في ضوء تغيرات سياسية عالمية كبيرة، وإنحياز غير مسبوق عن ثوابت ونظريات العلاقات السياسية الدولية، يولد عالم جديد من رحم أزمات طاحنة وتسعي الإنسانية للبقاء،
فقد تضمنت القمة الاستثنائية الكثير من التفاصيل تشكلت في أروقتها مفاهيم جديدة للشراكات الدولية، وتبقى مصر ثابتة على مواقفها القائمة على إقرار السلام دون التفريط في حقوق الشعوب والأمم.
قمة جدة للأمن والتنمية تعد استكمالًا لما تم الاتفاق عليه بقمة العلا مطلع العام الماضي وجاءت نظرا لسلسلة من المشاورات الإقليمية ،
وصولًا إلى مجموعة من القمم الثنائية التحضيرية التي تمت الشهر الماضي، سواء خلال جولة ولي العهد السعودي في مصر والأردن وتركيا،
أو القمة المصرية الأردنية البحرينية التي احتضنتها مدينة شرم الشيخ، أو زيارة أمير قطر إلى القاهرة، أو اللقاءات التي جمعت بين الرئيس المصري وكل من سلطان عمان هيثم بن طارق،
وملك البحرين حمد بن عيسى، واللقاء الذي جمع بين ملك الأردن عبد الله الثاني ورئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وعلى الصعيد الاقتصادي
صرحت المملكة السعودية بشأن عدم وجود إمكانية فعلية لزيادة الإنتاج بشكل واسع النطاق في المرحلة الحالية، نظرًا إلى أن اتفاقية خفض الإنتاج التي وقعتها دول “أوبك بلس” عام 2020،
ستظل سارية حتى ديسمبر المقبل، لذا تضمن البيان الختامي لقمة اليوم تنويهًا بجهود تجمع “أوبك بلس” لتحقيق استقرار أسواق النفط العالمية،
والتي تضمنت قرارات “محسوبة” لرفع حجم الإنتاج النفطي خلال الشهر الجاري والشهر المقبل.
وبات الموقف السعودي واضحا في هذا الملف، وهو ما أكد عليه فخامة ولي العهد محمد بن سلمان خلال كلمته في القمة، حين أشار إلى أن مستوى الطاقة الإنتاجية السعودية الحالية من النفط،
والتي تصل إلى ثلاثة عشر مليون برميل يوميًا، تعد هي الطاقة القصوى المتوفرة لدى المملكة في المرحلة الحالية.
الرؤية العربية الشاملة
في هذا الإطار عبر عنها فخامة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال كلمته، حين أشار سيادته إلى خطة من خمسة بنود لمواجهة أزمات المنطقة من جانب،
وأنها تنطلق من الثوابت الرئيسية للسياسة الخارجية المصرية تجاه القضايا الداخلية والإقليمية والدولية من جانب أخر، فضلا عنها اتخذت تلك الخطة من زاوية أن تفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية
يفتح الباب لمزيد من التدخلات الخارجية في الشأن العربي، لذا تضمنت هذه الخطة القضايا ذات الأولوية في المرحلة المقبلة: –
• أولا: – الانطلاق نحو المستقبل يتوقف على كيفية التعامل مع أزمات الماضي الممتدة، ومن ثم فإن جهودنا المشتركة لحل أزمات المنطقة، سواء تلك التي حلت خلال العقد المنصرم، أو تلك المستمرة ما قبل ذلك، لا يمكن أن يكتب لها النجاح إلا من خلال التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة ونهائية لقضية العرب الأولى، وهي القضية الفلسطينية، على أساس حل الدولتين المستند إلى مرجعيات الشرعية الدولية ذات الصلة، وبما يكفل إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
• ثانيًا: – بناء المجتمعات من الداخل على أسس الديمقراطية والمواطنة والمساواة واحترام حقوق الإنسان ونبذ الأيديولوجيات الطائفية والمتطرفة وإعلاء مفهوم المصلحة الوطنية، هو الضامن لاستدامة الاستقرار بمفهومه الشامل، والحفاظ على مقدرات الشعوب، والحيلولة دون السطو عليها أو سوء توظيفها، ويتطلب ذلك تعزيز دور الدولة الوطنية ذات الهوية الجامعة ودعم ركائز مؤسساتها الدستورية، وتطوير ما لديها من قدرات وكوادر وإمكانيات ذاتية، لتضطلع بمهامها في إرساء دعائم الحكم الرشيد، وتحقيق الأمن، وإنفاذ القانون، ومواجهة القوى الخارجة عنه، وتوفير المناخ الداعم للحقوق والحريات الأساسية، وتمكين المرأة والشباب، وتدعيم دور المجتمع المدني كشريك في عملية التنمية وكذلك دور المؤسسات والقيادات الدينية لنشر ثقافة الاعتدال والتسامح بما يضمن التمتع بالحق في حرية الدين والمعتقد، فضلًا عن تكريس مسيرة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي ودفع عجلة الاستثمار وتوفير فرص العمل
• ثالثًا: – الأمن القومي العربي، والذي يعد جزءا لا يتجزأ، وأن ما يتوافر لدى الدول العربية من قدرات ذاتية بالتعاون مع شركائها، كفيل بتوفير الإطار المناسب للتصدي لأي مخاطر تحيق بعالمنا العربي.. وأكد الرئيس السيسي في هذا الصدد على أن مبادئ احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شئونها الداخلية، والإخاء، والمساواة، هي التي تحكم العلاقات العربية البينية، وهي ذاتها التي ينص عليها روح ميثاق الأمم المتحدة ومقاصده، ويتعين كذلك أن تكون هي ذاتها الحاكمة لعلاقات الدول العربية مع دول جوارها الإقليمي، وعلى الصعيد الدولي.
• رابعاً: – ظل الإرهاب تحديًا رئيسًا عانت منه الدول العربية على مدار عدة عقود، ولذا فإننا نجدد التزامنا بمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف بكافة أشكاله وصوره بهدف القضاء على جميع تنظيماته والميليشيات المسلحة المنتشرة في عدة بقاع من عالمنا العربي، والتي تحظى برعاية بعض القوى الخارجية لخدمة أجندتها الهدامة، وترفع السلاح لتحقيق مكاسب سياسية ومادية، وتعيق تطبيق التسويات والمصالحات الوطنية، وتحول دون إنفاذ إرادة الشعوب في بعض الأقطار، بل وتطورت قدراتها لتنفذ عمليات عابرة للحدود.
• خامساً: – ضرورة تعزيز التعاون والتضامن الدوليين لرفع قدرات دول المنطقة في التصدي للأزمات العالمية الكبرى والناشئة، كقضايا نقص إمدادات الغذاء، والاضطرابات في أسواق الطاقة، والأمن المائي، وتغير المناخ، بهدف احتواء تبعات هذه الأزمات والتعافي من آثارها، وزيادة الاستثمارات في تطوير البنية التحتية في مختلف المجالات، وبما يسهم في توطين الصناعات المختلفة، ونقل التكنولوجيا والمعرفة، ووفرة السلع.
وفي النهاية اود ان أشير الي رؤيتي في أحداث وفاعليات قمة جدة للأمن والتنمية.
• قد وضعت القمة الاستثنائية أسسًا جديدة كليا بشأن العلاقات العربية الأمريكية عنوانها “الندية وعدم فرض الرؤى”، فضلا عن ان تلك العلاقات تتضمن بين ثناياها اعترافًا واضحًا باعتبار الشرق الأوسط منطقة ذات أهمية استراتيجية عليا بالنسبة لدول العالم والاقتصاد العالمي ككل.
• تحتفظ الدول العربية أيضًا بنظرة مستقلة هدفها الانفتاح على كافة دول العالم والتعاون وأيضا مع كافة التكتلات الاقتصادية، بما في ذلك دولتي روسيا والصين، وبما يضمن للمنطقة العربية عدم التبعية لأمريكا أو لغيرها بشكل مطلق ونهائي لا رجعة فيه، وفي نفس الوقت يتيح للمنطقة الاستفادة القصوى من كافة الفرص المتاحة.
• تعد قمة جدة للأمن والتنمية الاستثنائية بمثابة تدشين لإعادة تصويب بعض العلاقات العربية مع دول العالم العظمي، خاصة العلاقات مع مصر والسعودية، وهو ما يعد يمكن اعتراف دولي بأهمية دور كلا الدولتين وتأثيرهما الاستراتيجي والجيوسياسي فضلا عن حجمهما المؤثر بشكل عظيم في المنطقة والعالم.
بقلم /دكتور هاني حافظ
الخبير الأقتصادي