بقلم / محمود معاذ الفزاري
محقق سياسات تجارية دولية – بوزارة التجارة الخارجية والصناعة
هناك فرق كبير بين السياسات التجارية الحمائية والحرة، وقد تضمت اتفاقية الجات كلاهما حفاظاً على التوازن الدولي للتجارة الدولية بين الدول، وكذا حمايةً للصناعة المحلية للدول الاعضاء حال تعرضها للمارسات الضارة في التجارة الدولية.
وإنطلاقاً من أن الوضع العملي يفرض اتباع سياسات حمائية (خاصة للدول النامية) نظراً للطبيعة المعقدة للعلاقات الاقتصادية الدولية، فقد انتصرت السياسات المصرية لذلك التفسير بصدور التشريعات اللازمة في هذا الشأن،
ومنها القانون رقم 161 لسنة 1998بشأن “حماية الاقتصاد القومي من الآثار الناجمة عن الممارسات الضارة في التجارة الدولية” مثل مكافحة الاغراق والدعم والزيادة غير المبررة للواردات.
حيث يقوم جهاز مكافحة الدعم والاغراق بوزارة التجارة والصناعة بإجراء تحقيقات المعالجات والحماية التجارية حمايةً للصناعة الوطنية الناشئة (الوليدة) والصغيرة من جراء المنافسة الشرسة مع الواردات الاجنبية،
والتي تتبع سياسات اغراق للسوق المصري ببيعها المنتجات بأقل من الاسعار المحلية هادفةً بذلك الاستحواذ على الحصة السوقية للسوق المصري بالكامل (على المدى الطويل) من خلال سياسة تسعير لمنتجاتها(تخفيض مؤقت للاسعار)
مما يستتبع بلا شك اخفاق الصناعة الوطنية في مجارتها في تلك المنافسة غير العادلة، فيؤدي بها بلا ريب الى مهالك الإغلاق وتسريح العمالة .
ومن هنا تقف السياسات الحمائية بالمرصاد لمخاطر المنافسات الغير العادلة، حماية للصناعات الوطنية الصغيرة والمتوسطة والصناعات التي في طور الانشاء Infant Industries.
وتأتي دور الاجهزة والجهات الاخرى الحامية للمافسة، وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ومكاتب التمثيل التجاري بالخارج والتي تتضلع بتوفير فرص تصديرية للمنتجين والمصدرين المصريين بالخارج،
كما تقوم هيئة تنمية الصادرات بالدور التسويقي والترويجي للمنتجات المصرية بالاسواق والمعارض والمؤتمرات الخارجية.
• برنامج موحد متناسق
إلا انه مما يفقد تلك السياسات من أن تؤتي ثمارها على الوجه الأمثل، أن تلك القطاعات -مع انها تتواجد في وزارة واحدة- ان تتكاتف من خلال برنامج واحد متناسق يُقدَم خصيصاً للصناعات المحلية الوليدة والصغيرة بل والمتناهية الصغر كذلك،
والتي تواجه مشاكل جمة وهي في بداية انطلاقها ، رغم ما تتمتع به من مزايا نسبية، مثل نظام (Single window) بحيث يستطيع المُصدر/ المُنتِج المصري من الحصول على تلك الخدمات جملة واحدة،
من خلال مروره على تلك الخدمات في سلسلة متتابعة (والتي يُحمد لوزارة التجارة والصناعة تقديمها بشكل مجاني تماماً )،
ومن ناحية اخرى فإن الغالب هو معرفة المنتجين والمصنعين لأحد هذه الخدمات فقط فيحصل على إحداها دون علمه بتواجد الاخريات فيحرم نفسه من المميزات المقدمة فيها
والتي قد تكمن في الدعم الفني والمساعدة القانونية والتسهيل اللوجستي وتوفير فرص تصديرية، وفتح قنوات تصدير جديدة، وكذا التوعية بمعوقات التصدير وتجنب العقوبات المفروضة .. الخ.
فإذا ما تخيلنا تواجد صناعة مصرية جديدة تتمتع بميزة نسبية ولديها حماس ومثابرة في منافسة المنتج الاجنبي ، كما ان لديها عدد لا بأس به من الايدي المصرية العاملة التي تعتمد وبشكل اساسي على العائد الشهري للانفاق على اسرها،
فلابد من السعي قدماً نحو تقديم كامل الدعم لها بمرورها على البرنامج المتناسق “المقترح” المشار اليه بعاليه، بحيث يحصل المصنع على حماية ضد سياسات الاغراق والدعم وزيادة الواردات من القطاع المعني بالمعالجات التجارية،
ومروراً بالقطاعات المعنية بالترويج الالكتروني لمنتجاته بحيث يتم عرض منتجاته على منصات التسويق العالمية ثم توفير الدعم والتسهيل الجمركي وتقديم المساندة القانونية والفنية له في تلك المرحلة الصعبة،
واخيراً إخطاره بالفرص التصديرة المختلفة من القطاعات المعنية بتوفير تلك الفرص.
مما لا شك فيه ان تمتع المصنع المصري بتلك الميزات متوالية سوف يصعد به الى مصاف الصناعات المنافسة دولياً مما يوفر للبلاد العملة الصعبة وفرص العمل وتحقيق التنمية الداخلية مما يضفي مزيداً من الرفاهية الاجتماعية.
وقد ايد الاقتصادي الشهير Kindelberger سياسة الحماية التجارية خاصة للصناعات الناشئة بحجة “الدفاع والافتخار” اي ضرورة حماية السلع المحلية ضد السلع الاجنبية بفرض رسوم يمكن ان تشكل بها الدولة ارصدة تحمي بها منتجاتها المحلية توجه لتنمية تلك الصناعات لمجابهة الحالات الطارئة.
فمن وجهة نظره ،أن الحماية ضرورية لأنها تمكن الدولة من إنتاج بعض السلع التي يتعذر الحصول عليها في فترات الحرب وحيت تتقطع سبل التبادل الخارجي،
إذ أن الحماية تمكن من تحقيق الاستقلال الاقتصادي، وعدم الاعتماد على الخارج في سد الحاجيات الأساسية.
ومن ناحية اخرى،
ان تحسين معدلات التبادل التجاري : يعرف هذا المعدل بأنه قدرة وحدة الصادرات على شراء وحدة الواردات، وعليه فان فرض التعريفة مثلا على السلع المستوردة سيؤدي الى رفع أسعارها وتقليل استيرادها،
وهذا قد يدفع الدولة المصدرة الى تخفيض أسعار سلعتها لكي تحافظ على نفس المستوى من التصدير فتتحسن عندئذ معدلات التبادل لصالح الدولة الأولى.
هذا وإن كانت منظمة التجارة العالمية WTOوصندوق النقد الدولي قد وضعا من الضوابط والمبادئ لنبذ السياسات الحمائية المتشددة كتلك التي كانت في حقبة الستينات تحقيقاً لسياسة الانفتاح التجاري والحرية الاقتصادية،
إلا ان التنمية المحلية الحالية القائمة على وضع استراتيجية لتنمية الصادرات وحماية الانتاج الوطني ترجح سياسة الحماية التجارية في الحد المسموح به .
• شروط نجاح سياسة الحماية التجارية
لا يمكن التسليم أبدا بتواتر اتباع السياسات الحمائية لفترات طويلة، وبخاصة في ظل سياسات الإنفتاح الاقتصادي والتزام الدولة بواجباتها بمنظمة التجارة العالمية،
ولكن سياسة حمائية مؤقتة وربما على بعض الصناعات الاستراتيجية دون الاخرى. ولكي تؤتي السياسات الحمائية المؤقتة ثمارها لابد من الاخذ في الاعتبار الضوابط الاتية:
1- أن تكون الحماية مؤقتة وليست دائمة
2- أن تكون معتدلة ولا يتضرر منها المستهلك كثيرا
3- أن تكون الصناعة المحمية من الصناعات التي تتوفر لها فرص النجاح
لكن الواقع العملي بل والتاريخي اوجب الاخذ بعين الاعتبار، أن بعض أصحاب المشروعات المحمية اخذوا يطالبون الدولة بإبقاء الحماية بل وزيادة حدتها،
الأمر الذي اضر كثيرا بفرص تحسين المنتجات المحمية وتقليل تكاليفها لأنها تستند الى السياسات الحمايوية التي قد تقتل روح التطوير والتحسين المستمرين وهما أساس النجاح لأي مشروع إنتاجي.
بل انه وللاسف في بعض الاحيان قد يتحول صاحب الصناعة المحية الى محكتكر كبير، مما يتعين على إحكام الراقبة على ساسات تسعيره ومبيعاته ابان تلك فترات الحماية.
وقد أولت الحكومة المصرية إهتماماً بالغاً بالمشروعات الناشئة و تبنت فى الفترة الأخيرة برنامج اصلاح اقتصادى شامل يتوافق مع إستراتيجية التنمية المستدامة “رؤية مصر 2030 ”
والتى تضع الملف الإقتصادى فى مقدمة أولوياتها حيث تهدف إلى زيادة معدلات النمو الصناعى السنوى، وزيادة مساهمة الصناعة فى الناتج المحلى الإجمالى،
بالإضافة إلى زيادة مساهمة المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة فى الناتج المحلى.