بينما تستضيف مدينة الأقصر جنوبي مصر مراسم افتتاح طريق الكباش، الذي يعود تاريخه لنحو 3500 عام، يتابع الملايين الاحتفال الكبير المستلهم من عيد “الأوبت”، وهو ما يفتح أبواب التساؤلات حول هذا العيد وقصته.
ترجع قصة عيد “الأوبت” الي احتفال المصرين القدماء بعيد الأوبت الذي كان يقام كل عام مع بداية ارتفاع الفيضان في النصف الثاني من الشهر الثاني بفصل الفيضان، أي ما يوافق 30 أغسطس بحسابات اليوم، وكانت فلسفته تتلخص في أن الكون بأكمله يستعيد حيويته وعافيته وتجدده، استعدادا للموسم الزراعي الجديد.
ونشأ عيد الأوبت نشأ بالأساس في مدينة الأقصر عام 2000 قبل الميلاد تقريبا، في عصر الدولة الوسطى، وعندما أصبحت الأقصر عاصمة لمصر خلال الدولة الوسطى أصبحت أعيادها المحلية ذات طابع قومي، ومنها الأوبت”.
الإله آمون رع رب معبد الكرنك كانت وظيفته الأساسية أنه ملك الآلهة، ومَلَكية هذا الإله مثل مَلَكية البشر، تجدد كل عام، وحتى يتم تجديد مَلكية الإله آمون رع على عرش الآلهة، كان لا بد أن يمنحه إياها سلفه الإله آمون إله الأقصر، لذا كان يتحرك الموكب في عيد الأوبت من معبد الكرنك إلى معبد الأقصر لهذا الغرض”.
وهذه الطقوس كانت تحدث في معبد الأقصر الذي كان اسمه “إيبت – ريسيت” وترجمته بالعربية الحرم الجنوبي، وكان يطلق عليه أحيانا “تا – إيبت” التي تعني “معبد الحرم”، وهي الكلمة التي اشتق منها لاحقا اسم الأقصر قديما “طيبة”، التي تعني معبد الحرم.
وتتم مراسم الاحتفال في مقصورة الإيبت، وهي صالة كبيرة في معبد الأقصر، وفي حقبة الدولة الحديثة كانت تصل مدة الاحتفال بالعيد إلى 11 يوما في عهد الملكة حتشبسوت، وفي عهد رمسيس الثاني كانت تصل مدة الاحتفال إلى 22 يوما، أما في العصر المتأخر كانت الاحتفالات تستمر لـ27 يوما”.
وكانت طقوس العيد تبدأ من معبد الكرنك حيث تقدم القرابين للآلهة، ثم يتحرك الموكب على طريق الكباش إلى معبد الأقصر، يسير فيه كهنة يحملون 4 مراكب تضم تماثيل 3 آلهة، هم آمون ونوت وخونسو، إلى جانب مركب يحمل تمثال الملك آمون رع.
وأثناء مسيرة الموكب كان يتوقف 6 مرات، حتى يشترك العامة في طقوس الاحتفال، قبل أن يصل في النهاية إلى معبد الأقصر.
وفي طريق عودة الموكب إلى معبد الكرنك كانت تقام الطقوس الاحتفالية الكبيرة، حيث تعم البهجة وتشرب المشروبات وتقدم القرابين في خيام على طول الطريق، وكان يصحب كل خيمة فرقة موسيقية إلى جانب مشاركة الموسيقى العسكرية والفرق الأجنبية.
و كانت القرابين تضم أكثر من 50 نوعا من الحيوانات والطيور ، من بينها الأوز والبط المشوي والأضاحي من الأبقار والغزلان، إلى جانب كل أنواع الفطائر والكعك التي تصنع من العسل.
اما في عهد حتشبسوت كان يتحرك موكب العيد سيرا على الأقدام في طريق الكباش، أمّا في عهد الملك أمنتحتب الثالث فكان يتحرك في النيل، وكان يتوقف أيضا 6 مرات في طريقه، وهنا يشدد على أن “طريق الكباش لم ينشأ فقط من أجل عيد الأوبت، إذ كانت تمضي فيه مواكب دينية كل 10 أيام تقريبا”.
بدأ عيد الأوبت في الاندثار مع العصر الروماني عندما أغلق الرومان معبد الأقصر الذي كان المقر الرئيسي للاحتفال، ليتحول المعبد سنة 130 ميلادية إلى قلعة رومانية، أصبحت مقرا للحامية الرومانية التي تحكم مصر العليا.
وبسبب إغلاق معبد الأقصر لم يكن هناك مكان للاحتفال، فكان الأهالي يطوفون في شوارع الأقصر حاملين مراكب الآلهة، ومع دخول المسيحية مصر وصدور مرسوم إغلاق المعابد سنة 391 ميلادية وبمرور الوقت، اندثر عيد الأوبت، حتى طريق الكباش نفسه الذي كان مسارا للمواكب بدأ بالاختفاء تحت الأتربة، حتى تم اكتشافه عام 1949.
ومن بين الملامح المميزة لعيد الأوبت أنه ترك أثارا له رغم اندثاره، فشهر بابه في السنة القبطية مشتق من عيد الأوبت، ولا تزال أصداء هذا العيد موجودة حتى الآن في الأقصر، ففي مولد سيدي أبو الحجاج لا يزال يحمل الأهالي المراكب في موكب المولد، تقليدا لما كان معمول به قبل آلاف السنين.