لا يستطيع احد أن ينكر التحديات الصعبة التي يتعرض لها الاقتصاد المصري منذ بداية ازمة الحرب الروسية الأوكرانية، والتي اشتدت حدتها بشكل غير مسبوق مع بداية الربع الاخير من العام الماضي،
على خلفية قيام البنك المركزي المصري، بتبني العديد من السياسات والإجراءات التي تَكُفل زيادة تدفقات النقد الأجنبي، من خلال تخفيض قيمة العملة المحلية بشكل كبير جدا،
ولم يحدث على مر العصور، فقد انخفض الجنية المصري امام الدولار، من 16.62 جنيه للدولار الواحد، في نهاية اكتوبر 2022 ليسجل اكثر من 30 جنيه للدولار الواحد خلال الفترة الحالية،
والذي أدى الى زيادة معدلات التضخم بشكل لم تشهده البلاد منذ فترات طويلة جدا.
ومن الجدير بالذكر، ان البنك المركزي المصري، كان قد تبنى أداة سعر الفائدة، باعتبارها الاداة السريعة، لمواجهة حدة التضخم الذي تَسارعت وتيرته بشكل مخيف ومقلق مع بداية العام الجاري، حيث وصل لمستوى 40٪ او نحو ذلك،
إلا المتابع لسير الأمور خلال عام مضى، يدرك بجلاء،ان تبتي أداة سعر الفائدة لمواجهة مُعدلات التضخم المُرتفعة، لم تنجح في تخفيض حدته، او على الاقل، ثبات معدلات التضخم عند مستوى معين، وياتي ذلك، على خلفية ان التضخم الذي يواجهه الاقتصاد المصري من نوعية التضخم الناتح عن زيادة تكاليف السلع المنتجة،
وزيادة اسعار السلع المستوردة المحملة بمعدلات التضخم في دولة المنشأ، اي انه من نوعية التضخم التكاليفي، وليس من نوعية التضخم الطلبي، الذي يتمثل في زيادة حجم الطلب، نتيجة وجود كتلة نقدية زائدة في الأسواق، ومن هنا، فإن استخدام أداة سعر الفائدة وحدها في معالجة التضخم، لم تزد الأمر الا سوءاً.
على جانب اخر، فإن هناك بعض الممارسات غير السليمة التي يمارسها أفراد المجتمع، والتي أدت إلى المزيد من الإخفاقات في مواجهة التحديات الحادثة على المشهد الاقتصادي، سواء العالمي او المحلي،
من اهمها: قيام عدد ضخم من أفراد المجتمع، او القطاع العائلي بشكل خاص، الذي يتم التعويل عليه في زيادة حجم المدخرات في البنوك، بوضع مدخراتهم في الذهب، بإعتباره الملاذ الآمن في وقت الأزمات، للتحوط ضد مخاطر الضغوط التضخمية، والبعض الآخر، يلجأ إلى الاحتفاظ بالدولار الأمريكي وغيره من الأرصدة الأخرى بالعملات الأجنبية،
مما خلق حالة خطيرة من الدولرة، ربما تدفع في المستقبل القريب إلى دولرة الاقتصاد، والذي سيكون له تداعيات سلبية خطيرة وكارثية على الاقتصاد المصري، نتيجة انخفاض الطلب على العملة المحلية، وزيادته بشكل كبير على الدولار والذهب، وهذه الممارسات، كفيلة بانهيار اي اقتصاد مهما كانت قوته.
والحقيقة، انه لا يمكن لأحد أن يغل يد احد في تحقيق مصلحته الشخصية، طالما كانت في أمور مشروعة؛ شريطة ألا تؤثر على المصلحة المجتمعية. فكل مستثمر او مُدخر، يرى من وجهة نظره ان الاستثمار في الذهب، مربح، كما ان الاحتفاظ بالدولار الأمريكي او غيره من العملات الأجنبية الأخرى،
سيحافظ على ثروته، الا ان هذه النوعية من الاستثمار او الادخار، لا يمكن أن يحقق مكاسب معقولة خلال المدى القصير، فالاستثمار في الذهب لا يقل عن سنة وقد يزيد عن ذلك على حسب الإستقرار في سوق الذهب، الا ان تلك النوعية من الاستثمار، تضر بشكل مباشر مصلحة المجتمع،
على خلفية، وضع أموال القطاع العائلي في استثمارات عقيمة بالنسبة للدولة، فشراء الذهب او احتفاظ الأفراد بالعملات الأجنبية، سيحرم الدولة من موارد مالية ضخمة، كان من الممكن أن يتم استثمارها في اوجه الاستثمارات المختلفة،
من أجل زيادة الناتج المحلي الإجمالي، بل وزيادة دورة الانتاج وزيادة الحصيلة الضريبية المتحصلة من أرباح الشركات والتنظيمات الانتاجية المختلفة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك العديد من الممارسات الأخرى غير السليمة، من أهمها واخطرها: هو تسعير الدولار الأمريكي بأسعار مختلفة امام الجنيه المصري، فتجار الذهب يقوموا بتسعير الدولار في اسواق الذهب بسعر قد يصل الى 50 جنيه للدولار الواحد،
وباقي التجار أيضا يقوموا بتسعير الدولار بسعر 40 جنيه، بخلاف تسعير السوق الموازي للنقد الأجنبي الذي يتم تسعيره عند مستوى 38 جنيه،
وهذه الممارسات من أخطر انواع الممارسات السلبية التي سيكون لها تداعيات سلبية وكارثية على الاقتصاد المصري، وبما يستدعي قيام الدولة بمواجهة تلك الظاهرة بحزم وحسم شديدين.
بقلم/ دكتور رمزى الجرم
الخبير المصرفى