضًا على إيرادات قناة السويس وقطاع السياحة. وبارتفاع تكاليف الاستيراد، خاصة للسلع غير القابلة للتجزئة مثل الغذاء والوقود، سيؤدي ذلك بسرعة إلى تدهور الميزان التجاري.
وقد ساهمت نقص تنوع الصادرات غير النفطية وقلة التنافسية في استمرار تسجيل العجز في الميزان التجاري. وحدد المعهد مجموعة من العوامل الخارجية والمحلية التي ساهمت بشكل متواضع في توسيع العجز في الحساب الجاري في السنة المالية 24، حيث يتوقع أن يبلغ حوالي 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي.
من المتوقع أن تنخفض صادرات المنتجات الهيدروكربونية بسبب انخفاض أسعار النفط والغاز، في حين ستتحسن الواردات مع تراجع التضخم وتعافي الطلب وإطلاق الحكومة للبضائع المحتجزة من الواردات، بقيمة تقدر بحوالي 5.5 مليار دولار تقريبًا.
الاقتصاد المصري وتحديات تحقيق الاستقرار المالي والنمو المستدام
وبما أن التدفقات الواردة إلى محفظة الأوراق المالية محدودة، يتوقع المعهد أن تعتمد مصر على الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال بيع الأصول المملوكة للدولة وتعاون مع الجهات المتعددة لتمويل العجز. ومع ذلك، ستحتاج إلى إجراء مزيد من التعديلات لتجديد الاحتياطيات ودفع مصر نحو المسار المستدام.
قد يتضمن أحد هذه التعديلات الانتقال إلى نظام سعر صرف مرن في المستقبل (بما في ذلك توحيد أسعار الصرف الرسمية والسوق الموازية). وقد يتطلب ذلك تخفيضًا إضافيًا في سعر الصرف الرسمي، الذي يتم تحديده حاليًا بفارق يصل إلى 30% بحلول نهاية السنة المالية 2024.
وكما أظهر نموذج معهد التمويل الدولي، أن المخاطر المسعرة في العقود الآجلة غير المسلمة للجنيه المصري لمدة عام واحد تقترب من المستويات التي شهدتها قبل تخفيض قيمة العملة بشكل كبير في نوفمبر 2016.
تخفيض قيمة العملة قد يساهم في تقليص العجز التجاري وتحجيم الواردات مع تعزيز الصادرات غير النفطية، مع السماح أيضًا لتحويلات الأموال بالتعافي إلى مستويات السنة المالية 2022 مع تقارب الأسعار الرسمية والموازية، مما يقلل من الحاجة إلى التمويل الخارجي.