التحليل الفني في سوق يفتقر إلى قاعدة مستثمرين وسيولة، استخفاف بعقول الناس، وذلك بسبب غياب العقل الجمعي “قاعدة متعاملين قوية” التي تعد إحدى ركائز سلامة التحليل الفني. فكيف سيعيد التاريخ نفسه دون قاعدة متعاملين وسيولة؟
والخضوع لإرضاء السماسرة بفتح “الزيرو” في ظل سوق يفتقر إلى السيولة يُعدّ علامة قاتمة في تاريخ إدارة المنظومة، بدلاً من البحث عن آليات حقيقية لزيادة السيولة، وتوسيع قاعدة المستثمرين، وتقديم حوافز لقيد الشركات.
كان الأحرى بهم اتخاذ مواقف جدية وفتح الحوار مع الحكومة لانتزاع صلاحيات تقديم خطط معلنة مقنعة بأرقام وتواريخ محكمة لتطوير سوق المال ودمجه في قلب الاقتصاد، وتحمل مسؤولية تنفيذ تلك الخطط بجدية وحزم، حتى يحترمنا المستثمرون من الداخل والخارج. أما غير ذلك فيعد انتهاكًا لمناخ الاستثمار.
إن ترك الأمر لشركات السمسرة بفتح تداولات الجلسة الواحدة بعدة أضعاف محفظة العميل دون رقابة يحتاج إلى وقفة حاسمة، ومهما وضعت الرقابة من قواعد، يتم تجاوزها من قبل شركات السمسرة.
أما الورقة التي تحاول الارتفاع أثناء الجلسة، فتتجاوز قيمة تداول الجلسة فيها 65%-70%، فأين الاستثمار الحقيقي؟
التسوية اللحظية، قطعًا وبدون شك، لا تتناسب مع حجم السوق المصري، مهما قال السماسرة من كلام إنشائي وشعري حول تطبيقها في الأسواق العالمية، فالحديث لا محل له من الإعراب فيما يتعلق بحالة بورصة مصر.
لقد حولت التسوية اللحظية بورصة مصر إلى طاولة مضاربة، بهدف وحيد وهو زيادة حجم التداول عبر تدوير السيولة المحدودة بنظرة قصيرة تهدف إلى تحقيق العمولات فقط، وهي حيلة العاجز!
يجب أيضًا التوقف عند فوضى التحاليل اليومية من تقارير وتسجيلات حول مستويات الدعم والمقاومة، التي تهدف فقط إلى التلاعب وتدوير السيولة المحدودة، في سباق محموم أشبه بمحرقة لأموال المتداولين.
وكما أشرنا سابقًا، الأمر لا يتعدى كونه تدويرًا في تدوير للسيولة المحدودة، دون العمل على تشجيع استثمارات حقيقية.
وللأسف، يطغى فكر السماسرة على جميع مجالس المنظومة، حتى اتحاد الأوراق المالية الذي طال انتظاره لم يضف شيئًا؛ فهو مجرد ولادة مبتسرة لمجلس يعيد تكرار المنظومة القائمة منذ عقود، ويهدف إلى زيادة العمولات والمصالح الشخصية فقط، وهو سبب ضعفه في التعامل مع الحكومة التي تدرك حقيقته.
مجالس السماسرة تفتقر إلى التنوع في الكفاءات من مجالات التسويق، القانون، إدارة الأعمال، الأكاديمية، وخبرات الأسواق العالمية والسياسة، وغيرها من المجالات التي تعزز عملها لدعم مناخ الاستثمار، لتمارس البورصة دورها الحقيقي في التمويل والحوكمة.
من مقترحات رفع كفاءة السوق في ظل انخفاض قيمة العملة: رفع رأس مال شركات السمسرة إلى نصف مليار، والاكتفاء بعشر شركات فقط، وهو عدد أكثر من كافٍ لحجم السوق. والدليل على ذلك ما نراه في السوق السعودي.
وأخيرًا، نتمنى إعادة النظر في أحجام “الزيرو”، رغم إدراكنا صعوبة ذلك بسبب طبيعة اتخاذ القرار السائدة في المؤسسات الحكومية العتيقة، حيث يبدو متخذو القرار منزهين عن المراجعة، وكأنهم دائمًا على حق، ويعتبر طلب مراجعة القرار كأنه السير فوق السحاب.
ومثال على ذلك، عدم مراجعة قرار فرض ضريبة الأرباح الرأسمالية على مدى عشر سنوات، رغم يقين الجميع بعدم إمكانية تطبيقها على سوق يفتقر إلى أدنى معايير التنافسية مقارنة بأسواق المنطقة.
بقلم/ حافظ سليمان
خبير أسواق المال