أوضحنا فى مقالنا السابق رؤيتنا بالنسبة لسعر الفائدة بأن البنك المركزى المصرى فى أجتماعه ( والذى أنعقد فى شهر أغسطس الجارى) سوف تسير نحو رفع أسعار الفائدة مابين 5. % الى 1 %
خاصة أن قرار الفيدرالى الامريكى برفع أسعار الفائدة يشكل ضغطا على العملة المصرية حيث أن قرار رفع أسعار الفائدة يتزامن مع مفاوضات الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولى للحصول على قرض جديد ممايدفع المفاوضات نحو الوصول لاتفاق وجذب أستثمارات أجنبية فى أدوات الدين .
الا أننا فوجئنا فى يوم الأربعاء الموافق 18 أغسطس 2022 بقيام السيد محافظ البنك المركزي المصري الاستاذ / طارق عامر بالاعلان عن إنهاء ولايته الثانية واستقالته من رئاسة البنك المركزي المصرى ،
حيث أصدر فخامة رئيس الجمهورية ، قرار صباح ذات اليوم، بتعيين الاستاذ / طارق عامر، مستشار لرئيس الجمهورية، كما قدم له الشكر على ما بذله في الفترة الماضية خلال توليه مسئولية البنك المركزي المصرى، مع قبول استقالته بشكل رسمى،
حيث جاءت الاستقالة قبل أكثر من عام على نهاية ولايته الثانية والتي ستكون في نوفمبر 2023 ميلاديًا، وقد أوضحت بعض المصادر المصرفية أن أسباب الاستقالة يرجع الى الأسباب التالية :-
• – استمرار الخلافات بين محافظ البنك المركزي والقطاع الخاص بخصوص فتح الاعتمادات المستندية للمستودرين في البنوك المصرية.
• توقف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والذي يدرس ضخ المزيد من القروض إلى جمهورية مصر العربية.
• استمرار الخلافات مع قطاع الأعمال الخاصة منذ إصدار قرار وقف العمل بمستندات التحصيل على كافة السلع المستوردة، الأمر الذي تسبب في تعطل الأعمال وتعثر الصناعة فى مصر.
و يعني قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي باعتبار المصرفي الكبير الاستاذ/ حسن عبد الله، بصفته قائما بأعمال محافظ البنك المركزي ،باستكمال مدة الاستاذ/ طارق عامر المحافظ السابق المقرر أن تنتهي في 24نوفمبر 2023 اي بعد عام و3شهور ، ثم يتم تجديد الثقة فيه أو اختيار آخر .
لماذا تم حسم منصب محافظ البنك المركزي ؟
من المعروف أن الفترة الراهنة تشهد تحديات اقتصادية علي الصعيدين المحلي والعالمي وتتعلق بتدبير احتياجات البلاد من السلع الأساسية و توفير الموارد الدولارية لها بخلاف تذبذب أسعار الصرف الأجنبي و عدم استقرار اسواق المال المحلية والدولية،
بالتوازي مع تصادف تقديم أستقالة الاستاذ طارق عامر مع موعد انعقاد لجنة السياسات النقدية لحسم اسعار الفائدة في البنوك مما أدى الى خلو منصب محافظ البنك المركزي بشكل مفاجئ
وهو ما دعي القيادة السياسية للاسراع في حسم ذلك الأمر و طمأنة المؤسسات الدولية و القائمون علي صياغة الاقتصاد العالمى و كذلك المواطنين وخصوصا عملاء الجهاز المصرفى و القائمون على القطاع الاقتصادى والاستثمارى من القطاع الخاص .
بالإضافة إلي طبيعة منصب محافظ البنك المركزى المصري بصفته محافظا وممثلا لمصر لدي صندوق النقد الدولى والذي تجري مناقشات قائمة بين الحكومة المصرية وأدارة الصندوق للحصول علي تمويل لمواجهة أعباء تحديات الاقتصاد العالمي بعد الازمة الروسية الاوكرانية،
بالإضافة لتمثيل محافظ البنك المركزى لمصر لدي بنك التنمية الافريقي وعددا من المؤسسات الدولية الأخري ، وبالتالي كان من المنطقي حسم منصب محافظ البنك المركزي وعدم تركه شاغرا
بالإضافة لترأس اجتماع لجنة السياسات النقدية المقرر فى ذات يوم الاستقالة وخلال الساعات المقبلة منه لتحديد سعر الفائدة .
مبررات تثبيت سعر الفائدة
تم تعيين الاستاذ حسن عبدالله قائما بأعمال محافظ البنك المركزي المصرى قبل موعد أنعقاد أجتماع لجنة السياسات النقدية فى اليوم التالى وقد ترأس السيد القائم بأعمال محافظ البنك المركزى رئاسة اللجنة والتى قررت تثبيت سعر الفائدة،
متوقعة أن ترتفع معدلات التضخم نسبيا عن معدل التضخم المستهدف للبنك المركزي والبالغ 7% (± 2 نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022.
ويرجع أسباب هذا التثبيت لحين وضوح رؤية السياسة النقدية للمحافظ الجديد، وحتى لا تؤثر أي زيادة سلبا على الاقتصاد حيث إن قرار تثبيت سعر الفائدة بمثابة تأجيل لعملية اتخاذ قرار جديد بشأن الفائدة لحين التعرف على توجهات السياسة النقدية في ضوء خطة محافظ البنك المركزي الجديد، والذي تم تعينه قبل عقد الاجتماع بقليل
فضلا عن أن النشاط الاقتصادي العالمي اتسم بالتباطؤ نتيجة استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية إذ ساعدت العقوبات التجارية المفروضة على روسيا وما نتج عنها من اختناقات في سلاسل الإمداد والتوريد إلى ارتفاع الأسعار العالمية للسلع الأساسية، وكذا أسعار البترول والقمح.
وفي ذات الوقت تم تقييد الأوضاع المالية العالمية، حيث استمرت البنوك المركزية في الخارج في تشديد السياسات النقدية عن طريق رفع أسعار العائد و خفض برامج شراء الأصول لاحتواء ارتفاع معدلات التضخم في بلادهم وبالإضافة إلى ذلك،
تثير عمليات الإغلاق التي تم إعادة فرضها مؤخرا في الصين مخاوف بشأن إمكانية تفاقم اضطرابات سلاسل الإمداد والتوريد العالمية .
و أن زيادة سعر الفائدة بأي نسبة ستؤثر سلبا على تكلفة الدين ومناخ الاستثمار، والحالة الاقتصادية عامة والتي تعاني من حالة ركود في الوقت الحالي، وهناك آمال معلقة في أن يتخذ المحافظ الجديد قرارات وسياسات أخرى لفتح الباب أمام المصدرين لإتباع سياسات مرنة لسعر الصرف .
بالإضافة الى وجود تحديات تواجه معدل التضخم فى مصر خلال الربع الأخير، نتيجة التوقعات الخاصة بزيادة سعر النفط متأثرا بارتفاع الطلب خلال فصل الشتاء، واستمرار الازمة الروسية الأوكرانية، وهو ما يؤثر على معدل التضخم المستورد من الخارج على الأسعار في مصر.
وأكدت لجنة السياسات النقدية البنك المركزي أنها “سوف تتابع عن كثب كافة التطورات الاقتصادية ولن تتردد في استخدام كافة أدواتها النقدية لتحقيق هدف استقرار الأسعار على المدى المتوسط”، بحسب بيانها ..
ماذا يعني تثبيت سعر الفائدة؟
يعني تثبيت سعر الفائدة ثبات الأرباح على حسابات التوفير وشهادات وودائع البنوك وكذلك ثبات فائدة القروض ، فضلا عن ثبات سعر الائتمان والخصم الخاص بالمعاملات بين البنوك وبعضها ، كما ان تثبيت سعر الفائدة رسالة جيدة للمستثمرين.
كما يحافظ على السيولة في الأسواق وبالتالي ضمان استمرارية الكثير من المشاريع والمعاملات المالية ، لأن ارتفاع اسعار الفائدة يؤدى إلى ركود بالأسواق
نظرا للتهافت على إيداع الأموال في البنوك في صور متعددة للحصول على الفائدة المرتفعة و يجنب البلاد رفع الأسعار في الأسواق ، لأنه مع ارتفاع الفائدة ترتفع تكلفة المنتج الأساسي ومدخلات الإنتاج و يزيد سعر السلعة.
وأن تثبيت أسعار الفائدة يجنب البلاد مزيدا من الديون و الاعباء لإنها تصدر سندات و أذون خزانة يستحق لها فوائد للمستثمرين الاجانب .
الملفات المطروحة أمام المركزى :-
عندما قام فخامة الرئيس بتعيين الاستاذ عبدالله حسن قائم بأعمال محافظ البنك المركزى فقد أكد فخامته أثناء اللقاء على ضرورة تطوير السياسات النقدية؛
لتتواكب مع المتغيرات الاقتصادية العالمية، والعمل على توفير مصادر متنوعة للموارد من العملات الأجنبية، إلى جانب العمل على توفير المناخ المناسب للاستثمار
ومن هنا تم تلخيص ما هو مطلوب خلال هذه المرحلة الحساسة التى تمر بها البلاد و تتضح الرؤية للملفات التى يتعين طرحها أمام الحاكم المصرفى للبنك المركزى وتتلخص هذه الملفات فيما يلى :-
1- السياسة النقدية
– تطوير السياسة النقدية للبنك المركزي لتكون أكثر مرونة، وتسمح بجذب استثمارات جديدة، وحصيلة دولارية جديدة .
– الإفصاح عن السياسة النقدية لمصر للابتعاد عن التكهنات والشائعات التي من شأنها التأثير السلبي على الاقتصاد.
2- الاحتياطي النقدي
– تدعيم الاحتياطي النقدي للبلاد، بعد تراجعه إلى 33 مليار دولار بدلًا من 47 مليار دولار، خلال أقل من عامين.
3- جذب استثمارات جديدة
– جذب استثمارات جديدة من خلال سياسات تسهيل تحويل الأموال سواء للداخل أو الخارج، وعمل آلية لجذب مزيد من تحويلات العاملين بالخارج من خلال شهادات استثمار دولارية بعائد مميز.
4-السيطرة على التضخم
أن السيطرة على التضخم، يجري من خلال :-
– وضع حلول غير تقليدية والإبتعاد عن رفع سعر الفائدة لتأثيره على الموازنة العامة، وزيادة تكلفة التمويل.
– التنسيق مع إدارة البورصة لجذب مستثمرين من شركات وصناديق استثمار عربية وأجنبية للاستثمار في سوق المال.
– تسهيل التحويلات من وإلى الداخل.
– السماح بالاستيراد ولكن بضوابط ميسرة، من بينها إمكانية استيراد السلع بالتقسيط على فترات أقلها عام أو أكثر.
– الاتفاق مع وزارة المالية، للوصول لاسلوب مناسب بشأن حصيلة التصدير.
5- تطوير القطاع المصرفى
تطوير القطاع المصرفى وبناء كيانات اقتصادية وطنية ضخمة على غرار ما يحدث فى الدول الأخرى مثل دول الخليج، حتى تستطيع تلك الكيانات منافسة أى كيان عملاق من الخارج على المستوى المحلى أو العربى أو الدولى.
6- توفير التمويل اللازم للمشروعات
وهو ما سيعمل على خلق فرص عمل جديدة، على المستوى المحلى، وجذب الأجانب لتوفير عملة صعبة لدعم الاحتياطى النقدى وحل أزمة الدولارمما يغنينا السعى خلف «الأموال الساخنة» ، والتى لا تلبث أن تخرج فى أسرع وقت دون الاستفادة منها .
وفى ضوء ماسبق عرضه وعلى الفور وبعد مقابلة فخامة الرئيس أدار حسن عبدالله عجلة العمل حيث تم ترأس أجتماع لجنة السياسات المحدد له 18 الجارى
وتم اتخاد قرار تثبيت اسعار الفائدة وأعقبها بعد سبعة أيام أصدر البنك المركزي المصري، فى يوم الخميس 25 أغسطس 2022،
كتاب دوري بشأن الحدود القصوى لعمليات السحب والإيداع النقدي للأفراد والشركات سواء من خلال فروع البنوك أو ماكينات الصراف الآلي.
وأكد البنك المركزي المصري، في كتابه الدوري الذي حمل توقيع حسن عبد الله القائم بأعمال محافظ البنك المركزي، أن هذه الاجراءات التي تم العمل بها لفترة مؤقتة ضمن التدابير الاحترازية المتخذة لمواجهة آثار أزمة فيروس كورونا كوفيد 19.
وأضاف البنك المركزي المصري، أنه في ظل انحسار الأزمة وعملاً على التيسير على المواطنين والشركات، فقد تقرر، إلغاء الحدود القصوى لعميات الإيداع للأفراد والشركات بفروع البنوك وماكينات الصراف الآلي.
كما قرر البنك المركزي المصري، زيادة الحد الأقصى اليومي لعمليات السحب النقدي للأفراد والشركات من فروع البنوك من 50 ألف جنيه إلى 150 ألف جنيه مصري، مع الإبقاء على الحد الأقصى اليومي من ماكينات الصراف الآلي بواقع 20 ألف جنيه مصري.
وعلى ذلك نرى أن رجال البنك المركزى يديرون العمل على قدم وساق بما فيه مصلحة البلاد وتيسير العملية الانتاجية أخذا فى الاعتبار ارتفاع مستوى الاسعار .
أسلوب معالجة الأزمة
فى ضوء ماسبق نرى أن الملفات المطروحة متعددة ومتشابكة لايختص بها احد أو جهة مستقلة ولكن الامر متشعب وممتد لعدة جهات
وعليه نرى حتى يتم وضع العلاج الصحيح وتحديد طريق النجاة و النجاح فأن الامر يتطلب تشريح الوضع الاقتصادى وتشخيص على العلة أو المرض ذاته
وليس التعامل مع أعراض هذا المرض وتوضع خطة عاجلة على المدى القصير محددة الاهداف وكذا خطة على المدى البعيد محدد أهدافها وذلك من خلال مجموعة أقتصادية تحت اشراف رئيس الوزراء وتتكون من
محافظ البنك المركزى & وزير المالية & وزير التخطيط & وزير التعاون الدولى & على أنه يمكن الاستعانة بأصحاب ذو الخبرة
ويتم الاعلان من خلال مؤتمر علنى عام كل ماتتوصل اليه هذه المجموعة من حلول كل فترة زمنية مناسبة تتناسب مع الهدف المحدد أنجازه
حيث يجب المصارحة بكل شفافية حتى يتعاون الجميع على النهوض والتغلب على تداعيات هذه الازمة الطاحنة حيث النجاج هو نجاح فريق العمل ككل
ولايمكن أن ننسب التقصير او الفشل الى جهة بعينها لاننا جميعا مشاركون ومتشاركون فى وطن واحد ونسيج واحد
بقلم/الدكتور محمد الشوربجي
الخبير الاقتصادي