تقدّم سامح شكري وزير الخارجية، بمناسبة الاحتفال بـ مئوية وزارة الخارجية، بخطاب عن التاريخ الحافل للدبلوماسية المصرية في الخارج، وما تم إنجازه خلال القرن الماضي.
و تناول سامح شكري؛ عددا من النقاط الهامة؛ التي اتبعتها الخارجية المصرية على مدار 100 عام، وجاءت كالتالي:
1- الدبلوماسية المصرية لم تأخذْها يومًا رأفةٌ في حقوق مصر، ولم تقبل فيها بأنصاف الحلول، أو تيأس ــ إثر تعنت أو مراوغة من الآخر أو حتى لعدم اكتراث المجتمع الدولي ــ من العمل على عودة تلك الحقوق، مُبدية في ذلك ــ مرفوعة الهامة ـــ ضبطَ النفس وسعةَ الصدر، إيمانًا منها بعدالة قضاياها، وتسلحًا بوعي قيادتها السياسية، وبصلابة جبهتها الداخلية.
2- النسق الثابت لسياسة مصر الخارجية؛ ارتكز على تنويع محاور تحركاتها، ومبادئ الاحترام المُتبادل والندية، ورفض التدخل في الشئون الداخلية للدول، واحترام سيادتها واستقلال قرارها السياسي، كما اتَّسم هذا النسق بالاصطفاف مع اختيارات الشعوب، مع التشديد على ضرورة تماسك المؤسسات الوطنية للدول لئلَّا يُفضي تهاويها إلى أن تكون الدول نواة لحلقات مُفرغة من الفوضى في إقليمها.
3- الدبلوماسية المصرية نجحت على مدار العقود الماضية، في تكوين رصيدٍ ضخم مُتراكم من الخبرات العملية في مختلف مجالات العمل الدبلوماسي، بشقيه الثنائي ومتعدد الأطراف، فضلًا عن أُطر العمل الخاصة بالدبلوماسية التنموية والاقتصادية، والبيئية والمناخ، وغيرها، وقد أسهمت تلك الخبرات في خلق توجهات واقعية رشيدة إزاء القضايا الدولية وكيفية التعاطي معها، على نحو يُراعي خصوصية كل قضية على حدة، ويتفاعل بالمرونة المطلوبة تجاه التغيرات المتواترة التي تطرأ على هيكل المجتمع الدولي ولاعبيه. علاوة على ذلك، فقد اتسمت الدبلوماسية المصرية بالقدرة على استشراف الأحداث المِفصلية، الأمر الذي انعكس في قدرتها على تشكيل سيناريوهات مُختلفة للتعامل معها.
4- اعتبارات الجغرافيا ومُقتضيات التاريخ فرضت على مصر دوائر تحرك رئيسية في سياستها الخارجية، انصبت بالأساس على الدائرتين العربية والإفريقية باعتبارهما امتدادًا طبيعيًا لها، فضلًا عما تُمثلانه من ركائز رئيسة للأمن القومي المصري، وقد تجلى اهتمام مصر بهاتين الدائرتين من خلال دورٍ مصري رائد في حركات التحرر الوطني، قدمت فيه مصر دعمًا غير محدود لأشقائها من العرب والأفارقة على المستويات السياسية والاقتصادية والإعلامية وغيرها، كما برز ذلك الاهتمام عبر استضافة بيت العرب جامعة الدول العربية، والمساهمة في إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية، والعمل على تعزيز فاعلية المنظمتين، واضطلاعهما والأجهزة التابعة لهما بدورهما المحوري، في تعزيز أواصر التعاون والتكامل العربي والإفريقي.
6- اتصالًا بذات الدوائر الهامة لأركان السياسة الخارجية المصرية؛ كان البُعد الإسلامي حاضرًا أيضًا بقوة في تحركاتها الخارجية، استنادًا إلى ما لمصر من إرث ودور إسلامي مُمتد، حيث شاركت مصر في إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1969، وعملت على أن تكون منصةً جامعة لقضايا الأمة الإسلامية، وتتحدث عن شواغلها وهمومها، إضافة إلى استضافتها لعدد من أذرعها وأجهزتها في مصر، كما عملت مصر كذلك على تدشين الهوية المتوسطية في سياستها الخارجية وترويجها بين دول البحر المتوسط، بحيث أضحى الأخير همزة وصل بين شعوب ضفتيه بما لهم من باعٍ طويل حضاريًا وثقافيًا، وبما لدوله من ثُقل سياسي ومقومات اقتصادية متنوعة وضخمة، بدلًا من أن يكون حاجزًا لموجات التواصل الحضاري والسياسي.
7- رغم استمرار مصر في التحرك في إطار دوائرها التقليدية لسياستها الخارجية، باعتبار ذلك امتدادًا أصيلًا لمُقتضيات صون أمنها القومي كما سبقت الإشارة؛ إلا أن ذلك لم يَحُلْ يومًا دون تركيز القاهرة على دوائر تحرك أخرى، فكانت الدبلوماسية المصرية حاضرة شرقًا وغربًا بشكل نشط في مُختلف التفاعلات الدولية.
فقد عملت مصر على تعزيز شراكاتها الاستراتيجية مع كافة القوى الدولية الكبرى والبازغة في مختلف أنحاء العالم، وذلك عبر شبكة مُتشعبة من العلاقات المُتنامية، والتي تهدف إلى تعظيم المصالح المصرية مع الأطراف الفاعلة في مختلف دوائر التحرك، سواءً الأمريكية بدول قارتها الشمالية والجنوبية، أو الأوروبية في إطارها الثنائي أو من خلال الاتحاد الأوروبي، وكذا الدول الآسيوية التي تشهد معها العلاقات طفرات متوالية خلال السنوات الماضية، وليس أدل على ما تقدم من توقيع مصر لاتفاقية تجارة حرة مع تجمع الميركوسور – أحد أهم التكتلات الاقتصادية في أمريكا الجنوبية، وانضمام مصر عضوًا شريكًا للحوار في منظمة شنغهاي للتعاون في آسيا، كما كانت من بين الدول المُنشئة لمنظمة الفرانكفونية، وقدَّمت أول أمين عام لها، ثم استضافت أحد أذرعها المتمثلة في جامعة سنجور في الإسكندرية.
8- القوى الناعمة لمصر كانت عنصرًا رئيسيًا مؤثرًا ومُكملًا في منظومة سياستها الخارجية، لما تزخر به مصر من إرث حضاري وثقافي متعدد الأوجه، خلق لها قَبولًا حضاريًا واسعًا في مختلف الدوائر الدولية، إضافة إلى دور أزهرها الشريف ــ جامعًا وجامعة ــ وكنيستها القبطية العريقة باعتبارهما حِصنًا حصينًا ضد غُلاة الأفكار المُتطرفة ومُروجيها.
9- مصر، خلال السنوات الأخيرة، استطاعت أن تُسخِّر كافة تلك الإمكانات المُتراكمة عبر العقود الماضية، وتطويع مقومات القوى الشاملة التي تتسلح بها، مما زاد من فاعلية دورها في ترتيب الأوراق الإقليمية، ورغم ذلك، حرصت مصر على أن تربأ بنفسها عن أي مخاطر غير محسوبة العواقب، أو أن تُجرَّ إلى صراعات تنكأ جراح المنطقة، وتزيد من قابلية الأوضاع فيها للاشتعال.