لم تقف الحكومة المصرية مكتوفة الايدى لمواجهة الازمة الاقتصادية الحالية فقد قام البنك المركزى المصرى بأتباع حزمة من السياسات النقدية لضبط أيقاع السوق و إعادة التوازن للاقتصاد المصرى فأتخذ قراره برفع سعر الفائدة 3% على الإيداع والإقراض في آخر اجتماع للجنة السياسة النقدية في عام 2022 يوم الخميس، الموافق 22/ديسمبر 2022 لكبح جماح التضخم مما كان له الاثر على تكلفة الإقراض حيث أرتفعت لتقترب من 20%، وهو معدل مرتفع يزيد من تكلفة الإنتاج، بسبب القروض التي تم الحصول عليها من جانب الشركات للتمويل، وبالتالي رفع أسعار جميع المنتجات لديها لتغطية الفجوة الداخلة في مستلزمات الإنتاج.
ومن المفهوم أن أرتفاع تكلفة الاقراض يؤدى إلى أنخفاض وتراجع الاستثمارات وتقليص قدرة البنوك على الاقراض مما يؤدى الى أن يتراجع الطلب الكلي على المنتجات، وهو الأمر الذي يخفض من معدلات النمو الاقتصادي ويؤثر ايضاً بالسلب على التنمية الاقتصادية.
وعلى ذلك أعلنت الحكومة على لسان رئيسها عن ، إطلاق مبادرة جديدة لدعم القطاعات الإنتاجية “الصناعة والزراعة” بشريحة 150 مليار جنيه بفائدة منخفضة 11%، متحملة الفرق في سعر الفائدة.على أن تخصص المبادرة تمويلات قيمتها نحو 140 مليار جنيه لتمويل عمليات رأس المال العامل،( وهو رأس المال الداخل فى العملية الانتاجية ) بالإضافة إلى نحو 10 مليارات جنيه لتمويل شراء السلع الرأسمالية لمدة 5 سنوات ( و هى السلع التى يكون لها قيمة مضافة للعملية الانتاجية ).
هذا ونود ان نوضح فى هذا الصدد بأن البنك المركزى سبق أن تم إيقاف العمل بمبادرة الصناعة ذات العائد 8% على أساس متناقص بعد أن ضخت البنوك تمويلات فيها تجاوزت 345 مليار جنيه تمويلات في 3 سنوات منذ اطلاقها فى يناير 2020 فضلا عن قيام البنوك بضخ تمويلات تجاوزت 400 مليار جنيه في مبادرة البنك المركزي لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر منذ إطلاقها في ديسمبر 2015، مما كان له عظيم الاثر فى التنمية الاقتصادية للبلاد .
ونود أن نوضح فى هذا الصدد أن تلك المبادرات لها عظيم الاثر فى انعاش السوق المصرى ولعلها تكون بمثابة قبلة الحياه للسوق المصرى حيث اقتصرت المبادرة على دعم القطاعات الإنتاجية “الصناعة والزراعة” وهما جناحى القطاعات التى نحتاج اليها فى هذه الظروف الراهنة لادارة عجلة الانتاج لتحقيق معدلات مرتفعة من النمو الاقتصادي وهو مانحتاجه بالفعل لمواجهة أزمة التضخم الحالية الوافدة من الخارج، بفعل تزايد التكلفة الاستيرادية للواردات المصرية من الخارج من سلع غذائية ومستلزمات إنتاج وسلع رأسمالية.
وتعد هذه المبادرة فرصة سانحة لاستغلالها لزيادة الانتاج الزراعى المكثف من السلع الغذائية والذى قد ساهم فى سد أحتياجاتنا بشكل كبير و زيادة قدراتنا التخزينية مما ساهم فى تخفيف الاثر الناجم علينا من تلك الازمة حيث يقاس أثر الزيادة فى الاسعار على مصر بدرجة أستيرادنا لمنتجات وسلع من الخارج ومدى أنكشافنا على العالم . فمصر تستورد جزءا كبيرا من السلع وكلما قل أنكشافنا مع العالم الخارجى قل أثر التضخم علينا .
ومن ناحية اخرى يجب أن توجه هذه المبادرة لمستحقيها حتى يتسنى أكتساب السوق لشريحة جديدة من العملاء فضلا عن أستغلال هذه المبادرة فى تحقيق حلم الوصول إلى “100 مليار دولار صادرات” حيث تحقيق هذا الحلم ليس صعبا على المدى القصير، إذ تستطيع الدولة المصرية الوصول لذلك حال المضي قدما فى استغلال الاتفاقيات الدولية التى تم أبرامها بين الدولة المصرية ومعظم دول العالم مع استخدام سياسات مرنة لتطوير الصناعة، ووجود رغبة لدى الإدارة السياسية لتغيير السياسات التي كانت متبعة في القطاع الصناعي.
هذا ونود أن نوضح بأن مبادرة الحكومة ذات ال11% جاءت فى الوقت المناسب لاعادة توازنات السوق فى ظل قرارات البنك المركزى برفع سعر العائد 3% مما نتج عنه ارتفاع تكلفة الاقراض وعزوف معظم المستثمرين عن الاقتراض مفضلين الاتجاه نحو الشهادات ذات السعر المرتفع لحين اتضاح الرؤى وقد كانت تلك المبادرة فرصة سانحة لتشجيع المستثمرين لدخول دنيا الاعمال مرة أخرى علما بأن الاسواق تحتاج المزيد من المبادرات وتخصيصها لاغراض بعينها مما يخدم عملية التنمية وتنشيط الاسواق وتحقيق حلم الوصول إلى “100 مليار دولار صادرات .
بقلم / الدكتور محمد الشوربجي
الخبير المصرفي