الاستثمار العربي كان محدود التواجد في القارة الافريقية لفترات كبيرة، حيث كانت الصورة الذهنية التي تمكن الاستعمار من بثها عن القارة الإفريقية، تتمثل فيما يتحمله المستثمرين في هذه القارة من مخاوف ومخاطر، ولكن تمكنت دول الخليج ادراك أن هذا الحجم من المخاطر ليس فعلي، إذ تبين أن هناك عوائد استثمارية واعدة، وخير دليل على ذلك هو حجم الاستثمارات الصينية والفرنسية والأمريكية في هذه القارة.
أولا: أسباب اتجاه الاستثمارات الخليجية الى أفريقيا
فقد وصل إجمالي الاستثمارات التي تم الإعلان عنها من دول مجلس التعاون الخليجي في أفريقيا إلى مستوى قياسي خلال عام 2023، وهو ما يفوق بكثير استثمارات آسيا، وأميركا الشمالية، وأوروبا الغربية بالقارة السمرا.
ونود التأكيد على أن اهتمام دول الخليج الشديد بالدخول الى القارة الإفريقية يؤكد على أن إفريقيا هي السوق الواعدة، وذلك نظراً لمجموعة من الأسباب والمؤشرات المتمثلة في كل من:-
ساهمت الأزمة الروسية الأوكرانية في تعزيز التعاون الخليجي الأفريقي لزيادة معدلات الأمن الغذائي من السلع الرئيسية لدول الخليج، فقد أكدت كثير من المؤشرات إلى تركز الإستثمارات الخليجية في القارة السمراء في مجالات الزراعة، والصناعة التحويلية،
نظراً لأهمية موقع القارة السمراء لدول الخليج، فعلى سبيل المثال دولة جيبوتي الواقعة على باب المندب أصبحت تمثل مركزاً لوجيستياً لتبادل السلع الزراعية بين السعودية ومجموعة دول شرق أفريقيا.
نظراً لما تزخر به قارة افريقيا من إمكانيات زراعية كبرى مغرية وغير مستغلة، بجانب الثروة الحيوانية والنفطية.
أن العائد على الاستثمار في قارة افريقيا يعتبر من أعلى العوائد في العالم،
أن السوق الأفريقية هي الأكثر احتياجاً للاستثمار والتجارة الدولية، وأكثر احتياجاً للانفتاح على العالم،
الاستثمارات الخليجية في القارة الأفريقية، تأتي في محاولة لتوطيد وزيادة مساحة العلاقات الخليجية دولياً وعالمياً،
الاستثمارات الخليجية في القارة الأفريقية، تأتي بشكل يخلق تواجد اقتصادي وسياسي متميز للدول الخليجية في إفريقيا،
الاستثمارات الخليجية في القارة الأفريقية، ستفتح آفاقاً لفرص العمل، وستساهم في تطوير الحياة الأفريقية بشكل جيد، وهذا كلها أمور مهمة جداً لكافة الأطراف.
فالتوجه الخليجي نحو الاستثمار في القارة الأفريقية يمكن ارجاعه الى امتلاك أفريقيا أسواقا متنوعة وموارد ضخمة، وأن جزءا كبيرا من مشاريع المنطقة ما زال خصباً، وبالتالي يمكن الحصول على استثمارات كبيرة بتكاليف أكثر أفضلية.
ثانياً: تنافس الامارات والسعودية
لقد تمكنت الإمارات من اثبات تواجدها الضخم في افريقيا لتحتل المركز الرابع بين أكبر المستثمرين على مستوى العالم في أفريقيا، بعد الصين وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية، لتصبح بذلك المستثمر الأول خليجياً في أفريقيا.
فقد لعب الخطاب الرسمي الذي صدَّرته الإمارات، على وتر الحاجات التنموية، والاهتمام بالشباب، والتحوُّل الرقمي، وقيم الابتكار، وتعزيز جهود تحقيق تطلُّعات القارة وفق أجندة “أفريقيا 2063″، بل إنها أطلقت عام 2020 ما عُرف بمبادرة “كونسرتيوم من أجل أفريقيا”، وهو ما قوبل بترحيب رسمي أفريقي.
وأكدت كثير من المؤشرات أن الإمارات تركز على القطاعات عالية النمو في القارة، مثل البنية التحتية والطاقة والنقل والخدمات اللوجستية والتكنولوجيا.هذا ولقد تصدرت نيجيريا وجنوب أفريقيا وكينيا وأوغندا قائمة الدول الأفريقية التي اجتذبت العدد الأكبر من الشركات الإماراتية، كما أقامت مشروعات استثمارية مع الحكومة السودانية لزرع 10 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية.
ولقد بلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر من الإمارات إلى إفريقيا الى ما يعادل 59.4 مليار دولار، خلال الفترة 2012 : 2022، في حين جاءت المملكة العربية السعودية في المرتبة الثانية باستثمارات بلغت قيمتها نحو 25.6 مليار دولار، تلتها قطر بقيمة بلغت نحو 7.2 مليار دولار، ثم الكويت بما يعادل نحو 5 مليارات دولار، والبحرين بقيمة بلغت نحو 4.2 مليار دولار.
وأطلقت الإمارات برنامج اتحاد 7 لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة في أفريقيا، ضمن أسبوع أبوظبي للاستدامة 2022.
وإلى جانب توسّعها في قطاعات تقليدية مثل الزراعة، اقتحمت الإمارات قطاع المصارف، خصوصاً عبر “بنك دبي الإسلامي” الذي تَوسّع في العامين الأخيرين في كينيا وعدد من الدول التي لم يسبق له العمل فيها.
ووسّعت أبوظبي عبر شركة “ياهسات” خدمات “البرودباند” لتشمل 19 سوقاً أفريقية تغطي 60% من السكان، توازياً مع تمويلها تشييد مشروعات للطاقة المتجددة في سيشل، ودشّنت عمليات تصدير خام البوكسيت من مشروعها التعديني في غينيا.
هذا ونود التأكيد على أن الإمارات ليست الدولة الخليجية الوحيدة التي تبذل جهوداً لتوسيع نطاق حضورها في أفريقيا، حيث بذلت السعودية وقطر جهوداً مشابهة خلال السنوات الماضية، وعبر القطاعين العام والخاص أيضاً؛ فأبرمت “أكوا باور” (ACWA Power)، ومقرها في الرياض، مذكرة تفاهم لاستثمار 10 مليارات دولار على مدى 10 سنوات بقطاع الطاقة المتجددة في جنوب أفريقيا.
فالمملكة تمضي بخطى ملموسة لتعزيز استثماراتها ومشروعاتها التنموية في أفريقيا، ومساعدة دول القارة السمراء على تحقيق معدلات نمو حيث ترتكز بشكل أساسي على قطاع الزراعة والطاقة.
فقد انتشرت الاستثمارات السعودية في جمهورية السودان، لتصل مشروعاتها على أرض الواقع لنحو 15 مليار دولار، وفي إثيوبيا فهناك الكثير من المستثمرين السعوديين الحاصلين على تراخيص استثمار بمشروعات في مجال الإنتاج الزراعي والحيواني وكذلك في المجال الصناعي.
هذا كما تبين خلال القمة السعودية الإفريقية المنعقدة الجمعة في الرياض، إن المملكة تتطلع لضخ استثمارات سعودية جديدة في مختلف القطاعات بالقارة بما يزيد عن 25 مليار دولار، وتأمين وتمويل بـ10 مليار دولار من الصادرات، وتقديم تمويل إضافي بـ5 مليارات دولار لإفريقيا حتى 2030، وذلك لتطوير علاقات الشراكة مع دول القارة وتنمية مجالات التجارة والتكامل.
فضلاً عن إطلاق مبادرة خادم الحرمين الشريفين الإنمائية في إفريقيا عبر تدشين مشروعات وبرامج إنمائية في القارة بقيمة تتجاوز مليار دولار على مدى 10 سنوات.
كما إن المملكة قدمت أكثر من 45 مليار دولار لدعم المشاريع التنموية والإنسانية في 54 دولة إفريقية كما بلغت مساعدات مركز الملك سلمان للإغاثة أكثر من 450 مليون دولار في 46 دولة بالقارة.
ثالثاً: مدى امكانية توسع الاستثمارات الخليجية على حساب استثمارات الأطراف الدولية المنافسة
شهدت وستشهد الخارطة الاستثمارية في القارة الإفريقية الكثير من التغيرات الهيكلية، حيث كشفت كثير من التقارير أن الإمارات تمكنت من التوسع وبقوة في أسواق القارة الأفريقية وهذا ما جعلها تتمكن من منافسة مجموعة من الدولة الراسخة هناك مثل الصين وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.
فقد أصبحت إفريقيا وبسرعة فائقة واحدة من أهم أسواق أبوظبي، حيث استثمرت الامارات في كثير من الإستثمارات مثل “رأس الحكمة” ومجمع “أجتيك” في مصر، في حين تدير مجموعة “دي بي وورلد” موانئ بحرية في مصر وأنغولا وجيبوتي والمغرب وموزمبيق والسنغال وأرض الصومال.
ففي ظل تضاؤل التمويل الصيني للبنية التحتية للقارة السمراء، وتراجع المشاركة الغربية، انتقلت طموحات الإمارات إلى كل ركن من أركان القارة، خاصة مع اقتران التدفقات النقدية لأبوظبي إلى القارة السمراء، بدفعة دبلوماسية منسقة بشكل جيد، فها هي الإمارات تتدخل مؤخراً عبر حكومتها وقطاعها الخاص بإنقاذ الاقتصاد المصري من خلال صفقة الـ 35 مليار دولار، وهو ما أتاح لها فرصة جديدة لتقديم نفسها وبشكل رائج.
وتظهر قاعدة بيانات fDi Markets أن الإمارات، كانت قد تعهدت بضخ ما يعادل نحو 53 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر في القارة السمراء خلال عام 2023، أي ما يزيد عن ضعف مساهمات الصين، التي جاءت في المرتبة الثانية باستثمارات حجمها 25.9 مليار دولار، بينما حلت فرنسا في المرتبة الثالثة مع تعهدها باستثمار 25.7 مليار دولار خلال 2023، لتحتل المملكة المتحدة المركز الرابع بقيمة بلغت نحو 19.2 مليار دولار خلال عام 2023، لتأتي الولايات المتحدة بذلك في المرتبة الخامسة بحجم استثمارات يبلغ 7 مليارات دولار كتعهدات باستثمارات في أفريقيا.
وفي أكتوبر 2023 وقعت موانئ دبي العالمية أحدث صفقاتها مع تنزانيا، وفي إطار الجهود الرامية لتحقيق أمنها الغذائي، استحوذت الشركات الإماراتية على أراض زراعية في السودان وزيمبابوي وأنغولا، حيث وقعت شركة دبي للاستثمار وشركة E20 للاستثمارات ومقرها أبوظبي في يوليو 2023، اتفاقاً لتطوير 3750 هكتاراً من مزارع الأرز والأفوكادو.
وفي هذا تأكيد واضح لكون الأمارات ستصبح واحدة من أكبر مصادر الاستثمار الأجنبي في القارة الإفريقية، خلال السنوات القليلة القادمة.
بقلم / دكتور ناصر عبد المهيمن
الخبير الاقتصادى