لا شك أن التوترات الجيوسياسية والنزاعات المسلحة التي تشهدها المنطقة ، خصوصا بعد زيادة التوتر بين إيران واسرائيل والضربات المتتالية من كلا الجانبين للجانب الآخر، تلقي بظلالها على الأسواق المالية في كافة الاقتصادات العالمية على اختلاف ايديولوجيتها الاقتصادية والسياسية، وسيكون لها تداعيات سلبية وكارثية على الاقتصاد المصري بشكل خاص، على خلفية تعطل سلاسل الإمداد العالمية، والذي يدفع بارتفاع اسعار النفط والحبوب الغذائية والزراعية، وهذا التطور له تأثير سلبي على زيادة فاتورة الاستيراد ، خصوصا اذا ما علمنا ان مصر تستورد اكثر من 60٪ من احتياجاتها من السلع الغذائية الاساسية ومستلزمات الانتاج من الخارج ،مما أدى بالفعل إلى حدوث فجوة واسعة في النقص الشديد والحاد من موارد النقد الأجنبي بشكل كبير للغاية، وهذا يضغط يشكل مباشر على إرتفاع معدلات التضخم المرتفعة في الاساس ، مما يؤثر على الأحوال المعيشية لكثير من الطبقات ،وبشكل خاص الطبقات الاكثر احتياجا، فضلا عن إنخفاض حصيلة موارد النقد الأجنبي والمتمثل في رسوم المرور في المجرى المائي لقناة السويس ، والذي يُعد موردا رئيسيا من موارد النقد الأجنبي ، مما يعزز حدة الأزمة بشكل غير مسبوق، بالاضافة الى التداعيات السلبية العديدة على الاقتصاد العالمي، والمتمثل في زيادة تكاليف الشحن والتأمين الخاصة بالسفن التي كانت تُبحر في البحر الاحمر وقناة السويس، وغيرت اتجاهاتها عند طريق رأس الرجاء الصالح، والذي يعد الاطول؛ بل وتتكبد السفن نفقات باهظة جراء التأخير في عرض البحر ، واحتمالية فساد السلع كثير من السلع الغذائية، هذا بخلاف زيادة نفقات التأمين والشحن.
وعلى إثر تلك التوترات الجيوسياسية والنزاعات المسلحة ، من المتوقع ان يدفع ذلك بأسعار الذهب نحو الإرتفاع بشكل غير مسبوق ، على خلفية ان المعدن النفيس هو الملاذ الأمن وقت الازمات من قِبل المستثمرين الدوليين ، فضلا عن وجود توقعات بقيام الفيدرالي الأمريكي برفع اسعار الفائدة على الإيداع والإقراض في الاجتماع المقرر في نهاية الشهر الجاري، والذي سوف يؤدي إلى نزوح المزيد من الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة في ادوات الدين الحكومية خارج الكثير من الاقتصادات العالمية وبشكل خاص الاقتصادات الناشئة، ومن بينها الاقتصاد المصري، والذي سيؤدي الى إرتفاع أسعار الدولار امام الجنيه المصري، وما يؤدي ذلك إلى عجز في صافي الأرصدة بالعملات الأجنبية لدى مصر يشكل ملحوظ، والعديد من المشاكل التي تتمخض عن تلك الأزمة.
ولعل افضل السبل لمواجهة التداعيات السلبية الحادثة سواء على المشهد العالمي او على صعيد الاقتصاد المصري ، هو الحيلولة دون استمرار الحرب الدائرة الآن ، ومنع توسعها اكثر من ذلك، حتى لا تحدث كارثة حقيقية لا يمكن مواجهاتها ، الا انه توجد بعض الحلول الأخرى ، التي يمكن لمصر ان تتبناها لحين وقت هذه الحرب ، وهي البحث عن مصادر جديدة للنقد الأجنبي، وقد قام صانعي السياسة الاقتصادية والنقدية في البلاد، بتبني عدد من السياسات والإجراءات الاقتصادية الحكومية التي من شأنها توفير موارد نقد اجنبي، يعوض النقص الحاد منه ،عن طريق توقيع اكبر صفقة استثمار مباشر في تاريخ مصر، والتي كان من أهم مميزاتها ، ضخ 35 مليار دولار للاقتصاد المصري ،والذي يُعد قبلة الحياة، من أجل مسايرة التحديات المحيطة على كافة الأصعدة
وهذه الحصيلة من المتوقع أنها ستجنب الاقتصاد المصري من الانهيار او من التداعيات السلبية على التي خلقتها الأزمة الحالية، فضلا عن موافقة صندوق النقد الدولي على مضاعفة القرص من 3 مليارات دولار الى 8 مليارات دولار والبدء في صرف دفعتين او ثلاث قبل نهاية يونيو القادم ، بالاضافة الى توقعات بتوقيع صفقات استثمار أخرى على غرار صفقة رأس الحكمة، وضخ استثمارات ومساعدات من دول الاتحاد الاوروبي إلى مصر منذ ايام، بقيمة تقدر بنحو 7 مليار دولار، وهذا كله من شأنه ان ينتشل الاقتصاد المصري من مخاطر السقوط إلى افاق رحبة ،تساعد على تجاوز الأزمات المالية المتتالية والمتصاعدة على الصعيد العالمي.
بقلم/ دكتور رمزى الجرم
الخبير الاقتصادى