عادة ما تسعى الدول إلى إستقرار أسعار عملاتهم أكثر من جعلها قوية، لأنه نظريا العملة القوية تجعل صادرات الدولة أكثر تكلفة بالنسبة للخارج، مما يقلل من صادرات الدولة ويضر بالقدرة التنافسية التجارية لها، وعلى النقيض فإن ضعف قيمة العملة يجعل الواردات أكثر تكلفة مما يؤدي إلى زيادة التضخم المحلي، لكنه فى نفس الوقت يحدث طفرة فى صادرات الدولة إذ أن أسعار السلع والخدمات التى تنتجها الدولة تصبح ضعيفة القيمة بالمقارنة بالعملات الأخرى وتزيد من قدرة الدولة على التصدير وتحسين قدرتها التنافسية فى الأسواق الخارجية ، وعادة تفضل الدول إستقرار سعر عملتها وتجنب التقلبات الغير مناسبة
ويمثل العرض والطلب إحدى العوامل الأساسية والمحرك الرئيسى فى تحديد سعر العملة ، ويعنى هذا أن زيادة فى الطلب على عملة معينة، سوف إلى إرتفاع قيمة هذه العملة، بينما يؤدي زيادة العرض إلى إنخفاض قيمة العملة ولا يخفى علينا جميعا الأثر الذى يمكن أن تحدثه العملة المرتفعة جدا أو المنخفضة جدا على إقتصاد الدولة بشكل سلبي، مما يؤثر على التجارة والإستثمار والقدرة على سداد الديون، ولذلك تجتهد الحكومات أو البنوك المركزية فى تنفيذ تدابير لنقل عملتها إلى سعر أكثر ملاءمة وأكثر إستقرار
وسعر الصرف المرن للعملة هو المرادف لتعويم العملة، فسعر الصرف العائم هو السعر الذي يتم تحديده من خلال قوى العرض والطلب في السوق المفتوحة بالإضافة الى عوامل أخرى مثل أسعار الفائدة والتضخم والدين العام وخلافه
وهنا نذكر أن للتعويم عدة فوائد منها :-
الفائدة الاولى :-
جعل الصادرات أقل تكلفة وأكثر قدرة تنافسية فى الأسواق الخارجية، وعليه تزداد قيمة الصادرات وتتضاعف ويحدث هذا فى كثير من الدول كتركيا مثلا والصين والتى تعمد كثيرا لخفض سعر عملتها نظرا لإمكانياتها الهائلة فى الإنتاج ورغبتها فى زيادة الصادرات، لكن مشكلة هذا الأثر الهام للتعويم أنه لا ينطبق علينا حيث أن كل صادراتنا بنهاية 2023 فى حدود 38 مليار دولار فى حين ان صادرات تركيا وصلت الى 255.81 مليار دولارعن نفس الفترة، حيث أننا دولة مستهلكة وليست منتجة، ولا نمتلك وفرة من الإنتاج حتى نصدره، وعليه التعويم لن يفيدنا فى هذا الخصوص.
الفائدة الثانية :-
هو جذب المستثمر الأجنبى لأنه حيث يستطيع حساب مخاطر العملة فلو ان العملة مقدرة باعلى من قيمتها وقام المستثمر بضخ عملات أجنبية على السعر السائد ثم تم تخفيض العملة بعد ذلك فسوف يعنى خسارة المستثمر لأرباحه وجزء من رأسماله فى حالة تحويل أمواله للخارج مرة أخرى وبالتالى عدم إستقرار سعر الجنيه أمام الدولار سيقضى على الإستثمار الأجنبى فى مصر، والحقيقة أن مشاكل الإستثمار كثيره ومتعدده ولا تتوقف فقط على سعر الصرف، وإنما على البيروقراطية فى إستخراج التصاريح وتكوين الشركات والقوانين البالية التى تسيطر علينا من الخمسينات، والفساد الذى يستشرى فى دواوين الحكومة، ومزاحمة الجيش والشرطة والدولة بأكملها للقطاع الخاص، وإرتفاع أسعار الخدمات وغيره، فالإستثمار بيئة متكاملة مالية وإقتصادية وتشريعية يجب أن تتوفر، وعليه أى تحريك للجنيه المصرى لن يؤتى ثماره فى ظل وجود هذه المعوقات.
الفائدة الثالثة :-
هو رفع سعر كل ماهو مستورد للدرجة التى لا تمكن بعض الأفراد من شراء السلع والمنتجات المستوردة، وعلى ذلك ينخفض الطلب عليها لإرتفاع أسعارها، ونجنب الدولة نزيف الدولارات المهدرة فى السلع المستورده فهل نحن نستطيع أن نستفيد من هذه الفائدة أعتقد من الصعوبة الاستفادة من ذلك حيث أننا دولة مستوردة نعيش على الإستيراد، حتى مايتم إنتاجه هناك جزء كبير من مكوناته تأتى من الخارج مما سيؤدى الى شح المنتجات وإرتفاع أسعارها بصورة خيالية طالما لا يوجد البديل المحلى، وهو ماسيكون له الاثر على إرتفاع معدلات التضخم
وفى ضوء ماتم استعراضه نستطيع أن نجزم بأن التعويم ممكن أن نستفاد منه فى حالة القدرة على الإنتاج المحلى لتعويض نقص المنتج المستورد وهذا غير وارد ( على الاقل فى الوقت الحالى )، وقدرة البنك المركزى على توفير العملة الاجنبية من الدولارات حتى تستطيع الدولة تلبية إحتياج الأفراد والشركات للدولار وهو مالم يتوافر فى وقتنا الحالى.
وعلى ذلك يمكن الجزم بأن الفائدة من تعويم الجنيه المصرى وإتباع سياسة سعر مرن للعملةهى من أجل تنفيذ شروط وإرضاء صندوق النقد الدولى، والحصول على القرض، حتى تستطيع الدولة المصرية فى سداد التزاماتها خلال العام المالى 2024 والتى تقدر بمبلغ 42 مليار دولار أمريكى
بقلم/ دكتور محمد الشوربجى
الخبير المصرفى