يأتي قرار بنكي الأهلي ومصر بشأن طرح شهادات إيداع بعوائد 23.5٪ و27٪ لمدة عام واحد، على خلفية استحقاق شهادات إيداع أخرى تم طرحها قبل عام. تم طرح شهادة إيداع بعائد دائن 22.5٪ لمدة عام في 4 يناير 2023، وشهادة أخرى بعائد 25٪ يصرف في نهاية المدة، لمدة عام أيضًا. يبدأ استحقاق أول إصدار لهاتين المنتجتين في 5 يناير 2024، وينتهي في 1 فبراير من نفس العام.
لا شك أن استحقاق هاتين الشهادتين في هذا التوقيت، الذي تشهد فيه معدلات التضخم ذروتها، سيكون له تداعيات سلبية خطيرة على تسارع وتيرة معدلات التضخم أكثر مما هو عليه الآن. إذا علمنا أن هاتين الشهادتين استوعبتا ما يناهز 500 مليار جنيه في 28 يومًا فقط منذ طرحهما، فإن ذلك يشير إلى أن عدم وجود وسائل ادخارية مماثلة قد تستوعب الكتلة النقدية قد تتسرب إلى الأسواق. وربما تخلق طاقة استهلاكية ضخمة، تُنذر بأزمة حقيقية وصدمة في جانب الطلب، تدفع الأمور إلى الأسوأ.
من جهة أخرى، وعلى إثر هذه التطورات، قد نشهد أنماطًا متعددة من سلوك الأفراد نحو تبني ممارسات غير سليمة، اعتقادًا منهم أن تلك الأمور قد تؤدي إلى صدور قرارات تعويم جديدة للعملة المحلية أمام الدولار الأمريكي، مما قد يؤدي إلى قيام العديد من التجار بتخزين السلع التي بحوزتهم، انتظارًا لارتفاع أسعارها في المستقبل القريب. أو حتى قد تعود أحجام أصحاب العقارات والأصول المالية إلى عرض ممتلكاتهم للبيع، في انتظار تطورات أخرى. وهذا قد يؤدي إلى خلق أزمة أخرى جديدة، تتزامن مع الأزمة الحالية، وتؤدي إلى تداعيات سلبية كبيرة وغير محسوبة يتحمل تبعاتها المواطنون.
ومع ذلك، قد يكون مناسبًا خلال الفترة القادمة عدم اتخاذ أي قرار بخصوص تعويم جديد للعملة المحلية أمام الدولار الأمريكي، طالما لا يوجد لدى المركزي المصري احتياطيات قوية من النقد الأجنبي يمكنها حماية العملة المحلية في سوق الصرف الأجنبي. بالإضافة إلى أن قرار التعويم الأخير لم يسفر عن تحسن، نتيجة لقيام أباطرة السوق السوداء للنقد الأجنبي برفع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، حتى أصبح سعر الصرف الرسمي ليس له أي أهمية تُذكر، سوى أنه شجع المُضاربين على رفع الأسعار بقيم مرتفعة. بالإضافة إلى ذلك، فإن التعويم الأخير لم يسفر عن تحقيق أثر إيجابي في جذب الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة في أدوات الدين الحكومية.
بقلم /دكتور رمزى الجرم
الخبير المصرفى