ينعقد حاليا اجتماعات مجلس أمناء الحوار الوطني بمقر الاكاديمية الوطنية للتدريب ليستكمل تجهيزات بدء الحوار المقترح انطلاقه يوم 3 مايو المقبل ,
والذي كان قد دعا اليه الرئيس عبدالفتاح السيسي في السادس والعشرون من ابريل من العام الماضي.
وأكد ضياء رشوان المنسق العام للحوار الوطني علي أن استمرار الإعداد لبدء الحوار كما هو مقترح في ظل هذه الظروف، يؤكد علي ضرورته لبحث كل ما يهم الشعب المصري وأولويات عمله الوطني،
وإصرار كل الأطراف المشاركة فيه علي نجاحه تحقيقا لآمال وتطلعات شعبنا العظيم. واكد ايضا علي بدايه اللجنات المنبثقة في السابع من مايو بداية بالمحور السياسي ويليه المحور الاقتصادي في التاسع من مايو ويتبعهم المحور الاجتماعي
يتمثل دور الحوار الوطني في مصر في تعزيز التفاهم والتعاون بين المختلفين، وخاصه بين الحكومة والمجتمع المدني، من خلال مناقشه الموضوعات المختلفة والتوصل إلي حلول مشتركه للتحديات التي تواجه البلاد، بما في ذلك التحديات الاقتصادية.
حيث يعتبر الحوار الوطني مفتاحًا لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وذلك لأنه يعمل علي إيجاد الحلول الوسطي التي تلبي احتياجات المختلفين. فالاستقرار الاقتصادي لا يمكن تحقيقه بشكل فردي، بل يتطلب تعاونا واسع النطاق بين المجتمع المدني والحكومة.
ومن أهم الفوائد التي يوفرها الحوار الوطني في دعم الاقتصاد المصري، هو تحسين بيئة الأعمال وزياده الاستثمارات. فالحوار الوطني يوفر فرصه لتحسين بيئة الأعمال في مصر،
من خلال التركيز علي الإصلاحات الاقتصادية وتوفير البيئة المناسبة للاستثمارات. ومن خلال زياده الاستثمارات، يمكن تحسين الوضع الاقتصادي في مصر وتوفير فرص العمل للشباب والمواطنين.
بالإضافه إلي تحسين بيئة الأعمال وزياده الاستثمارات، يمكن للحوار الوطني أن يساعد في تحقيق العدالة الاجتماعية والحد من الفقر والبطالة. فعندما يتم توفير فرص العمل وتحسين الوضع الاقتصادي،
يمكن للمواطنين الحصول علي دخل أفضل والعيش بشكل أفضل، وبالتالي يتم تحسين مستوي المعيشة للمجتمع بأكمله. بالإضافه إلي ذلك، يمكن للحوار الوطني أن يساهم في تحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الزراعة والصناعة الغذائية في مصر.
فالحوار الوطني يوفر فرصه لمناقشه السياسات والإصلاحات التي تحتاجها الزراعة والصناعة الغذائية، وبالتالي يمكن تحسين إنتاجيه القطاعات الزراعية والصناعية وزياده إنتاج المواد الغذائية والحد من الاعتماد علي الواردات.كما يمكن للحوار الوطني أن يساهم في تعزيز التعليم وتحسين جوده التعليم في مصر.
فالحوار الوطني يوفر فرصه لمناقشه السياسات والإصلاحات التي تحتاجها التعليم، وبالتالي يمكن تحسين جوده التعليم وتوفير فرص التعليم للجميع، بما في ذلك الفئات الأكثر فقرًا والمهمشة.
تمثل الدعوة للحوار الوطني الشامل فرصه حقيقيه لإرساء دعائم ثابته لما يسمي بالجمهورية الجديدة، وتشير دراسة التجارب الدولية منذ الثورة الصناعية الأولي وحتي الآن إلي أن الركيزة الاقتصادية تمثل الدعامة الأساسية لأي مرحله جديده في النمو البشري،
ومن هذا المنطلق فسوف نركز علي النواحي الاقتصادية المطلوبة لانطلاقه جديده تحدد مسار التنمية في المستقبل، وليس معني هذا بالطبع التقليل من شأن الجوانب الأخري للتقدم وخاصه النواحي السياسة والاجتماعية والثقافية،
إذ إن تلك الركائز تمثل صمام الأمان لتحقيق التقدم الاقتصادي المستدام، فلا يمكن أن نتصور حدوث نهضه اقتصاديه بدون استقرار اجتماعي عن طريق السياسات الاحتوائية التي تضمن التوزيع العادل لثمار النمو علي جميع فئات المجتمع.
كذلك لا يمكن تصور هذه النهضة الاقتصادية في ظل سياده ثقافه لا تعلي قيم الإنتاج والعمل المنتج وصيانه الأصول العامة التي تم تراكم الاستثمار فيها عبر فترات سابقه. والحفاظ علي منظومه القيم التي تمثل صلب الهوية الوطنية.
إن الوضع الاقتصادي الذي يمر به العالم اليوم يشبه إلي حد كبير أحداث الكساد العظيم الذي ضرب العالم في (1929ــ1932)، والذي مثل تهديدا كبيرا للنموذج الاقتصادي السائد في ذلك الوقت، وتمثلت عظمه الاستجابة لتلك الأزمة في تطور سريع
وملموس في الفكر الاقتصادي الذي حاول جاهدا أن يقدم حلولا عمليه للخروج من الأزمة وإرساء أسس التقدم في فتره ما بعد الأزمة. وقد قاد هذا الاتجاه الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز الذي ركز علي أهميه السياسات في الأجل القصير التي تستهدف إعاده النشاط للحياة الاقتصادية.
وفي ظل التحديات الاقتصادية الراهنة التي حيث تعاني من تحديات اقتصاديه كبيره مثل ارتفاع الدين الخارجي وارتفاع الاسعار ونقص في السيولة من النقد الاجنبي والبطالة وارتفاع معدلات التضخم وتقلص الاحتياطي النقدي. وفي ظل هذه التحديات الاقتصادية، يتسائل الكثيرون عن دور الحوار الوطني في طرح حلول للخروج من الوضع الراهن .
إن مواجهة هذه التحديات بالبناء على ما تم تحقيقه فى الماضى ليس بالعسير، والمقترح هو تبنى برنامج وطنى لانطلاق الاقتصاد المصرى يشمل حزمة متسقة من السياسات قصيرة الأجل (2023 ــ2030) على أن تضمن، بالطبع، الاستمرارية فى الأجل الطويل.
وينهض هذا البرنامج على ثلاث ركائز رئيسية:
أولا، التصنيع: فإذا ما أردنا أن نلخص تجربة دراسة ورسم سياسات التنمية فى العقود الأربعة الماضية فلا أجد إلا كلمة واحدة وهى التصنيع.
إن التحول الكبير فى مصر لابد أن يعتمد على طفرة جديدة فى التصنيع، أى لابد من إحداث تغير هيكلى فى بنية الاقتصاد المصرى تكون فيه الصناعة هى «قاطرة التنمية». وهذه هى خلاصة تجربة النمو فى الدول المتقدمة والاقتصادات الناشئة على حد سواء.
ويتطلب ذلك تصميم وتنفيذ سياسة صناعية حديثة تقوم على دخول مصر فى سلاسل الإنتاج العالمية، وذلك بتأهيل قوة عمل صناعية على رأس العمل، وإزالة معوقات الاستثمار، وإنشاء مؤسسات تنموية حقيقية ودعم جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر،
ودراسة القدرة التنافسية لمصر والقضاء على عوامل انخفاضها ودعم مصادر تقويتها. هذه الرؤية المستقبلية للاقتصاد المصرى لابد أن تبدأ بتحديد هدف أن تمثل الصناعة 40% من الناتج المحلى الإجمالى (36% فى ماليزيا مثلا) فى مقابل نصيبها الآن وهو 17%.
وتنفيذ السياسات الصناعية وإنشاء المؤسسات (وليس الكيانات البيروقراطية) اللازمة لتحقيق هذا الهدف. وهنا لابد أن تتجه سياسات الأجل القصير إلى الإحلال محل الواردات Import Substitution، بالاستناد على القائمة التى أعدها مركز تحديث الصناعة، مع تعبئة الموارد اللازمة، و«نسف» جميع المعوقات القانونية والبيروقراطية التى تعترض تحقيق هذا الهدف.
إن هذه الاستراتيجية يمكن أن تعطى دفعة تاريخية للقطاع الخاص، بدلا من المناقشات العقيمة حول ما هو للدولة وما هو للقطاع الخاص.
ثانيا: إعداد قوة العمل المصرية لتحقيق الطفرة الصناعية المنشودة والارتقاء بمستوى التنافسية فى ظل هيمنة التقدم التكنولوجى المعاصر.
وهناك إجماع على أن الموارد البشرية هى المصدر الأساسى للميزة النسبية لمصر، نظرا لندرة الموارد الطبيعة الأخرى. ولكن التطور التكنولوجى فى العالم يحتم الارتقاء بمهارة قوة العمل؛
إذ إن هذا التطور يعنى اختفاء وظائف قائمة وهى الوظائف المكتبية وتلك المعتمدة على التكرارية واستحداث وظائف جديدة تتطلب التعامل مع متطلبات الثورة الصناعية الرابعة. إن التحدى الأكبر يتمثل فى النمو السكانى المنفلت، فسوف يرتفع عدد سكان مصر من 103 ملايين حاليا إلى نحو 120 مليونا فى 2030،
وينتج عن ذلك زيادة القوة العاملة من نحو 30 مليونا حاليا إلى ما يقرب من 35 إلى 40 مليونا فى عام 2030، أى أن التحدى هو توفير ما يقرب من مليون فرصة عمل منتج سنويا، حتى نستطيع المنافسة دوليا،
وحتى نوقف تسرب الشباب إلى القطاع غير المنظم المنخفض الإنتاجية والمتدنى الأجر وهنا لابد من إعادة النظر كليا فى منظومة التدريب، وإقامة الصندوق الوطنى للتدريب على أسس سليمة.
ثالثا، تعزيز الركيزة الاجتماعية للنمو: إذ إن النمو السريع غالبا ما يؤدى إلى اتساع الفجوة بين الفئات المختلفة، وهنا يأتى دور الدولة فى تصحيح مسارات السوق التى قد تتجه إلى زيادة اللا مساواة.
ومن أهم السياسات فى هذا المجال السياسة الضريبية، فلابد من إصلاح الهيكل الضريبى القائم الآن بما لا يخل بنظام الحوافز للقطاع الخاص.
بالإضافة إلى ذلك فإنه من الضرورى تعزيز برامج الحماية الاجتماعية الحالية من حيث الشمول والاستمرارية والاستدامة.
إن من شأن تنفيذ هذه السياسات والتركيز على الأجل القصير هو ضمان توجيه الموارد المحدودة للدولة والمجتمع لتحقيق نتائج ملموسة تدعم مسار التقدم فى البلاد فى إطار بيئة دولية متقلبة ووضع جيوسياسى إقليمى محفوف بالمخاطر.
إن الأمل معقود على أن يخرج الحوار الوطنى بتشكيل مجموعات عمل (وليس لجان) تركز كل منها على محور محدد من محاور العمل الوطنى وبلورة خطط واضحة لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية، وليكن الشعار هو ما رفعناه فى الحركة الطلابية فى الستينيات «كن واقعيا، واطلب المستحيل».
وفي النهاية، يمكن القول أن الحوار الوطني هو أداه مهمه لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في مصر. ومن خلال توفير البيئة المناسبة للتعاون والتفاهم، يمكن للحوار الوطني أن يساهم في تحقيق التنمية المستدامة وتحسين مستوي المعيشة.
بقلم / دكتور عمرو سلامة
الخبير الاقتصادى