تعاقبت على العالم هذا الأسبوع أحداث مهمة عديدة، تجعل من اختيار أحدها للكتابة عنه عملية صعبة، وإغفالاً لحق القارئ فى المعرفة، ويكفى أن الأسبوع شهد فى بدايته انعقاد ثلاث قمم دولية متنوعة خلال ثمان وأربعين ساعة وأن قارة آسيا وحدها انفردت بأن تكون ساحة لهذه القمم جميعا فى حدث نادر.
القمم الثلاث التى أقصدها هى القمة العربية فى جدة بالمملكة العربية السعودية الشقيقة، وقمة الصين+ 5 التى جمع الرئيس الصينى فيها ست دول من وسط آسيا وقمة الدول السبع الصناعية الكبري+ 8 والتى عقدت بمدينة هيروشيما باليابان ودعت الدول السبع إليها ثمانى دول أخرى للمشاركة فيها، على رأسها أوكرانيا.
عن هذه القمم الثلاث، هناك بعض الملاحظات أرصدها فيما يلي:
فى قمتى الصين ووسط آسيا.. والدول الصناعية السبع وضيوفها، كان الحضور كاملا والتمثيل على مستوى القادة والزعماء بلا استثناء.
فى القمة العربية حضر الرئيس الأوكرانى «زيلينسكي» كضيف شرف، وكان الوحيد الذى شارك فى قمتين من القمم الثلاث.
فى كلمته أمام القمة العربية قال الرئيس الأوكراني: «إن الأوكرانيين لم يختاروا يوما طريق الحرب التى تشنها روسيا، ولم تذهب قواتنا إلى أراضى غير الأراضى الأوكرانية، ولم نبدأ بخوض عمليات النهب لموارد غيرنا..
إننا لا نملك العديد من الطائرات المسيرة المقاتلة التى تقدمها إيران لروسيا ولا نملك أيضاً الكثير من أسلحة المدفعية، لكن نحن نبقى أقوياء لأننا نعرف ان الحق إلى جانبنا.. إننا نحاول قدر الإمكان دفع الغزاة عن أرضنا،
وأى شخص يدافع عن أرضه من الغزاة اوعن الأطفال من الاستعباد فهو محارب على طريق العدالة.. وأنا فخور بأننى أمثل هؤلاء المحاربين وكل الشعب الأوكراني».
هذه الكلمة تثير سؤالين:
الأول- ألم يلحظ الرئيس الأوكرانى انه يحاول تسويق قضية بلاده، فى محفل يضم رئيس دولة فلسطين التى يناضل شعبها منذ ثلاثة أرباع قرن للحصول على حقوقه،
واستعادة أرضه من مغتصبين من ملته، ويتمتعون بدعم وحماية كاملة من الغرب الذى انشأ دولتهم، وفى ظل انعدام كامل لتكافؤ أو توازن القوي، ويسقط منهم الشهداء كل يوم؟! وانه يتحدث فى وجود رئيس وزراء العراق الذى دمر الغزو الأمريكي- البريطانى بلاده،
والرئيس السورى الذى استباح التحالف الدولى الغربى أرض شعبه، وممثل ليبيا التى دمرها حلف الأطلنطى ولاتزال تكافح من أجل استعادة تماسكها واخراج الأطراف الأجنبية من أراضيها وجميع هؤلاء لم تذهب قواتهم إلى أراض غير أرضهم.
السؤال الثاني: لو نظرنا إلى المسألة بطريقة عكسية.. هل يا ترى يمكن لداعمى الرئيس الأوكراني.. مثل مجموعة الدول السبع أو الاتحاد الأوروبى أو حلف الأطلنطى أن يقبل أى منهم استضافة الرئيس الفلسطينى ليتحدث أمام قمة أى منهم عن قضية العرب الأولي، والتى لا سلام فى الشرق الأوسط الذى يخطبون وده الآن بدون حل لها على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي؟!
أترك القمة العربية إلى القمة الصينية.. خمس دول تمثل منطقة وسط آسيا حضرتها وهى كازاخستان- طاجاكستان- تركمانستان- أوزبكستان- قرغيزستان.. وقد سبقت الصين بهذه القمة، حيث عقدت يوم الخميس الماضى قبل يوم من انعقاد القمتين الأخريين وأرادت بها أن تستعرض نفوذها الإقليمى فى قلب قارتها، فى مواجهة قمة الدول السبع التى سعت لـ»تحجيم» هذا النفوذ، ومحاولة تطويق الصين بتحالفات وشراكات مع اليابان وكوريا الجنوبية واستراليا وعديد من جزر المحيطين الهادى والباسفيكي.
أغرب ما فى قمة الدول السبع، فيما يتعلق بالصين أن بيانها الختامى تضمن الآتي:
– الاعتراض على ما أسمته «سياسة الاكراه الاقتصادي» التى قالت إن الصين تتبعها للحصول على مواد خام مهمة والتحكم فى سلاسل التوريد العالمية.
– الاعتراض على «أنشطة الصين العسكرية» التى قالت انها تمارسها فى آسيا والمحيط الهادي.. أى فى قارتها ومجالها الحيوي، وليس فى المحيط الأطلنطى مثلا.
– الاعتراض الروتينى على أوضاع حقوق الانسان فى الصين وهو الملف الذى يلوح به الغرب فى وجه أى دولة يعتبرها غير صديقة، أو حتى صديقة ولكنها تحاول أن تكون صديقة للجميع وهو يرفض ذلك.
– أخيراً.. وهذا مكمن الغرابة.. انه بعد كل هذه الادانات أو الاعتراضات، يتضمن البيان فقرة تطالب الدول السبع فيها الصين «بممارسة الضغط على روسيا لوقف عمليتها العسكرية فى أوكرانيا وسحب قواتها فوراً.. وبشكل كامل وغير مشروط.. هكذا من الأراضى الأوكرانية»!!
أى بالمنطق الشعبى عندنا «حسنة وأنا سيدك».. فإذا كنتم عاجزين بكل قوتكم العسكرية وعقوباتكم، عن جعل روسيا تفعل ذلك.. وتريدون من الصين المساعدة.. فلماذا استخدام أسلوب «الإرهاب» وليس مجرد «الإكراه» المادى والمعنوى كمقدمة لطلب المساعدة.
أترك القمم الثلاث، إلى تصريح أراه مهماً، أدلى به «جوتيريش» السكرتير العام للأمم المتحدة هذا الأسبوع وقال فيه: «إن الوقت قد حان الآن لإصلاح مجلس الأمن ونظام «بريتون وودز» وهو النظام الذى وضع عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وأنشيء بمقتضاه صندوق النقد الدولى والبنك الدولي.
«وجوتيريش»- على مستوى التصريحات- يعتبر واحداً من أشجع من تولوا قيادة المنظمة الدولية، فله تصريحات مهمة أدان فيها تلاعب القوى الكبرى فى عملية توزيع لقاحات كورونا خلال الجائحة.. وتصريحات أدان فيها «جشع» الدول الغنية فى فرض شروط قاسية على قروضها للدول الفقيرة وبأسعار فائدة مبالغ فيها.
1w
وأقول «على مستوى التصريحات» تحديدا، لأن الرجل لا يملك إلا القليل من الصلاحيات العملية التى تمكنه من تغيير النظام العالمي.. لكن يكفى انه يعبر بوضوح عن انحيازاته واستجابته لدعوات التغيير.
على هامش اجتماعات بنك التنمية الأفريقي بمناسبة استضافة مصر للاجتماع السنوى لمجموعة بنك التنمية الأفريقى فى شرم الشيخ هذا الأسبوع أتذكر مصرياً عظيماً كان من أوائل من أسسوا لدور مصر فى هذا البنك بجهد وطنى مخلص، وهو الاقتصادى الكبير أبوبكر على عبدالعاطي، أول مدير تنفيذى مصرى لهذا البنك، وممثل مصرفى اجتماعاته بمقره «أبيدجان» لدورتين متتاليتين خلال الفترة من 1982-1976.
حياة هذا الرجل رحلة عطاء وطنى فى الجهاز المصرفى المصرى وخارجه منذ تخرج فى قسم الجغرافيا بكلية الآداب، زميلا للدكتورين صبحى عبدالحكيم وصفى الدين أبوالعز، والتحق بالعمل فى البنك الأهلى المصرى ثم منه إلى البنك المركزى عند تأسيسه،
حيث شارك فى انشاء وحدة البحوث الاقتصادية فى البنك التى تحولت على يديه إلى إدارة عامة، تولى قيادتها فى أوائل الستينيات، عندما تفرغ مديرها العام فى ذلك الوقت الدكتور محمد زكى شافعى لتأسيس كلية الاقتصاد والعلوم السياسية التى شرفت بالدراسة فيها، وجعل من الإدارة مدرسة للبحوث الاقتصادية تخرج فيها مئات من الباحثين.
ومن منصبه كوكيل للبنك المركزى للبحوث الاقتصادية تم تكليفه بتمثيل مصر فى بنك التنمية الأفريقى وعندما عاد بعد انتهاء مهمته،
اختاره محافظ البنك المركزى وقتها عبدالفتاح إبراهيم مستشاراً اقتصادياً للبنك ليواصل دوره الوطنى حتى انتهاء خدمة المحافظ.
تحية لروح رجل أعطى لمصر الكثير دون أن يبحث عن مجد شخصى أو تكريم حتى رحل عن ست وتسعين عاماً.
بقلم/الأستاذ محمد أبو الحديد
الكاتب الصحفي القدير