في فعالية نحو دعم الاقتصاد الوطني قدمت جامعة النهضة عبر كلية إدارة الأعمال وقيادتها الأمينة إنموذجًا لحرفية العمل التوعوي والثقافي في صورة بالغة الدقة وبمهنية عالية نوقش عبر جلسات تلك الفعاليات واقع الاقتصاد المصري مع إبراز نقاط الضعف والقوة لا من باب التنظير فقط كما تعودنا سماعه تلك الأيام , ولكنه تطرق فنيًا لمسألة المعالجات الحثيثة والتي روعيت فيها المهنية والموضوعية من أصحاب الخبرة وأرباب الأعمال أنفسهم , تعزيزًا لمزيد من الإيمان بقدرة الاقتصاد المصري على التنافسية والنهوض وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة فى المستقبل القريب.
وقد أسعدنى الحظ الوفير بأنى كنت أحد المدعويين لهذه الفعالية فعبر ثلاث جلسات متواصلة روعيت فيها مناقشة بعض النقاط الهامه حول ما يثار بشأن المعوقات الإستثمارية بمصر سواء كانت تلك الإستثمارات داخلية أو خارجية وذلك على النحو التالي:
تعرضت إحدى الجلسات لمنظومة التشريعات والقوانين والقواعد المنظمة لجذب الإستثمارات والتى تتعرض لطرق تطبيق مغايرة لأهداف الدولة من وضع وسن تلك التشريعات , حيث ارتأت الدولة وجهازها التشريعى من خلال تلك القوانين ضرورة تنفيذ تعمل على الجذب وليس العكس , بينما كان للجهاز التنفيذي لتلك الأنظمة وجهة نظر أخرى مما أدى إلى وجود العديد من المبادرات للدولة المصرية لجذب تلك الإستثمارات ومحو المعوقات الإدارية من خلال إطلاق منظومة الشباك الواحد ومؤخرًا الرخصة الذهبية وغيرها من المبادرات والتى تعالج بطء تنفيذ الجهاز الإداري لتلك القوانين مما يتطلب مستقبلا وجود رؤية وخطة ثابته لإنجاز تلك القوانين والتصريحات بشكل عام فى جميع الأجهزة والجهات صاحبة الشأن مع دعم منظومة التعامل الإلكتروني بشكل جاد وموثوق .
من جهة أخرى تناولت أحدى وجهات النظر ضرورة مراجعة القوانين الخاصة بالإئتمان وقواعد الإقتراض من المؤسسات المصرفية الداعمه للمشروعات الصغيرة والبحث عن ألية جديدة لمشاركة ارباب تلك الأعمال وتحمل جزء من المخاطر الخاصة فيما يتعلق بالمشروع ونجاحه من عدمه وفصل الإلتزام المدنى بسداد أقساط هذا القرض وعدم إضفاء الصفة الجنائية على تلك الإلتزامات عبر أليات الأوراق التجارية كالشيكات وخلافه مما يبث روح التخوف من فشل المشروع ومن ثم الإيداع بمؤسسة عقابية ما يساعد على عزوف المئات ممن يرغب في البدء بمشروعات صغيرة خوفا من هاجس فى المستقبل قد لا يحدث أساسا.
وفي عرض بالغ الأهمية لموضوع الاقتصاد غير الرسمي وحجم التدفقات المالية والنقدية داخل الأسواق دون راقبة أو معلومات عنها, فقد أفادت أطروحات المؤتمر فى أهمية هذا القطاع فى مؤازرة الدولة وأهمية البحث عن تقديم الدعم لتلك المشروعات وإزالة ما لديها من هاجس الملاحقة بسلاح الضرائب , والذى أصبح عقيدة راسخة لدى الكثيرين من أرباب تلك الأعمال أن سعي الدولة من إدخال تلك الاقتصادات داخل حوزة الاقتصاد الرسمي هو فقط بغرض ضريبيًا بحت , وذلك لن يأتي إلا من خلال برامج توعوية ومعززة للانضمام الى الاقتصاد الرسمي مع ضرورة توضيح معاملتهم ضريبياً حال إنضمامهم بشكل واف كاف.
وعبر القطاع الاستثماري الزراعي وما يمكن أن تقدمه مصر من إستثمارات بينية بينها وبين دول الجوار بأفريقيا لما تتميز به أرض القارة السمراء من وفره غير مستغله من خلال إستغلال الأيادي العامله المصرية ( الفلاحيين والمزارعين) ورأس مال إستثماري مخصص لهذا القطاع , فى إطار المنفعه المتبادلة ليكون بذلك بديلا إستراتيجيا في المستقبل عن دول خارج القارة السمراء وما قد يمثله من عبء لوجيستي كبير.
وقد ناقش المؤتمر وثمن جهود الدولة لمساندة القطاع الخاص عبر وثيقة أملاك الدولة ودورها فى دعم التحول إلى ما يسمي بالحياد التنافسي وأهمية ذلك فى تقديم الدعم الكامل للقطاع الخاص دون مزاحمة او تنافس غير متكافئ , ودفع هذا القطاع لمزيد من النشاطات داخل هيكل الاقتصاد المصري إيمانا من الدولة بإعتبار هذا القطاع شريك إستراتيجي فى عمليات التنمية والنمو الاقتصادي وقدرته وما يمكله من إمكانات فى تلبية الاحتياجات الأساسية داخل سوق الإستهلاكي والإنتاجي بمصر.
وعن مسألة الوعي كان لها النصيب الأوفر فى مناقشات المؤتمر بشكل خاص حيث ما زالت هناك شريحه كبيرة داخل المجتمع المصري لا تعى بأهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة وما يمكن أن يتوافر لديها من مزايا عديدة فضلا عن إعتبار تلك المشروعات قاطرة حقيقة للتنمية , وأود إضافة إلى ذلك ضرورة تعميم تدريس مادة إدارة المشروعات الصغيرة والمتوسطه كمادة مهارية تدرس بالجامعات المصرية فى السنوات النهائية لجميع الكليات بكافة أنواعها حتى تساعد أكثر على نشر الوعى المجتمعي إضافة إلى إيجاد فرصة حقيقة لمعالجة مشكلة البطالة ودفع المتجمع الصناعي والانتاجي والحرفي بمصر .
لتكون بذلك تجربة جامعة النهضة وفعلياتها الاقتصادية من خلال كلية إدارة الأعمال دليل شامل وروشتة علاجية نحو الخروج من الأزمة الحالية ودعوه إلى مزيد من الأمل لوجود الإمكانيات والفرص إذ تمت معالجتها بشكل مهنى ودقيق, لذلك اتمنى أن تخرج توصيات هذا المؤتمر في صيغة إرشادية قابلة للتنفيذ للجهات المعنية مع ضرورة دراسة أثر التغير نتيجة الإستجابة لتلك الإرشادات ,مع ضرورة بحث التوجه العالمي ليس فقط لجذب الإستثمارات بشكل عام ولكن لجذب الإستثمارات الخضراء وفرص مصر المستقبل فى إستدامة بيئتها بتلك الإستثمارات في مؤتمر النهضة القادم بأذن الله.
بقلم / دكتور عمرو يوسف
الخبير الاقتصادى