أحد فصول العبثية التي شهدها مناخ الاستثمار في مصر والتي تمتد جذورها إلى ما قبل ثورة 2011، حيث انتشر خبر صحفي في نهاية إحدى جلسات التداول، يتعلق بقرار فرض ضريبة على تعاملات البورصة. وكالعادة، انتشر الخبر كالنار في الهشيم، وانتشرت الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما أصاب المتعاملين بحالة من الرعب والذعر، وتوقعوا انهيار السوق في اليوم التالي، وأصبحت الأسهم تراها في كل مكان تغرق في بحر من الخسائر الحادة.
لكن في تلك الأوقات، كانت الحكومة السابقة تدرك تمامًا أهمية سوق المال، وكيف أن التلاعب بالكلمات يمكن أن يؤثر بشكل مباشر على مناخ الاستثمار. كما كانت هذه الحكومة أكثر قربًا من الناس، حيث كان من السهل الوصول إلى المسؤولين، حتى من صغار المتعاملين. في تلك الليلة العصيبة، التقى مجموعة من المستثمرين بالدكتور يوسف بطرس غالي، وزير المالية آنذاك، في مقهى حديقة النادي اليوناني بوسط القاهرة. وقد طمأنهم بنفسه بأن الخبر المنشور غير صحيح، وأكد لهم أن الحكومة لن تفرض أية ضريبة على تعاملات البورصة.
في صباح اليوم التالي، وقبل بدء جلسة التداول، صدر بيان رسمي من الحكومة ينفي بشكل قاطع هذا القرار، مما أزال حالة الخوف والقلق التي انتشرت بين المستثمرين. وبالفعل، دخلت صناديق مؤسسات الدولة في عمليات شراء مكثفة عند افتتاح الجلسة، مما ساهم في ارتفاع المؤشرات، وسارع المستثمرون الأفراد في شراء الأسهم.
ثم جاء يناير 2011، وتحت أجواء الثورة وانتشار دراما “عاوز حقي”، حيث اهتم الإعلام بنشر قصص عن الأموال المهربة من نظام مبارك، مما أشعل حماس المواطنين الذين بدأوا يحلمون بالحصول على حصتهم من هذه الأموال. ومع هذه الأجواء، ظهرت أيضًا أنباء عن “حيتان البورصة” وضرورة الانتقام منهم، مما ساهم في تعميق حالة عدم الثقة في سوق المال.
ومع بداية الأزمة السياسية والانهيارات الاقتصادية، انهار السوق بشكل غير مسبوق. وأدت الضبابية في المشهد إلى إغلاق البورصة لمدة 45 يومًا. وخلال هذه الفترة، كانت المؤسسات والمستثمرون يعانون من المديونيات المرتبطة بالشراء الهامشي، حيث انهار معظمهم.
عندما أعيد فتح البورصة، تجمع العديد من السماسرة والمستثمرين على أبوابها، وكان الجميع في حالة ترقب، خائفين من أن السوق قد ينهار مجددًا. في تلك الأوقات، كان المسؤولون الحكوميون يبدون في حالة من الارتباك، ولا يعرفون كيف يتعاملون مع الأزمة. أحد المشاهد التي لا تُنسى كانت عندما وجد وزير المالية، سمير رضوان، نفسه في مواجهة مع حالة من الفوضى الشديدة داخل البورصة، حيث كان يجلس في قاعة الاستقبال، بينما تصاعدت الأصوات المحمومة من المتعاملين الذين كانوا على شفير الإفلاس.
في هذه الفترة، انتشرت العديد من الأقاويل المغلوطة حول سوق المال، حيث كان البعض يروج لفكرة أن المتعاملين في البورصة هم “أشرار” يسرقون حقوق الشعب، في حين أن الحقيقة كانت أن العديد من المستثمرين كانوا من ذوي الدخل المحدود، وبعضهم كان قد لجأ للاستثمار في البورصة بعد فشله في مجالات أخرى من العمل.
قبل 2011، كان هناك حوافز ضريبية لقيد الشركات في البورصة، حيث تم إعفاء الشركات من الضرائب لفترة معينة. ولكن بعد انتشار الحديث عن “حيتان البورصة” وفرض الضرائب، تغيرت الأمور بشكل جذري، وأصبحت هناك حملة إعلامية ضد المتعاملين في السوق.
تاريخيًا، شهدت البورصة المصرية فترات من الانتعاش والتراجع، لكن التغيرات الحادة في سعر الصرف كانت هي العامل الأكثر تأثيرًا. بعد الثورة، اختلطت الأمور أكثر، وتضاربت التصريحات حول فرض الضرائب على البورصة. في 2014، أعلن وزير المالية، هاني دميان، عن فرض ضريبة أرباح رأسمالية على البورصة، وهو القرار الذي زاد من انهيار السوق بشكل كبير.
كان السوق في حالة من الشلل، وكثير من المستثمرين بدأوا يفقدون أملهم. شركات السمسرة كانت تبكي من قلة التداولات، وحاول العديد من المستثمرين بطرق فردية التواصل مع المسؤولين في الحكومة، لكن لم يكن هناك أي رد ملموس. وفي كل مرة كان يتم فيها الإعلان عن تأجيل تنفيذ الضريبة، تزداد حالة القلق والفوضى في السوق.
ومع كل هذه المعاناة، كان وزير المالية، دميان، يصرح بأن القرار لا رجعة فيه، بينما كان السوق يتدهور أكثر وأكثر. ومع استمرار هذه السياسات غير المدروسة، بدأ السوق يشهد انحدارًا مستمرًا في القيمة السوقية، وأصبح العديد من المستثمرين يشككون في قدرة الحكومة على إدارة الوضع بشكل صحيح.
في النهاية، ومع مرور الوقت، أُعيد فرض ضريبة الدمغة على المعاملات في البورصة، ولكنها لم تكن كافية لإصلاح الوضع. ومع كل التعديلات والقرارات، كانت البورصة المصرية تواصل انهيارها، في مشهد مشابه لذلك الذي شهده السوق في بداية الأزمة.
وفي عام 2018، حاول وزير المالية الجديد، محمد معيط، فرض ضريبة الأرباح الرأسمالية مرة أخرى، مما أدى إلى مزيد من التدهور. ومع تكرار نفس السيناريو، أصبح المستثمرون يعانون من حالة نفسية سيئة، حيث كانوا يتعرضون للضغط الشديد بسبب قرارات الحكومة العشوائية التي كانت تؤثر سلبًا على استثماراتهم.
في النهاية، كان من الواضح أن الحكومة لم تكن تتفهم جيدًا طبيعة سوق المال المصري، وأن التلاعب بالضرائب كان يعمق الأزمة بدلاً من حلها. كان لابد من تدخل حكومي حقيقي لإصلاح الوضع، وتحقيق التوازن بين فرض الضرائب وتطوير السوق. ومع مرور الوقت، كانت البورصة المصرية تواصل تراجعها، رغم كل المحاولات لإصلاح الوضع، مما جعل البعض يعتقد أن هذه الأزمة كانت مقصودة لفتح المجال أمام بعض الأطراف للاستفادة على حساب السوق والمستثمرين.
بقلم/ حافظ سليمان
خبير أسواق المال