يعيش العالم حالياً في عصر التحول التكنولوجي ، حيث يشكل الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في مجال التكنولوجيا ويتسارع تأثيره على مختلف جوانب الحياة بقفزات كبيرة شهرا بعد آخر، لدرجة أن وصلت استخداماته كل شيء تقريبا، بدءا من الحرف كرسم اللوحات الفنية وتأليف القصص وتحرير الأخبار والتصميم بمختلف أشكاله مرورا بالوظائف الخدمية في المطاعم والفنادق وصولا إلى المساعدة في تنفيذ بعض أعقد الوظائف مثل العمليات الجراحية، فهل يمكن الذكاء الاصطناعى أن يتفوق على البشر الذين ابتكروه ويحل محلهم حيث يشكل هذا التحول التكنولوجى الضخم تحديات وفرصاً جديدة، و يبدو واضحاً أن للذكاء الاصطناعي تأثيراً مباشراً على الإنتاجية والتوظيف، وحتى نماذج الأعمال الاقتصادية التقليدية .
أجمع الخبراء على أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعطي دفعة كبيرة للاقتصاد لسنوات، وأن المستثمرين قد يكونوا على أبواب موجة صعود كبيرة في سوق الأسهم فأن هناك جانباً من الزخم الذي تثيره شركات الذكاء الاصطناعي على مستوى الاقتصاد. بخلاف الزخم الواسع الذي تثيره تطبيقات واستخدامات الذكاء الاصطناعي المختلفة في مختلف القطاعات وبما يعطي دفعة قوية للاقتصاد العالمي حيث يعد الذكاء الاصطناعي ثورة تكنولوجية جديدة عملت على تغيير مجالات الصناعة والزراعة والصحة والتعليم والأعمال التجارية والاقتصادية.
وعلى ذلك توقع الخبراء فى هذا الصدد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يضيف من 15 إلى 20 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول العام 2030 فضلا عن أنه لديه القدرة على تحليل البيانات بشكل كبير ومدروس لإعطاء نتائج صحيحة بوقت ومجهود أقل. ويمكن أن يلعب دوراً واسعاً في عديد من المجالات والقطاعات، وبما ينعكس على الاقتصاد العالمي
ونود أن نوضح أن الدول التي لا تولي اهتماماً بمجال الذكاء الاصطناعى، قد تفقد فرصاً اقتصادية كبيرة وتواجه صعوبة لمواجهة التطورات العالمية، كما تواجه تحديات أكبر من الماضي بتبني هذه التكنولوجيا لبعض الدول، منها نقص البنية التحتية والرقمية والكوادر الماهرة، علاوة على نقص المهارات وغياب الدور الاستثماري الكبير في هذا المجال.
بينما على الجانب الآخر، فإن الدول الأكثر استخداماً للذكاء الاصطناعي، هي التي تُشجِّع على استثماره وتضع قوانين تنظم استخدامه، وهي من تجني ثمار التكنولوجيا بشكل أكبر حيث يلاحظ أن الدول الرائدة فى هذا المجال تتمتع بمزايا اقتصادية تنافسية من النواحى التالية :-
– زيادة الإنتاجية والإبداعية، وذلك من خلال تحويل الممارسات المختلفة من تقليدية إلى تكنولوجية ورقمية بحتة.
– تحسين كفاءة العمليات من خلال تحسين البيانات واتخاذ القرارات بشكل أفضل، مما يساعد في توفير الوقت والجهد وزيادة الأرباح.
– خفض التكاليف نتيجة تقليل العمالة البشرية في بعض الوظائف التي لا تحتاج إلى المهارة- –
تعزيز الابتكار من خلال تطوير المنتجات وتقديم خدمات جديدة تلبي احتياجات العملاء بشكل أفضل.-
– فتح آفاق جديدة للبحث والتطوير من خلال خلق فرص عمل جديدة في مجالات عديدة، مثل تطوير البرمجيات او وتحليل البيانات.
– خلق مجالات جديدة بالمعاهد والجامعات لاستحداث تخصصات تعليمية جديدة.
– التأثير على سوق العمل من خلال اختفاء الوظائف الروتينية، ما يؤدي إلى بطالة مؤقتة، وظهور وظائف تتطلب مهارات جديدة، مما يحدث تقلبات في سوق العمل.
– تعزيز التجارة الدولية وتسهيل تبادل السلع والخدمات.
تطوير الأدوية في مجال الصحة وتحسين تقديم الخدمات الصحية.
– تحسين إدارة المحاصيل ومكافحة الآفات والأمراض وتحسين الإنتاجية.
ولكي تستفيد الدول من الذكاء الاصطناعي بشكل كامل وتحقق تلك العوائد الاقتصادية عليها أن تأخذ في اعتبارها عدة عوامل تتمثل فيه:-
توفير البنية التحتية اللازمة لتطبيق هذا المجال.
البحث والتطوير في هذا المجال.
وضع قوانين تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول.
توفير دورات تدريبية لمساعدة العمال على التكيف مع التكنولوجية الحديثة.
معالجة التحديات الناجمة عن الذكاء الاصطناعي مثل التحيز والبطالة.
تطبيق القوانين والتشريعات بشكل عادل.
مما لا شك فيه أن التنمية الاقتصادية لأي دولة سوف تعتمد بشكل كامل في المستقبل على الذكاء الاصطناعي؛ مما سوف يؤثر بشكل كبير على قطاعات كبيرة من الهيكل الاقتصادي، سواء على الصعيد الداخلي أو الدولي ، وبأستعراض الاثر على بعض المجالات مثل :-
أولًا: الأثر على العمالة والتوظيف
دخول الذكاء الاصطناعي إلى مجال الأعمال يؤدي إلى زيادة الإنتاجية وتجنب البشر المخاطر الصحية والاجتماعية لبعض أنواع الأعمال. ومن هنا نجد أن بعض المهن سوف ينخفض الطلب عليها.
وهناك من المهن ما قد يزيد الطلب عليها، كما أن كثيرا من المهن قد تتحول آلية الأعمال الخاصة بها، مما يعني تحرك العمالة من جهة إلى جهة أخرى، ومن ثم نمو مهن وتراجع مهن أخرى.
ومن المتوقع أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى البطالة في سوق العمل لبعض الوظائف والمهن الروتينية مثل موظفي الاستقبال والإرشاد والمحاسبة، في حين أن المهن التي تحتاج إلى الابتكار والتخطيط والتفكير مثل المحاماة والطب من الصعب أن يحل الذكاء الاصطناعي محلها، وإن كان من الممكن أن يستخدم كمساعد لنمو تلك المهن.
أن الغير الراغبين في تطوير أنفسهم عبر التعلم والتدريب هم أبرز الخاسرين. ومن المتوقع أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى إزالة 85 مليون وظيفة وإنشاء 97 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2025، مما يؤدي إلى صافي زيادة 12 مليون وظيفة.
ثانيًا: الأثر على أسواق السلع (حركة الطلب)
أن الذكاء الاصطناعي يحسن من فهم الشركات للسوق وزيادة الكفاءة في إدارة المنتجات والخدمات، مما يؤثر إيجابيًا على أسواق السلع وحركة الطلب.من خلال :-
1- توقعات الطلب: يمكن الذكاء الاصطناعي المستخدمين من تحسين توقعات الطلب عبر تحليل البيانات التاريخية والعوامل المؤثرة في الطلب، بشكل أكثر دقة وفقًا لاحتياجات السوق.
2- تصميم المنتجات: يمكن للذكاء الاصطناعي فهم تفضيلات المشترين، لتلبية احتياجاتهم بشكل أفضل.
3- التسعير: يساعد الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات السوقية وتحديد استراتيجيات التسعير بناءً على عوامل الطلب والعرض والمنافسة،
4- خدمات العملاء: يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين خدمات العملاء من خلال توجيه العملاء إلى المنتجات والخدمات المناسبة وتقديم الدعم بشكل أفضل.
5- إدارة المخزون: يمكن الذكاء الاصطناعي من إدارة المخزون عبر التنبؤ بالاحتياجات، بشكل دقيق.
6- تخفيض التكلفة: تؤدي الأتمتة إلى خفض تكلفة الإنتاج وخدمات الشحن، مما يؤدي إلى خفض أسعار المنتجات.
7- تحليل البيانات: يمكن الذكاء الاصطناعي من استخدام البيانات بشكل أفضل من خلال فهم سلوك العملاء وتحليل أداء السوق.
ثالثًا: الأثر على سلاسل الإمداد
للذكاء الاصطناعي تأثير كبير على سلاسل الإمداد من خلال تحسين الكفاءة والجودة والتنبؤ بالاحتياجات، مع مراعاة التحديات والمخاوف المتعلقة بالأمان والخصوصية، ويبدو أثر الذكاء الاصطناعي على سلاسل الإمداد في التالي:
التخطيط: فيمكن تحسين تخطيط الإمداد وتوزيع المخزون بشكل أفضل من خلال معالجة للبيانات بسرعة وفعالية لتحليل الأنماط والاحتياجات المستقبلية.
التنبؤ: يمكن للذكاء الاصطناعي توقع الطلب المستقبلي ، مما يساعد في تجنب الفوائض أو النقص في المخزون.
3- الأتمتة: يمكن للروبوتات والأنظمة الذكية أداء المهام المتكررة في سلسلة الإمداد بشكل أسرع وأكثر دقة ، وهو ما يقلل الأخطاء والتأخيرات.
4- تحسين الجودة: حيث يمكن للذكاء الاصطناعي مراقبة جودة المنتجات واكتشاف العيوب مما يقلل من عيوب المنتجات والفاقد.
رابعًا: الأثر على أسواق المال
يؤثر الذكاء الاصطناعي بشكل كبير على أسواق المال والتمويل بطرق متعددة. ومنها:
1- التداول الآلي: يمكن الذكاء الاصطناعي تطوير أنظمة التداول الآلي بحيث تقوم باتخاذ قرارات الشراء والبيع للأصول المالية بسرعة أكبر، وذلك استنادًا إلى تحليلات دقيقة للبيانات والأنماط السوقية.
2-تحليل البيانات: يساعد الذكاء الاصطناعي في تحليل كميات ضخمة من البيانات المالية بسرعة وفعالية، مما يمكن من اتخاذ قرارات استثمار أفضل.
3- توقع الأسواق: يستخدم الذكاء الاصطناعي في إجراء تحليلات متقدمة لتوقع الاتجاهات السوقية والتغيرات في الأسعار، مما يساعد المستثمرين على اتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة.
4-الأمان والتحكم في المخاطر: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في زيادة أمان الأسواق المالية من خلال مراقبة وتحليل الأنشطة والتحكم في المخاطر المالية، واكتشاف الأنشطة غير المشروعة والاحتيال في الأسواق المالية.
أن زيادة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي يؤدي إلى انخفاض أسعار رأس المال، وزيادة الأجور، وزيادة الإنتاجية، ويصبح الذكاء الاصطناعي مكملًا للعمالة لا بديل لها، وهنا يأتي دور الدولة في تأهيل العمالة التقليدية والهامشية لمواكبة التطور في سوق العمل وامتصاص البطالة المتوقعة من تحول الوظائف في عصر الذكاء الاصطناعي.أخذ فى الاعتبار المخاطر السيبرانية والتكنولوجية الناجمة عن تنامي الذكاء الاصطناعي كإحدى سلبيات هذا الأمر، مما يستوجب التحوط والتنبه لهذه المخاطر حماية لاقتصاد الدولة من جراء الاختراق السيبراني والتعطل الإلكتروني عن العمل
بقلم /دكتور محمد الشوربجى
الخبير المصرفى