بقلم/ دكتور رمزي الجرم
الخبير الاقتصادي
على الرغم من القلق المُستمر من الحكومات وصانغي القرار والسياسة الاقتصادية في البلدان المختلفة، من زيادة حجم الدين العام بشقيه المحلي والخارجي،
والتداعيات السلبية على إنخفاض مستوى المعيشة، وتَحمل الأجيال القادمة أعباء تلك الديون المُتراكمة، مما يُهدد ويقطع اي امل بمستقبل مُشرق لتلك الأجيال؛
إلا أن يجب العلم ان هذه المشكلة ليست مُتعلقة ببعض الدول دون غيرها؛ بل ان وتيرة الاقتراض في تزايد مُستمر، خلال الخمس سنوات الأخيرة، وكانت جائحة كورونا وتداعياتها السلبية،
لها اكبر الأثر في زيادة حجم الديون العالمية واستمرارها ايضاً. إلا أنه، وعلى الرغم من وجاهة هذا التخوف، إلا أن هناك بعض الامور الخاطئة التي ترسخت في اذهان الكثير،
وهي، الإعتداد بقيمة الدين العام كرقم مُطلق، دون نسبته الى العديد من المتغيرات الأخرى المرتبطة، أهمها، الناتج المحلي الاجمالي، كما أن مقارنة أرقام الدين العام سواء المحلي أو الخارجي أو كلاهما؛ بقيمته في فترات زمنية سابقة، تعتبر مقارنة ظالمة،
بل يجب مقارنة معدل الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، على مدى الفترات الزمنية المختلفة. فعلى الصعيد المحلي، نجحت الحكومة المصرية في خِفض نسبة الدين العام (المحلي والخارجي) من أعلى مستوى له (108٪) من الناتج المحلي الإجمالي عام 2015 /2016،
إلى (87.5٪) في عام 2019 /2020، بعد تنفيذ برنامج الاصلاح الاقتصادي، ثم عاد الارتفاع قليلاً، ليصل إلى (91.5٪) في عام 2020 /2021، بفعل جائحة كورونا، ومن المتوقع أن ينخفض الى (82.9٪) في العام المالي 2022 /2023،
حيث كان المُستهدف تخفيضه إلى (68٪) عن ذات الفترة المذكورة اخيراً، وهي قريبة من النسب المريحة والأمنة عالمياً، والمُقدرة ما بين (60٪ – 70٪)،
هذا كله في ظل تصاعد مستمر لقيمة الدين العام بشقيه المحلي والخارجي. ومن الجدير بالذكر، أن من اهم اسباب ارتفاع أرقام الدين العام لمصر،
ربما ترجع بالأساس إلى الارتفاع الكبير في حجم الاستثمارات الحكومية، والتي ارتفعت بمعدل 110٪ خلال 2021، حيث قفزت من 595 مليار جنيه (38.043 مليار دولار) خلال 2020، إلى نحو 1250 مليار جنيه (79.092 مليار دولار) في العام المالي الحالي، بزيادة بلغت 656 مليار جنيه (41.877 مليار دولار )،
فضلاً عن زيادة حجم الإنفاق على البنية التحتية، وخطة التحفيز التي تبنتها الحكومة في مارس 2020 لمواجهة التداعيات السلبية لأزمة كورونا، ورغم ذلك مازال الدين العام الخارجي في الحدود الآمنة، إذ لم يتعدى 35٪ من النانج المحلي الاجمالي، رغم الآثار السلبية للأزمة التي سبيتها جائحة كورونا،
كما أن هذا الارتفاع يرجع ايضاً إلى زيادة الاقتراض من صندوق النقد الدولي، خصوصا خلال عام 2020، والذي وصل لنحو 20.4 مليار دولار، فقد حصلت مصر على 2.8 مليار دولار بموجب(اداة التمويل السريع) في مايو 2020، لدعم ميزان المدفوعات، وبمعدل فائدة تقترب من الصفر،
ثم حصلت ايضاً على 3.6 مليار دولار تحت إتفاق (الاتفاق الائتماني) الذي يبلغ 5.2 مليار دولار للسداد على سنة، ثم استغلت الحكومة المصرية سوق السندات، فتم طرح 5 مليار دولار في الأسواق العالمية في مايو 2020،
كما اتجهت الحكومة والقطاع الخاص إلى هذا النوع من السندات الدولية والسندات الخضراء، للعمل على مواجهة أزمة كورونا، بالاضافة الى ان الارتفاع في حجم الدين العام، وبصفة خاصة الدين العام الخارجي، كان لحماية الأرواح والحفاظ على الوظائف وتجنب موجة عارمة من حالات الإفلاس،
ولو لم تتحرك الحكومات (بشكل عام) لمواجهة هذا الطارئ الخطير؛ لكانت العواقب الاجتماعية والاقتصادية وخيمة للغاية، وهذا ما دفع كافة حكومات العالم نحو طباعة نقد إضافي، لمواجهة أزمة البطالة وتداعياتها المُدمرة على الاقتصاد القومي للدول.
ومن المعروف، أن معدل نمو الدين العام، يتزايد، بتزايد العجز الكلي في الموازنة العامة للدولة، والعكس صحيح، ومن أجل ذلك، سعت الحكومة المصرية، خلال الفترة القليلة الماضية، نحو التخفيض التدريجي للعجز الكلي، بالنسبة الناتج المحلي الاجمالي،
فضلاً عن تحسين متوسط آجال الدين العام، حيث شهدت نسبة العجز الكلي بالموازنة، انخفاضاً تدريجياً من (13.7٪) من الناتج المحلي الإجمالي عام 2015 /2016، إلى نحو (7.5٪) في العام المالي 2019 /2020،ثم إلى (8.1٪) ف العام 2020 /2021، بسبب أزمة كورونا،
وتستهدف الحكومة تدني هذا المعدل ليصل إلى (5.2٪) من الناتج المحلي الإجمالي، ليقترب من المعدلات الآمنة التي تكون في حدود 3٪.على الجانب الاخر، سعت الحكومة ايضاً، نحو تحقيق فائض أولي للمرة الثالثة على التوالي، حيث تم تحقيق فائض أولي (2٪) من الناتج المحلي الإجمالي،
ولأول مرة، في عام 2018 /2019، مقابل عجز أولي (3.5٪) & (0.03٪) في (2015 /2016 )& (2017 /2018) على الترتيب، كما استطاعت تحقيق فائض أولي بمعدل (1.4٪) في العام 2019 /2020،اقل من المُستهدف (2٪) بسبب أزمة كورونا،
كما تركز الاستراتيجية العامة لإدارة الدين العام، على إطالة متوسط أجال الديون إلى نحو (3.2) سنة في 2019 /2020، مقابل (1.3) سنة في عام 2012 /2013،ومن المتوقع ارتفاعها بمدد تتراوح ما بين (4) إلى (5) سنوات في السنوات القليلة المقبلة، وبما سيؤدي إلى تخفيف العبء إلى حد ما على الموازنة العامة للدولة.