في ظل تطور العالم ليصبح بمثابة “قرية عالمية” مترامية الأطراف، حيث أصبحت الأحداث تؤثر في بعضها البعض بشكل متسارع، خاصة بعد تعزيز أُطر العولمة المالية بشكل غير مسبوق، تتداخل ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في كافة جوانب الحياة اليومية. في هذا السياق، أصبحت النزاعات المسلحة التي تجري في مناطق واسعة من العالم تترك آثارًا سلبية على العديد من اقتصادات الدول، وتزداد تلك الآثار السلبية بشكل خاص في حالة وقوع النزاعات والتوترات الجيوسياسية بالقرب من مناطق حيوية مثل منطقة الشرق الأوسط.
من أبرز الأمثلة على ذلك هو النزاع في سوريا، الذي من المتوقع أن يترتب عليه تداعيات سلبية على الاقتصاد المصري من عدة جوانب. في مقدمة هذه التداعيات يأتي ملف اللاجئين السوريين الذي أصبح يمثل قضية شائكة ومعقدة بعد التصاعد الأخير للأحداث في سوريا. فضلاً عن ذلك، هناك مخاوف من أن يمتد النزاع إلى دول أخرى في المنطقة، وهو ما يستدعي استعداد الحكومة المصرية لمواجهة أي توترات أو نزاعات مسلحة محتملة، وهو ما يتطلب زيادة مخصصات التعبئة العامة. هذه الإجراءات قد تكلف الدولة المزيد من الموارد الاقتصادية، خاصة في ظل الأزمات المالية التي تعاني منها مصر منذ أكثر من خمس سنوات، حيث يظل الوضع الاقتصادي يعاني من حالة من الضبابية وعدم اليقين.
لا شك أن زيادة التوترات الجيوسياسية والنزاعات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط سوف تساهم في زيادة معدلات التضخم التي تشهد بالفعل ارتفاعًا كبيرًا. هذا الارتفاع المتوقع في التضخم يعود جزئيًا إلى التوقعات بارتفاع أسعار بعض السلع الاستراتيجية مثل النفط والحبوب الزراعية، مما سيكون له تأثير سلبي على الاقتصاد المصري. هذا التأثير سيكون ناتجًا عن زيادة فاتورة الاستيراد من هذه السلع الأساسية، بما في ذلك النفط والقمح وبعض السلع الزراعية ومستلزمات الإنتاج. وهذه الزيادة في الفاتورة ستؤدي إلى زيادة في قيمة موارد النقد الأجنبي الخارجة من مصر لتلبية احتياجات الاستيراد، مما يزيد الضغط على الاحتياطي النقدي الأجنبي.
لكن رغم هذه التحديات، يمكن القول أن هناك عوامل من شأنها أن تخفف من التداعيات السلبية للنزاعات في المنطقة، وخاصة فيما يتعلق بالأزمة السورية. فالحكومة المصرية كانت على دراية تامة بإمكانية تصاعد الأوضاع في أي لحظة، مما دفعها إلى اتخاذ تدابير احترازية مثل توفير مخزون استراتيجي من السلع الأساسية لمواجهة الأزمات المحتملة. كما أن الاحتياطيات الدولية لمصر لدى البنك المركزي قد شهدت ارتفاعًا ملحوظًا لتغطي أكثر من 8 أشهر من الاحتياجات، حيث بلغ الاحتياطي نحو 47 مليار دولار أو ما يعادلها من العملات الأخرى، وهو ما يعزز من قدرة الاقتصاد المصري على التعامل مع الأزمات.
إضافة إلى ذلك، فإن التأثيرات السلبية المباشرة من النزاع في سوريا على الاقتصاد المصري قد تكون أقل مما يُتوقع، بالنظر إلى تراجع العلاقات التجارية بين البلدين قبل الأزمة. فقد شهدت الصادرات المصرية إلى سوريا انخفاضًا بنهاية العام الماضي، حيث تراجعت قيمتها من 362 مليون دولار إلى 304 مليون دولار. كما انخفضت الواردات المصرية من سوريا إلى النصف تقريبًا في عام 2023، حيث سجلت نحو 35 مليون دولار مقارنة بـ 70 مليون دولار في عام 2022. وبالتالي، فإن تراجع حجم التبادل التجاري بين البلدين قبل الأزمة قد يساهم في تقليل تأثيرات النزاع على الاقتصاد المصري.