بقلم / دكتور رمزي الجرم
الخبير الأقتصادي
أدت العقوبات الاقتصادية المُتصاعدة التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية واوربا وبعض الدول الاسيوية التي تنتمي للمعسكر الغربي،على خلفية الأزمة الروسية الاوكرانية؛
إلى إحداث اكبر أزمة اقتصادية تُهدد كافة الاقتصادات العالمية بشكل عام، وإلى تصاعد اسعار النفط والغاز الطبيعي يشكل خاص، حيث تَخطى خام برنت حاجز 117 دولار للبرميل،
وخام غرب تكساس الأمريكي لنحو 115 دولار، وهو أعلى مستوى منذ عام 2008، مما أثار المزيد من التخوف والقلق، من أن تكون هناك عقوبات أخرى تستهدف صادرات النفط والغاز الطبيعي الروسي،
فضلا عن الآثار السلبية على خلفية التحديات التي تواجها السفن الروسية في الإبحار في البحر الاسود، والذي يُلقي بظلاله على تقليل كمية النفط والغاز الطبيعي التي تصل للأسواق العالمية،
بما في ذلك الإمدادات غير الروسية التي ستنقل بحراً عبر دول أخرى مثل كازاخستان.
ومن الجدير بالذكر، أن هذه الأزمة وانعكاساتها السلبية على أسعار النفط والطاقة، ربما تُعيد للاذهان (صدمة النفط الأولى) عام 1973،
على الرغم من أن الوضع الآن، يختلف كثيراً عما كان عليه في حقبة السبعينات، حيث لم يُكن هناك اعتماد كبير ومُتعاظم على النفط والطاقة، كما هو الحال اليوم.
والحقيقة، أن ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي، بخلاف ارتفاع مباشر في أسعار القمح والحبوب الغذائية الاخرى، من مُنطلق ان أوكرانيا،
كانت تمثل سلعة الغذاء الأوربي من القمح، بخلاف اعتماد روسيا على صادراتها من القمح والذرة والحبوب لكثير من دول العالم المختلفة؛ فمن المُرجح ان تشهد الفترة الحالية ارتفاع مُتصاعد في أسعار كافة السلع عالمياً،
وبشكل خاص اسعار السلع الغذائية، كما سيؤدي ذلك،إلى عودة شبح التضخم مرة أخرى، وبشكل اكثر تسارعاً، ليُهدد كافة الاقتصادات العالمية، خصوصاً أن العالم كان يواجه، قبل نشوب تلك الأزمة،
حالة من حالات الركود التضخمي، المُتمثلة في ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير، يصاحبه ارتفاع في معدل البطالة وإنخفاض في الناتج المحلي الاجمالي.
وعلى الشأن المحلي، من المرجح، أن يكون لإرتفاع أسعار النفط، إنعكاسات سلبية على الاقتصاد المصري بشكل غير محدود في ظل تسعير برميل النفط في الموازنة العامة للدولة عند مستوى 60 دولار فقط،
حيث سيؤدي استمرار هذا الأمر، إلى رفع اسعار البترول والطاقة من قبل لجنة التسعير التلقائي في المرة القادمة، وربما تتجاوز الأسعار إلى ما يقرب من ضعف الأسعار الجارية،
مما سيؤدي الى تصاعد معدلات التضخم بشكل كبير للغاية، وإلى حدوث موجه عارمة من الغلاء، مما سيدعوا الحكومة إلى التدخل لدعم مظلة الحماية الإجتماعية للفئات الفقيرة والأكثر احتياجاً، وما يترتب عليه من تخصيص موارد مالية باهظة في هذا الشأن.
إلا أن هناك جانب اخر، ربما يدعوا إلى التفاؤل إلى حد ما، في خصوص قُرب انتهاء تلك الحرب، نظراً لتحقيق معظم أهداف روسيا في أوكرانيا،
فضلا عن وجود توقعات تشير إلى عقد إتفاق نووي بين ايران والغرب، في مقابل ضخ المزيد من النفط الإيراني في الأسواق العالمية،
مما سيؤدي إلى تقليل حدة ارتفاع أسعار النفط عالمياً، بالاضافة الى قيام وكالة الطاقة الدولية لسحب نحو 60 مليون برميل من احتياطاتها النفطية للدول الاعضاء من أجل تهدئة مخاوف الاسواق بشأن تصاعد اسعار النفط العالمية،
وكذا، إنخفاض حجم الاستهلاك الاوربي للغاز والطاقة المستخدمان في التدفئة، مع دخول فصل الصيف خلال الفترة القليلة القادمة.