أحداث وتطورات ساخنة شهدها الاقتصاد المصري في الربع الأول من العام الجاري الذي لم ينته بعد، وبما يعكس حقيقة التوقعات المرتبطة بأن 2024 ستكون سنة مفصلية في تاريخ الاقتصاد المصري عموماً، بعد جملة من المطبات والعقبات التي واجهته على مدى الأعوام الأربعة الماضية بشكل خاص، والتي شهدت ضغوطاً تضخمية غير مسبوقة، ومع توسع الفجوة التمويلية بالبلاد.
تشير الخطوات الأخيرة، والتي تُوصف بكونها خطوات “تاريخية وغير مسبوقة” إلى أن اقتصاد مصر يقف أمام “مفترق طرق” وسط إجراءات من شأنها إعادة تشكيل اتجاهاته ومسار الأسواق والقطاعات المختلفة .
توحيد سعر الصرف يأتى لتحقيق الدور المنوط به بحماية متطلبات التنمية المستدامة والمساهمة في القضاء على تراكم الطلب على النقد الأجنبي في أعقاب إغلاق الفجوة بين سعر صرف السوق الرسمي والموازي.
الإسراع بعملية التقييد النقدي تأتى بهدف تعجيل وصول التضخم إلى مساره النزولي وضمان انخفاض المعدلات الشهرية للتضخم، والوصول بمعدلات العائد الحقيقية على الجنيه إلى مستويات موجبة.
في عام 2016، واجهت مصر أزمة اقتصادية مشابهة، حيث انخفض احتياطي مصر من العملات الأجنبية بشكل حاد ولجأت مصر للاقتراض من صندوق النقد، وخفض قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، حيث ارتفع سعر صرف الدولار من 8 جنيهات إلى 18 جنيهاً.
اعتقد ان تخفيض قيمة الجنيه مختلف هذه المرة، لأن هناك عوامل مساعدة لإنجاحه. هناك استثمارات خليجية موعودة، وعوائد بالعملات الأجنبية من مشروع رأس الحكمة، بالإضافة لصندوق النقد الدولي.
لكن نجاح الخطوة مرهون بأن لا تعيد الحكومة “أخطاء الماضي”، وأن عليها ألا تتوسع في المشروعات التي تستنفد الدولار دون أن يكون لها مردود اقتصادي.
القضاء على السوق السوداء لتدول الدولار أيضا سيستغرق وقتا هناك عدة أسعار للدولار في الأسواق، هناك سعر لسوق الذهب وسعر رسمي، وسعر للسوق السوداء، وكلها ستظل موجودة حتى يتوفر الدولار بالسعر الرسمي في البنوك، وتعود الثقة بين المستثمرين والقطاع المصرفي، وتزال العوائق أمام تدبير الدولار لعمليات الاستيراد.
كيف سيؤثر تخفيض الجنيه على المواطن ؟
مع حلول شهر رمضان ويخشى المواطن من أن يؤثر التوقيت الذي اتخذ فيه القرار على أسعار السلع، خصوصا السلع الأساسية حتى السلع التي ليس لها علاقة مباشرة بالدولار ترتفع. ما علاقة سعر الخيار بالدولار مثلا؟ أما الأجهزة الكهربائية، فإذا سألت عن سعر أي سلعة وجئت في اليوم التالي لشرائها ستجد السعر قد ارتفع أيضا”.
تعتمد مصر على السلع المستوردة بشكل كبير. وفي الآونة الأخيرة قيدت مصر حركة استيراد السلع بسبب أزمة نقص العملة الأجنبية.
بسبب هذه الإجراءات نقصت بعض السلع من الأسواق وتضاعفت أسعار بعضها عدة مرات. لذلك أتوقع أن ترتفع الأسعار بشكل فوري بسبب التعويم. هناك معركة يجب أن يخوضها البنك المركزي في الوقت الحالي ضد التضخم.
حيث أن حل أزمة نقص العملة سيساعد الحكومة في التركيز على مواجهة التضخم وارتفاع الأسعار، في تقديري أن الأيام الصعبة مرت وأن الآن هو وقت مواجهة المشكلة.
لكن الأيام القادمة ستكشف أكثر عن مدى تأثير هذه الخطوة على الاقتصاد المصري وعلى المواطنين كذلك. حيث أثبتت الدراسة قياسياً بأن معدل التضخم في الأجل القصير يتأثر فقط بالصدمات الإيجابية لسعر الصرف، في حين أنه لا يتأثر بالصدمات السالبة لسعر الصرف، مما يعني أن معدل التضخم يرتفع مع ارتفاعات سعر الصرف، في حين أن انخفاضات سعر الصرف لا تخفض معدل التضخم .
مدى تأثير قرار التعويم وزيادة الفائدة على القطاع المصرفي ؟
قرار التعويم وزيادة الفائدة يعتبران من الأحداث الاقتصادية الهامة التي تؤثر بشكل كبير على القطاع المصرفي والإقراض في البنوك المصرية. اهم هذه التاثيرات هي زيادة في أسعار الفائدة على القروض لتعويض تكاليف الحصول على التمويل بتكلفة أعلى نتيجة زيادة الفائدة الأساسية. وقد تزيد هذه الزيادة في أسعار الفائدة على الائتمانات الاستهلاكية والتجارية وتقييد قدرة المقترضين على الاقتراض.
كما يؤدى الى تحفيز التوفير والاستثمار حيث يشجع ارتفاع أسعار الفائدة على التوفير والاستثمار بدلاً من الاستهلاك، حيث يصبح تحقيق عوائد عالية من الودائع والاستثمارات مجزيًا. يمكن أن يحدث هذا تحولًا في الثقافة المالية ويدعم تطوير القطاع المصرفي كوسيلة فاعلة لإدارة الثروة.
كما يؤثر على قروض المشروعات الصغيرة والمتوسطة سيواجه أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة صعوبة إذا زادت أسعار الفائدة على القروض، حيث تزيد التكاليف وتؤثر على قدرتهم على الاستثمار وتوسيع أعمالهم لذلك يجب على البنوك دراسة آليات لدعم هذه الشريحة من العملاء وتوفير حلول تمويلية ملائمة بأسعار فائدة معقولة.
كما تؤدى تلك القرارات الى زيادة في السيولة والودائع يشهد القطاع المصرفي زيادة في السيولة نتيجة لجذب الودائع بفوائد مرتفعة، مما يعزز قدرته على منح القروض وخدمة العملاء بشكل أفضل. حيث مكن أن تزيد الودائع المتزايدة من قدرة البنوك على الإقراض وتعزيز نشاط الاقتراض في الاقتصاد. لذلك يجب على البنوك وجود حل فعال لتوافر السيولة والودائع والتي تحتاج الى توظيف امثل ومن جانب اخر زيادة تكلفة التمويل والاحجام من قبل المستثمرين على الاقتراض
في النهاية، يجب على البنوك المصرية مراقبة وتحليل تأثيرات قرار التعويم وزيادة الفائدة على عملياتها واستراتيجية الإقراض، واتخاذ التدابير اللازمة للتأقلم مع التغيرات وتلبية احتياجات السوق والعملاء بشكل فعال.
من وجهة نظرى ان التقييد النقدي يمكن أن يؤدى إلى تراجع الائتمان الحقيقي الممنوح للقطاع الخاص على المدى القصير، إلا أن ارتفاع الضغوط التضخمية يشكل خطراً أكبر على استقرار وتنافسية القطاع الخاص. مؤكداً أن تحقيق استقرار الأسعار يخلق مناخاً مشجعاً للاستثمار والنمو المستدام للقطاع الخاص على المدى المتوسط.
بقلم/ دكتور عمرو إبراهيم
الخبير الاقتصادى