يبدأ اليوم توافد زعماء وقادة الدول العربية على العاصمة السعودية – الرياض – استعداداً لعقد القمة العربية العادية الثانية والثلاثين برئاسة السعودية التى تتسلم شارة القيادة لهذه الدورة من الجزائر.
قبل شهر وبضعة أيام من الآن، كانت هناك موجة من التفاؤل تسود العالم العربي، وكانت الأنظار كلها تترقب قمة الرياض باعتبار أنها ستكون قمة «جمع الشمل العربي» الحقيقى على أسس جديدة نابعة من التطورات والجهود التى سبقتها، وما أسفرت عنه من متغيرات ايجابية غير مسبوقة على الساحة العربية.
كانت هناك مصالحة عربية بإزالة سحابة الأزمة العابرة بين قطر وأشقائها فى مجلس التعاون الخليجى ومعهم مصر.
وكانت هناك بداية عودة للعلاقات بين مصر وتركيا إلى وضعها الطبيعى الذى كانت عليه قبل ثورة الثلاثين من يونيو المصرية التى أطاحت بحكم الإخوان قبل عشر سنوات.
وكان هناك الاتفاق السعودى الإيرانى الذى تم برعاية صينية وجهود خاصة من سلطنة عمان، واستهدف إعادة العلاقات بين الممكلة وإيران.
وكانت هناك جهود مصرية مكثفة حققت نجاحات عملية على الأرض، فى تشكيل حلقات من التكامل والتضامن العربي، ثنائية وثلاثية وجماعية سعياً إلى كيان عربى جديد يستجيب للمتغيرات الدولية، ويحجز لمنطقتنا موطئ قدم فى نظام عالمى مرتقب.
وكانت هذه التطورات جميعاً تحمل بذور وجينات ما يمكن ان نطلق عليه «تخليق إرادة سياسية عربية حقيقية» تزيد من نسبة «المكون الوطنى والقومي» فى القرارات العربية التى تخص الشأن العربى وذلك على حساب «المكون الأجنبي» الذى ساد وطغى على قراراتنا العربية خلال عقود طويلة ماضية.
كان العالم العربى يحلم بقمة تحتضن عودة سوريا لمقعدها فى جامعة الدول العربية لأول مرة منذ عام 2011 وتستقبل اليمن وليبيا ولبنان وقد تحققت انفراجة فى أوضاعها الداخلية فى ضوء ما أسفر عنه الاتفاق بعد انجاز الاتفاق بين المكونات العسكرية والمدنية فى السودان.
لكن انفجار الوضع فى السودان قبل شهر من الآن كان له وقع الصدمة على الجميع.
ولقد كتبت هنا يوم الخميس العشرين من الشهر الماضى مقالاً بعنوان: «الطريق لقمة الرياض العربية» أشرت فيه – تفصيلاً – لكل هذه التطورات.
كانت أحداث السودان يومها قد انفجرت لتوها، ولم يكن متاحاً فى هذا التوقيت المبكر التعليق عليها سلباً أو ايجاباً، لان الصورة لم تكن قد اكتملت ملامحها بعد من ناحية، والتزاماً بمبدأ الدولة المصرية بعدم التدخل فى الشأن الداخلى السودانى من ناحية أخري.
لكن أشرت – تلميحاً – إلى وطأة هذه الأحداث على القمة العربية المرتقبة وذلك فى نهاية المقال عندما ذكرت انه بالاضافة إلى التطورات الايجابية فى المشهد العربي، «أصبح – على المملكة العربية السعودية دور خاص فى قيادة جهود الحفاظ على هذا الزخم العربى وحمايته من أية تطورات سلبية، تأميناً لنجاح القمة».
ولحسن الحظ كانت السعودية سباقة فى بذل جهد خاص، بالتنسيق مع الولايات المتحدة للتهدئة فى السودان وجمع ممثلى طرفى الصراع على مائدة محادثات فى جدة لحل المشكلات الانسانية التى نجمت عن الأحداث. ولم يكن ممكناً لهذا الدور أن ينجح بدون مشاركة مصرية، وذلك أقر مجلس جامعة الدول العربية بالاجماع تشكيل لجنة من مصر والسعودية والأمين العام للجامعة لمتابعة ودفع هذه الجهود فى إطار عربي.
من الذى اختار تفجير الوضع فى السودان فى هذا التوقيت بالذات؟! وهل كان لاختيار التوقيت علاقة بموعد انعقاد قمة الرياض العربية، لافساد العرس العربي، والدفع بسحابة سوداء إلى سماء قمة أراد العرب لها ان تكون احتفالاً بنجاحات وتطورات ايجابية تحققت على الأرض؟!
هذا سؤال مشروع، واحتمال وارد، وإذا صح، فسوف يكون الطرف المستفيد من ذلك واضحاً ومعروفاً للجميع.
رأيى الخاص انه لا يجب ان نترك سحابة أحداث السودان تؤثر على تقييمنا للتطورات الايجابية التى سبقتها على الساحة العربية، ولا على احتفائنا بهذه التطورات، ولا باستنهاض إرادتنا السياسية الجماعية فى القمة للبناء على هذه التطورات وتعزيزها.. على القمة ان تتسلح بالإرادة لهزيمة الاحباط.
لا يعنى ذلك تجنيب أحداث السودان، بل على العكس.. فقط معالجتها فى إطارها الشرعى الصحيح.
لقد وجهت المملكة العربية السعودية الدعوة للفريق «البرهان» رئيس مجلس السيادة فى السودان لحضور القمة شأنه شأن كل الزعماء العرب.. وبالتأكيد لم يكن هذا قراراً سعودياً فردياً، بل عربيًا جماعيًا.. ولا أحد يمكنه ان يتكهن بما إذا كان الوضع الداخلى فى السودان سيسمح للبرهان بحضور القمة أم سينيب عنه من يمثله.
لكن فى كل الأحوال يقتضى الأمر صدور قرار عربى قوى من القمة بدعم «الشرعية» فى السودان ودعوة كل المكونات الفاعلة فى السودان إلى كلمة سواء لوقف القتال والانخراط فى عملية سياسية جادة، وبحسن نية، للتوصل إلى وضع نهاية للأحداث، وصياغة خارطة طريق تنقذ البلاد من مصير مظلم وترسو بسفينتها على بر الأمان.
من أجندة الأسبوع
- تشارك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وحلف الاطلنطى أوكرانيا فى جهودها لحصر وتوثيق الخسائر والأضرار التى تكبدتها بسبب العملية العسكرية الروسية الخاصة فى أراضيها، وتحميل روسيا بهذه الخسائر والأضرار حسب نوعها.. فالخسائر الاقتصادية والمالية وتدمير البنية التحتية يتم خصم تكلفتها من الأصول النقدية والعينية الروسية التى جمدها الغرب ضمن سلسلة عقوباته ضد روسيا.. والخسائر البشرية وما يتعلق بجرائم الحرب وغيرها يتم احالتها للمحكمة الجنائية الدولية.. إلى آخره.
حسناً.. لماذا لا نستغل نحن العرب هذه الفرصة، ويتم حصر وتوثيق الخسائر والأضرار التى تكبدتها فلسطين والعراق وليبيا وغيرها وتحميلها للطرف الدولى الذى تسبب فيها حسب نوعها أيضاً، خاصة ان بعض هذه الخسائر والأضرار مثل جرائم الحرب والتعذيب وقتل الأسرى وغيرها لا تسقط بالتقادم؟!
للأسف.. هم فقط يستطيعون لانهم يعتبرون أنفسهم الممثل الشرعى الوحيد للنظام العالمي، وهذا أحد الأسباب القوية التى تدفع شعوب العالم إلى التفكير فى نظام عالمى جديد منصف يمكنها من خلاله الحصول على حقوقها المشروعة. - إحياء الأمم المتحدة – لأول مرة – لذكرى النكبة فى فلسطين هذا الأسبوع بمناسبة مرور ثلاثة أرباع قرن على وقوعها، ودعوة الرئيس الفلسطينى لإلقاء كلمة بمقر المنظمة الدولية فى نيويورك لفتة ايجابية على المستوى الرمزى فقط لم يصحبها – للأسف – أى دعم دولى إضافى للفلسطينيين وقضيتهم يليق بمستوى الاعتراف بأنهم يعيشون نكبة لا تنتهي.
لقد قال «أبومازن» فى كلمته ان الأمم المتحدة اصدرت خلال ثلاثة أرباع القرن ألف قرار فى صالح القضية الفلسطينية، لم ينفذ أى قرار منها!! ومع ذلك، بدا وكأنه يؤذن فى مالطة!
ولن يتغير الوضع إلا إذا استعادت شعوب العالم منظمتها الدولية المختطفة من النظام العالمى القائم، وقامت بإصلاحها وتوسيع العضوية فى مجلس الأمن وإعادة النظر فى حق الفيتو، وأيضاً إعادة الاحترام لمبادئ القانون الدولي، ونصوص ميثاق المنظمة الدولية التى يتحكم فى تفسيرها وتأويلها طرف واحد.
بقلم/الأستاذ محمد أبو الحديد
الكاتب الصحفي القدير