شغلتنى قضايا التعليم خلال الأسبوعين الماضيين بصورة أكبر مما تشغلنى كل أسبوع، وذلك من خلال سيل من الرسائل التى تلقيتها فى صفحة «مع الجماهير» التى أتولى تحريرها بالعدد الأسبوعى للجمهورية.
لقد انصبت هذه الرسائل على مشكلتين، إحداهما تخص وزارة التربية والتعليم، والأخرى تخص وزارة التعليم العالي.
المشكلة الأولى بعث بها أصحابها،
وهم ضحايا مسابقة تعيين ٦٣ ألف معلم التى نظمتها وزارة التربية والتعليم عام ٩١٠٢ فى عهد وزيرها السابق الدكتور طارق شوقي، وكان الوزير الحالى الدكتور رضا حجازى يشغل فى الوزارة نفسها منصب نائب الوزير.
فقد تعاقدت الوزارة معهم، وسلمتهم العمل، ثم قامت بتسريحهم بعد شهرين أو ثلاثة شهور بحجة انتهاء التعاقد، ومازالوا مُسرحين حتى الآن رغم تنظيم الوزارة لمسابقتين بعدها، إحداهما فى العام الحالي.
أما المشكلة الثانية، فتخص أوائل خريجى الجامعات فى الدفعات التسع التى تخرجت من عام ٤١٠٢ حتى الآن، والذين لم يتم تعيينهم حتى الآن، رغم تشكيل لجنة وزارية عام ١٢٠٢ لحصرهم وإعداد تقرير عنهم، وتم الحصر، ورفع التقرير، ولم يبت فى مشكلتهم حتى الآن.
وقد نشرت تفاصيل المشكلة الأولى فى صفحة الأسبوع الماضى التى صدرت بعدد الجمعة ٧١ من الشهر الحالي، فى حدود ما سمحت به المساحة التى خصصتها للقضية.
لكن، لأن لدى الكثير من التفاصيل المهمة على هامش هذه القضية وفى صلبها، فقد رأيت أن أخصص لها مساحة هذا المقال الأسبوعي، وهى تفاصيل مستقاة مما ورد فى أكثر من خمسين رسالة من أصحاب القضية، بدأت فى الورود من اليوم الثانى عشر من الشهر الحالي، ومازالت ترد حتى كتابة هذه السطور رغم ما نشرته منها.
لقد وصلت أول رسالة فى القضية، من إحدى ضحايا المسابقة، تضمنت بياناتها الكاملة، فهى حاصلة على ليسانس دار العلوم ـ جامعة القاهرة، ودبلوم عالى تربوى لغة عربية وعلوم إسلامية من جامعة طنطا، والرخصة الدولية لقيادة الحاسب الآلي،
فضلاً عن اجتياز اختبار يسمى «التنال العربي» مخصص لقياس مستوى اللغة العربية، وقد لاحظت ما ورد من رسائل بعدها، أن جميع أصحاب القضية قد تسلحوا بالعديد من الدورات المحلية والدولية فى تخصصاتهم بما أهلهم للنجاح فى تلك المسابقة.
بعد هذه الرسالة، بدأ ورود رسائل عديدة تتحدث عن نفس القضية، لكنها خالية من أسماء مراسليها وبياناتهم.. نبهتهم من خلال «الواتس» الخاص بالصفحة إلى أن أية رسائل تصل بدون أسماء مراسليها وبياناتهم لن يتم النظر فيها، فاستجاب معظمم وأرسلوا صوراً لبطاقات الرقم القومى الخاصة بهم، وكان هدفى من ذلك أن أتأكد من أن مراسليها أشخاص حقيقيون حتى ولو لم أنشر أسماءهم.. فهذه إحدى قواعد تعاملى مع كل من يتواصل مع الصفحة.
ثم بدأت الرسائل فى التدفق بصورة غير عادية فى اليوم التالي، وفيها إضافتان جديدتان.. الأولى أنها جميعاً مكتوبة بصيغة واحدة هذه المرة،
خلافاً لما سبقها، وأنها جميعاً تصدرتها قصاصة من صفحة لتعيين مائة وعشرين ألف معلم، وتتضمن القصاصة تصريحاً للدكتور رضا حجازى نائب الوزير فى ذلك الوقت، يعد الـ ٦٣ ألف معلم الذين تم تسريحهم بأنهم ستكون لهم «الأولوية الأولي» فى الاستعانة بهم والتعاقد معهم ضمن المائة والعشرين ألف متعاقد جديد.. أى أن «الجمهورية» أصبحت «وثيقة» مطلوبة للشهادة فى القضية.
أدهشتنى الإضافتان الجديدتان.. سألت عدداً من أصحاب هذه الرسائل.. من خلال «الواتس»: هل وراءهم تنظيم أعد لهم هذه الصيغة الموحدة لرسائلهم ووزعها عليهم، وكانت الإجابة أنهم كونوا «جروباً» على الفيس، واتفقوا على هذه الصيغة ووضعوها على صفحاتهم حتى يدرك من يقرأها أن مشكلتنا واحدة.
سألت أيضاً: ما سر إثارة قضيتكم الآن وقد مضى عليها أربعة أعوام؟! فقالوا: إننا لم نتوقف عن إثارتها، وأن الجديد الآن هو قيام الوزارة بتنظيم مسابقة تعيينات جديدة هذا العام وبشروط جديدة دون أن يضعونا فى الاعتبار، أو يجدوا حلاً لمشكلتنا، وتبين بالفعل أن المسابقة الجديدة أعلنت نتيجتها الشهر الحالي.
الملاحظات التى استخرجتها من كل ما تلقيته من رسائل حول القضية هى كالآتي:
- أن تسريح متعاقدين مع جهة حكومية، وفى وظائف معلمين ومعلمات، وعبر مسابقة رسمية استوفوا كل شروطها، واجتياز جميع الاختبارات والدورات المطلوبة، وتسديد كل الرسوم، وأن يتم التسريح بصورة جماعية لهذا العدد الضخم وهو ستة وثلاثون ألف متعاقد، يمثل سابقة لا نظير لها، ربما فى تاريخ مصر، وأنه لو كان قد حدث تسريح عُشر هذا العدد من أى منشأة بالقطاع الخاص، لتدخلت الحكومة لوقف هذا الإجراء، وساندت مواطنيها.
- - أن الوزارة نظمت مسابقة تالية لمسابقتهم لتعيين مائة وعشرين ألف معلم، وتضمنت أن الأولوية فيها ستكون لهم، ولكن بشرط تقديم أوراقهم مرة أخرى مثل أى متقدم جديد، واجتياز الاختبارات وسداد رسومها، بما تصل تكلفته على كل متقدم إلى ما يزيد على ألفين من الجنيهات.
- - أن أغرب شرط فى المسابقة الجديدة، هو أن تتضمن أوراق التقدم ما يثبت عضوية المتقدم ـ وهو مواطن عادى فى نقابة المعلمين!! وفازت النقابة برسم اشتراك وإصدار بطاقة عضوية من كل متقدم من بين أربعمائة وعشرين ألفاً، قدره ثلاثمائة جنيه، أى بحصيلة مائة وستة وعشرين مليون جنيه!! أين ذهبت؟! ومن استفاد بها؟!
- - أنه حين أعلن وزير التعليم السابق أمام البرلمان أن الوزارة ليس لديها التمويل اللازم لتعيين الناجحين فى هذه المسابقة، رد عليه وزير المالية الحالى وقتها بأنه تم اعتماد مليار وستمائة مليون جنيه لتعيينهم وأنه سيتم تسكينهم فى وظائفهم فى بداية العام الدراسى سبتمبر ٠٢٠٢ لكن جاءت جائحة كورونا بمتغيراتها.
هكذا بقيت مشكلة الـ ٦٣ ألف معلم عالقة، وتبخرت الوعود التى تلقوها بحل مشكلتهم، رغم إجراء أكثر من مسابقة تعيينات بعدهم، ورغم استمرار الشكوى داخل الوزارة من وجود عجز فى هيئات التدريس، وهو ما يثير الإحباط لديهم، ويحدث «فجوة ثقة» غير مطلوبة وغير صحية وتحتاج إلى جسرها.
فهل من حل يعيد الأمل لهؤلاء فى أن يكون لهم مكان فى منظومة العمل الوطنى بقطاع التعليم.
بقلم/الأستاذ محمد أبو الحديد
الكاتب الصحفي القدير