بقلم /دكتور أحمد شوقي
يعتبر الشمول المالي Financial Inclusion أحد الأليات التي تتبناها الدول لتحسين المستوى المعيشي للأفراد والمؤسسات والقضاء على الفقر،
والذي ظهر بشكل جلي علي يد الدكتور محمد يونس جراء انشاء بنك جرامين عام 1979 في بنجلاديش لإقراض الفقراء بنظام القروض المتناهية الصغر ،
والتي تساعدهم في القيام بدر دخل لهم في حياتهم البسيطة وفد حصل عنها دكتور محمد يونس جائزة نوبل للسلام عام 2006.
ويرجع أول ظهور لمصطلح الشمول المالي في دراسة عام 1993 والتي تناولت أثر إغلاق أحد البنوك في جنوب شرق إنجلترا على قدرة سكان المنطقة للوصول للخدمات المصرفية..
والشمول المالي هو توفير الخدمات المالية للطبقات الفقيرة بشكل دائم وبتكلفة يمكن تحملها بهدف دمج هذه الشريحة من المجتمع في الاقتصاد الرسمي وفقاً لتقرير الأمم المتحدة United Nations ،
ويلعب الشمول المالي دوراً هاماً في دعم الجانب المالي والاقتصادي بالدولة والذي يعد من أهم الجوانب التي تهتم بها الدول لدعم كافة الجوانب الاجتماعية والصحية والتعليمية والتي سيتساهم في مجملها في تحسين الأوضاع العامة للمواطنين والوضع الاقتصادي للدولة وتنميته،
حيث أظهرت العديد من الدراسات أن الشمول المالي يساعد على تحسين الظروف المالية ورفع مستوى معيشة الفقراء،
ويساعد في دعم وتقوية القطاع العائلي وقطاع الأعمال الصغيرة، ويساهم الشمول المالي في تحسين كفاءة عملية الوساطة في البنوك بين الودائع والاستثمارات وتنويع محافظ الأصول والالتزامات والتي ستعزز من توزيع المخاطر وتقليل تركزها.
ويتطلب تطبيق الشمول المالي بالدولة وجود استقرار مالي، كما أنه من الصعب تصور استمرار الاستقرار المالي مع وجود نسبة كبيرة وتتزايد من المجتمع والقطاع الاقتصادي التي لا تزال مستبعدة من الناحية المالية) مثل سكان المناطق الريفية،
ومجموعة من الأقل حظا في المناطق الحضرية الفقيرة، والفقراء او محدودي الدخل) حيث يقدر نسبة المصريين الذي لديهم تعاملات بنكية 33% وفقاً لتقرير (فيندكس)عن مستوى الشمول المالي في مصر 2017.
وتقدر قيمة الفجوة بين الجنسين في العاملات البنكية 12%، وبالتالي فإن هناك ارتباط وثيق بين الشمول المالي والاستقرار المالي كلاهما يساهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي بالدولة.
ويساهم تطبيق الشمول المالي في المساعدة في تغيير بنية النظام المالي ودعم كفاءته فيما يتعلق بالمنتجات والمعاملات التي يتم استحداثها، والعملاء الذين يستخدمون الخدمات المختلفة،
والمخاطر الجديدة الناشئة وكذا المؤسسات التي أنشئت أو توسعت في الأسواق الجديدة.
كما أظهرت بعض الدراسات ان الدول التي بها استبعاد مالي Financial Exclusion تعتمد على الخدمات المالية غير الرسمية والتي تعد في ذاتها مصدر لعدم الاستقرار المالي ،
حيث يعتبر الاستبعاد المالي من أهم المخاطر التي تواجه الجهود المبذولة من الدول في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وبالتالي فهناك أهمية لفهم العلاقة بين النزاهة المالية والشمول المالي المؤيد للاستقرار الاقتصادي.
وقد سعت الدولة المصرية لدعم وتعزيز الشمول المالي من خلال مجموعة من الإجراءات والقرارات بالقطاع المصرفي ووزارة المالية بكافة أجهزتها ،
ومن ابرز مساهمات البنك المركزي المصري لزيادة معدلات الشمول المالي تهيئة البيئة التشريعية والبنية المالية التحتية،
والتي تعد من أعمدة البنية الأساسية المالية القائم عليها النظام المالي والمصرفي واقتصاد الدولة ككُل، والتي تسهم في تحقيق وضمان الاستقرار المالي ودعم الاقتصاد المصري،
وإنشاء المجلس القومي للمدفوعات والتحول إلى نظام المدفوعات غير النقدية ومنظومة الدفع الوطنية،
وميكنة المتحصلات الحكومية ، وبطاقات المرتبات الحكومية ، تقديم خدمات الدفع باستخدام الهاتف المحمول، نظام التسوية اللحظية، النظام الإلكتروني للإيداع والقيد المركزي للأوراق المالية الحكومية، وتعزيز الأمن السيبراني.
بالإضافة لإطلاق عدة مبادرات لإتاحة التمويل اللازم للشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة منذ عام 2016 من أهمها إلزام البنوك بزيادة حجم الائتمان الموجه لتلك الشركات ليصل إلى20% من إجمالي محفظة التسهيلات الائتمانية لكل بنك بحلول عام 2020،
بالإضافة الي مجموعة من المبادرات كمبادرة الشركات الصغيرة بسعر عائد 5% في 2016، ومبادرة الشركات المتوسطة بسعر عائد 7% و 12% في 2017، لتمويل المشروعات التجارية والصناعية والزراعية،
والتمكين الاقتصادي للمرأة لدعم دخول المرأة وإدماج أصحاب المدخرات التي تستثمر خارج القطاع المصرفي عن طريق تبسيط الإجراءات وتقليل مستندات اثبات المهنة للتسهيل فتح الحسابات بالبنوك بالإضافة لضمهم داخل القطاع المصرفي،
بالإضافة لأسبوع الشمول المالي السنوي لفتح الحسابات بدون حد أدني وبدون مصروفات إدارية، ومد اجل اعفاء استخدام البطاقات المصرفية من الرسوم للسحب من ماكينات البنوك عدة مرات لتنتهي في ديسمبر 2021،
فضلا عن مجهودات التثقيف المالي من خلال قيام البنوك بإرسال قوافل توعية إلى الى المناطق الريفية والنائية لنشر الوعي بالخدمات المالية المتنوعة وفوائدها،
بالإضافة إلى مبادرة رواد النيل والتي تناولت العديد من الأنشطة أهمها برامج التدريب على ريادة الأعمال، بيت التصميم، حاضنات الأعمال، مسرعات الأعمال، مراكز خدمات تطوير الأعمال.
بالإضافة الي حقبة كبيرة من المبادرات الرئاسية لدفع عجلة الصناعة الوطنية وتوفير السلع للمنتجات للمواطنين والتي قام البنك المركزي المصري بضخ تمويلات ضخمة لدعم القطاع الخاص والصناعي خلال العامين القادمين والتي تستهدف صغار المستثمرين،
ومبادرة تمويل الوحدات السكنية بفائدة 3% متناقصة لمدة 30 سنة، وغيرها من المبادرات الاخرى الداعمة لتطبيق الشمول المالي،
بالإضافة إجراءات وزارة المالية واهمها السداد الضريبي وتقديم الاقرارات اليكترونياً ومنظومة الفواتير الاليكترونيةـ
وسداد الجمارك اليكترونياً والتي ستساهم في مجملها في دفع عجلة التنمية الاقتصادية في مصر.
كما أظهرت ازمة فيروس كورونا والتي بدأت منذ عام 2019 أهمية الاعتماد على التحول الرقمي والذي يعد من الاليات المساندة لوصول الخدمات المالية لكافة المواطنين والمؤسسات للحد من اثار انتشار فيروس كورونا.
ولعدم توقف القطاعات الاقتصادية من خلال استخدام الأدوات المالية مثل كارت ميزة والمحافظ الاليكترونية
وكروت الخصم المدفوعة مقدماً والبطاقات اللاتلامسية والبطاقات الائتمانية والتي ارتفعت معدلات استخدامها، ومعدلات نموها بنسبة 13.1% خلال 6 شهور لتصل الي 44.8 مليون بطاقة بنهاية ديسمبر 2020 مقارنة 39.6 مليون بطاقة بنهاية يونيو .
والتي تعكس زيادة توجه العملاء بالتعامل بالادوات المالية الاليكترونية والتي ساهمت في تجاوز معدلات الشمول المالي عن 52% لدعم الاستقرار المالي بالاقتصاد المصري