لقد أصبحت الأسواق الناشئة محط أنظار الكثير من المستثمرين للجوء إليها كإحدى أهم الفرص الاستثمارية، نظراً لما تحققه من معدلات نمو سريعة وارتفاع في عوائدها. وعلى الرغم من تلك المميزات، فإنها تمتلك معدلات عالية المخاطر، إذ إن الأسواق الناشئة عبارة عن مجموعة أسواق تتمتع بخصائص وسمات الأسواق المتقدمة. وقد انتقلت من مرحلة الاعتماد على الزراعة وتصدير المواد الخام، إلى مرحلة التصنيع والانخراط في الأسواق العالمية، وتطمح مستقبلاً إلى الدخول في عالم الأسواق المتقدمة. وقد شهدت الأسواق المالية الناشئة في الدول النامية، مستويات قياسية من النمو والتطور في الحجم وتقود الصدمات الاقتصادية العالمية .
الا أن ديون الدول الناشئة تواصل الارتفاع فى الآونة الأخيرة حيث بلغ بيع السندات الصادرة عن تلك الدول ارتفاعا كبيرا بلغ 47 مليار دولار فى مطلع العام الجارى مما يعني بأن هناك مزيدا من الضغوط، التي بلغت ذروتها في جائحة “كورونا”، والتي أوقفت النمو بصورة شبه كاملة. وعقب البنك الدولي أن عوائد بعض السندات التي طرحت في بلدان إفريقية أقل من عبء الدين وهنا يمكن فهم التحذيرات الأخيرة من مخاطر ديون الدول الناشئة بشكل عام. فعندما يكون عليك دين بفائدة ،يجعلك تعيش حالة من القلق، في الوقت الذي لا تصل فيه العوائد إلى مستوى عبء الدين ..
كل هذا يأتي في ظل اتجاه للاقتصاد العالمي لتسجيل أضعف أداء له منذ أكثر من ثلاثة عقود، بما يعني أن مسألة الديون ستكون حاضرة بقوة بضغوطاتها ومشاكلها وتأثيراتها وسلبياتها في المرحلة المقبلة، مع نمو بطىء متواضع وهو المتوقع فى المرحلة القادمة وهو الامر الذى يتطلب التفكير بمسألة إعادة جدولة معظم ديون البلدان الناشئة، والذى تم بالفعل في عام 2020 عندما أصيب العالم بجائحة “كورونا”.. وأعتبارها من المشاكل الحساسة و لكنها تبدو أساسية في المرحلة المقبل .
وقد أشار البنك الدولى فى تقريره للافاق الاقتصادية العالمية فى يناير الى أن الاقتصاد العالمى يتجه لان يسجل خلال الفترة من 2020 الى 2024 أضعف اداء لفترة خمس سنوات منذ 30 عاما وتوقع تباطؤ النمو العالمى للعام الثالث على التوالى الى 2.4% قبل أن يرتفع الى 2.7 % فى عام 2025
وتشكل أزمة الديون العالمية تهديدا وشيكا لاستقرار الاقتصاد والتنمية المستدامة بينما تعد الإجراءات الفورية ضرورية لمنع مزيد من التصاعد.
حيث يُحث صناع السياسة وخبراء المؤسسات المالية الدولية على التعاون في تدابير شفافة وإعادة هيكلة الديون وممارسات الاقتراض المستدامة ويتطلب خطورة الوضع القائم التزاما عالميا للحد من المخاطر الاقتصادية المحتملة، مما يضمن توجيه الموارد الحيوية نحو القطاعات الأساسية للنمو الشامل والمستدام الاقتصادات الناشئة تبعاً لذلك تواجه تحديات في جذب الاستثمار الأجنبي.. ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة يميل المستثمرون إلى تفضيل الاستثمار في أصول أميركية وأدوات دين أكثر أماناً.
ولمواجهة هذا، قد تحتاج الدول الناشئة إلى تحسين بيئاتها الاستثمارية لجذب الاستثمارات الأجنبية، مثل تحسين البنية التحتية، تعزيز الشفافية، وضمان الاستقرار السياسي والقانوني ويتعين الاخذ فى الاعتبار تأثير التغيرات في أسعار الصرف مع ارتفاع أسعار الفائدة وبما يؤدي إلى تعظيم دور الدولار أمام عملات الاقتصادات الناشئة، وبما يزيد من تكلفة الواردات ويؤثر على التوازن التجاري لذلك، ومن ثم تحتاج هذه الدول إلى اتخاذ خطوات لدعم عملاتها وتنويع شركائها التجاريين ويتجلى تباطؤ النمو بشكل خاص في الاقتصادات الناشئة، حيث لم يشهد نحو ثلثها أي انتعاش منذ ظهور جائحة “كوفيد-19” لتصاعد ويظل نصيب الفرد في الدخل أقل من مستويات عام2019 مع الاخذ فى الاعتبار الصراع في الشرق الأوسط خطرا آخر، إذ يزيد من المخاوف بشأن تشديد السياسة النقدية وتأثر التجارة العالمية
إذا ظل النمو منخفضاً، فقد تضطر بعض الأسواق الناشئة إلى إعادة هيكلة الديون، وذلك من خلال إعادة جدولة استحقاقات الديون أو الموافقة على تخفيضات مع الدائنين ونكرر أذا ظل النمو ضعيفاً وظلت ظروف التمويل صعبة، فلن تشهد مخرجاً سهلاً لهذه المشكلة. ولكن إذا ارتفع النمو بشكل سحري، فسيكون ذلك بمثابة دواء وهذا مانأمله . .
وقد حذرت مجموعة الضغط المصرفية التابعة لمعهد التمويل الدولي من أن “الاحتكاكات التجارية المتزايدة والتجزئة الجيواقتصادية الأعمق والتي يمكن أن تقلل من قدرة الأسواق الناشئة على خدمة الديون الخارجية” حيث تعاني العديد من الاقتصادات النامية من ارتفاع الديون المقومة بالدولار كما إن ” الاحتكاكات التجارية المتزايدة والتوترات الجيوسياسية تمثل أيضاً أتجاها كبيرا معاكسا لأسواق الديون. فإن القيود الأكثر صرامة على سلسلة التوريد، والتي تغذيها سياسات الحماية الخاصة بالصناعة، يمكن أن تبقي التضخم وأسعار الفائدة أعلى من مستويات الوباء. ومن شأن مثل هذا السيناريو أن يقوض تدفقات التجارة والاستثمار ويقلل بشكل أكبر من قدرة الأسواق الناشئة والحدودية على خدمة الديون الخارجية
بقلم /دكتور محمد الشوربجى
الخبير المصرفي