بقلم / دكتور رمزي الجرم
مع استمرار أمد الأزمة المالية التي سبيتها جائحة كورونا، وحالة عدم اليقين التي تسيطر على المشهد الاقتصادي العالمي، فإن هذا الوضع يلقي بظلاله على حالة من عدم الاستقرار المالي في أسواق المال العالمية،
وهذا ما يدفع المستثمرين الدوليين إلى اللجوء إلى توجيه استثماراتهم في استثمارات آمنة، ومن أهمها الاستثمار في الذهب، بإعتباره الملاذ الآمن في ظل الأزمات المالية بشكل عام.
وعلى نفس الدرب، نجد أن كلً من الذهب والنفط، يتم تحديد أو تقويم اسعارهما بالدولار الأمريكي، مما يوضح العلاقة بين البنود الثلاث، فعندما يرتفع الدولار الأمريكي، عادة ما تنخفض أسعار الأصول المقومة بالدولار،
كما أن هناك رابط آخر مهم بين الذهب والنفط، وهو التضخم، فمع ارتفاع النفط الخام؛ يرتفع التضخم بالتبعية، نظراً لأن زيادة أسعار النفط تؤدي إلى زيادة أسعار البنزين بإعتباره أحد مُشتقات النفط،
فإذا كان سعر البنزين أعلى من تكلفة نقل البضائع؛ فهذا يؤدي إلى زيادة المستوى العام للأسعار، او بمعنى اخر زيادة حِدة التضخم،
وبما ان الذهب يميل إلى الارتفاع مع ارتفاع معدل التضخم؛ فإن الزيادة في أسعار النفط الخام، تؤدي الى ارتفاع أسعار الذهب.
على جانب اخر وثيق الصلة، فإن معدلات النمو الاقتصادي، تعكس العلاقة بين أسعار النفط وأسعار الذهب، فارتفاع اسعار النفط في غالب الأمر، يكون ناتج عن زيادة معدل النمو الاقتصادي،
بسبب الاستخدام الصناعي المُفرط، والذي يدعم أسواق الأسهم، مما يضعف من الطلب على شراء الاستثمارات الآمنة وأهمها الذهب، وبالتالي تنخفض أسعاره؛ في المقابل، فإن انخفاض معدل النمو الاقتصادي، من شأنه أن يؤثر سلباً على معظم الصناعات،
وبالتالي يُضعف الطلب على النفط، وهذا يؤدي إلى تدهور في أسواق الأسهم، مما يُعزز من الطلب على الأصول البديلة والأمنة، مثل الاتجاه نحو الاستثمار في الذهب، ومن ثم ترتفع أسعاره، نتيجة زيادة الطلب؛
إلا أن هذا الأمر ليس هكذا دائماً، بسبب وجود عوامل استثنائية، إذ في بعض الأوقات يرتفع الدولار الأمريكي والذهب معاً، بسبب اتجاه المستثمرين نحو التحوط ضد مخاطر التغير في سعر صرف العملات أو مخاطر أخرى سياسية أو اقتصادية،
وبما يشير إلى أن العلاقة بين الدولار الأمريكي من جهة، وبين النفط والذهب هي علاقة عكسية، ولكن في بعض الأوقات، يكون لكل سلعة، بحكم طبيعتها واستخداماتها، أن تتأثر بعوامل مختلفة.
فنجد انه في الوقت الذي يُعد فيه الذهب ملاذا آمنا للمستثمرين والدول أيضاً، ومخزن للقيمة،؛ على الجانب الاخر، يعتبر النفط مصدرا للطاقة، ويدخل في معظم العمليات الإنتاجية في كافة بلدان العالم،
ويتأثر بالنمو الاقتصادي والتوترات الجيوسياسية بشكل عام، مما يجعل العلاقة من وجهة النظر الأكاديمية البحتة، تتغير بتغير تلك العوامل.
وبمتابعة الأحداث فيما يتعلق بالمعدن النفيس، نجد انه قد حقق خلال العام الماضي 2020 أعلى قيمه له، عند مستوى 2000 دولار للأوقية، إذ ارتفع لأعلى مستوياته منذ نحو سبعة أعوام سابقة، بمعدل 12٪ من بداية عام 2020،
وعلى الرغم من وجود حالة من التفاؤل نتيجة اكتشاف لقاح أو مصل ضد فيروس كورونا، إلا أن ذلك لن يقف عائقاً أمام زيادة الطلب على الذهب خلال العام 2021، بسبب خِفض البنوك المركزية لأسعار الفائدة والتوقعات الضبابية للاقتصاد الكلي أو حالة عدم اليقين التي تتعرض لها كافة الاقتصادات العالمية.
ومن الجدير بالذكر، أن إجراءات التحفيز واسعة النطاق من قِبل القائمين على أمور السياسة النقدية في البلدان المختلفة؛ سوف يكون لها انعكاسات إيجابية على الذهب،
من خلال قيام المستثمرين باستخدام الذهب كوسيلة للتحوط في مواجهة التضخم وانخفاض قيمة العملة، فضلاً عن أن تراجع الدولار الأمريكي خلال الفترة القادمة،
سوف يجعل الذهب أقل تكلفة لحاملي العملات الآخرى، إذ من المتوقع أن يتجاوز سعر الذهب ما بين 2200 إلى 2300 دولار للأوقية في نهاية العام الجاري 2021،
نظراً لتوقع زيادة الإصابات خلال الموجة الرابعة مع دخول فصل الشتاء، مما سيدفع المستثمرين للخروج من الأسواق، والاستثمار بقوة في المعدن النفيس.
والحقيقة، أن الركود الأمريكي، سيكون السيناريو المُحتمل خلال العام الجاري، مما سيكون له تأثير سلبي على الشركات الامريكية، التي تعتبر المُحرك الأساسي للاقتصاد العالمي،
ومع هبوط أسعار الأسهم الامريكية؛ من المتوقع أن يكون ذلك في اتجاه تراجع الدولار الأمريكي، مما يعني ارتفاع تكاليف الاستيراد،
وبما يؤدي الى انخفاض ملموس في ربحية الشركات الامريكية، مما يكون له أثر سلبي على ثقة المستثمرين في الاقتصاد الأمريكي،
مما سيدعم زيادة الطلب على الذهب، بمعدل يزيد عن 10٪ وسيؤدي ذلك؛ إلى زيادة أسعاره بشكل كبير خلال الفترة القادمة أو على أقصى تقدير عدم استقرار أسواق الذهب بشكل كبير.