لاشك ان استمرار أمد الحرب في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي وحتى الآن ، كان له تداعيات سلبية إقليميا ودوليا ، وبشكل خاص على الاقتصاد المصري، الذي يعاني من تَعطُل حركة النقل في المجرى المائي لقناة السويس بشكل كبير، مما كان له تأثير مباشر على انخفاض الحصيلة الدولارية، التي تعتبر احد اهم مصادر النقد الأجنبي في البلاد ، حيث كشف البنك الدولي في تقرير بعنوان (الصراع والديون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) عن انخفاض حصيلة مصر من رسوم العبور في قناة السويس بما قيمته 3.5 مليار دولار ، خلال الفترة من نهاية ديسمبر 2023 حتى أول فبراير الماضي ، وبما يمثل نحو 42٪، على خلفية ان قيمة التراجع تمثل نحو 10٪ من قيمة الاحتياطيات الدولية لمصر لدى البنك المركزي المصري ، كما ان إيرادات القناة التي تقدر بنحو 8.8 مليار دولار، تعادل ربع قيمة الاحتياطيات الدولية لمصر لدى البنك المركزي في العام الماضي، وتمثل ثُمن تجارة الشحن العالمية ، ونحو 30٪ من تجارة الحاويات في العالم.
على جانب اخر، صرح رئيس الهيئة ان رسوم العبور فقدت نحو 50.7٪ من نوفمبر 2023 حتى 26 فبراير الماضي، مُسجلة ما قيمته 724 مليون دولار ، مقابل 1.469 مليار دولار عن نفس الفترة من العام السابق ،حيث تراجعت عدد السفن التي تَمُر بقناة السويس إلى 2.3 الف سفينة مقابل 3.9 الف سفينة عن نفس الفترة من العام السابق ، وتوقع رئيس الهيئة ان تنخفض الحصيلة بنهاية العام المالي الحالي إلى 5 مليارات دولار ، مقابل 10.249 مليار دولار عن نفس الفترة من عام 2023 ، خصوصا اذا ما علمنا ان الحصيلة قد تسارعت وتيرتها خلال الفترة القليلة الماضية وقبل اندلاع الحرب الحالية ، حيث سجلت الحصيلة في نهاية العام المالي 2022 /2023 ما قيمته 10.249 مليار دولار كما سبق الذكر، مقابل 7.9 مليار دولار في نهاية العام المالي 2021 /2022.
وعلى الرغم من وجود تدفقات دولارية داخله تقدر بنحو 45 مليار دولار خلال الفترة الاخيرة، المتمثلة في صفقة رأس الحكمة وصرف دفعات من قرض صندوق النقد الدولي ومساعدات من الاتحاد الاوربي والتنازل عن المزيد من العملات الأجنبية المختلفة مقابل الجنيه المصري بعد التعويم الرابع للعملة المحلية ؛ إلا أنها لا تشكل موارد مستدامة للنقد الأجنبي ، بل هي تندرج تحت طائفة الموارد الدولارية الطارئة، والتي لا يُعول عليها في بناء الاقتصاد الوطني ، بالمقارنة بالموارد الدولارية التي تتدفق من المجرى المائي الاهم عالميا بشكل دوري ومستدام، والذي يمثل مورد طبيعي له صفة الإستمرارية، والذي يعتمد عليه صانعي السياسة الاقتصادية والنقدية في البلاد يشكل اساسي في تقدير تدفقات موارد النقد الأجنبي في المستقبل ورسم السياسات الاقتصادية والنقدية والمالية بشكل دقيق.
والحقيقة، ان استمرار الأزمة، سيدفع بالمزيد من التداعيات السلبية الخطيرة على الاقتصاد المصري، من خلال انخفاض ملموس في المؤشرات الكلية للاقتصاد الوطني بشكل ملموس، فضلا عن ان الخطورة تَكمُن في ان استمرار تَعطُل الملاحة والشحن في قناة السويس ، ربما يدعوا قوى عالمية من انتهاز الفُرص للنيل من الدولة المصرية ، من خلال الاعتماد على بدائل أخرى، قد لا تكون في مستوى المجرى المائي لقناة السويس ، ولكن سيتم طرحه كأفضل البدائل المتاحة حاليا ، خصوصا ان بعض القوى تسعى لانشاء قناة بديلة تنطلق من الهند مرورا بعدد من الدول العربية الشقيقة، لتصل إلى قناة بن جوريون في دولة الاحتلال.
وربما تفرض التداعيات السلبية المستمرة الحادثة على خلفية التوترات الجيوسياسية في مضيق باب المندب والبحر الاحمر ، إلى تَحرك سياسي حثيث من أجل إنهاء الأزمة في أقرب وقت ممكن، لما لها من انعكاسات سلبية، ليس على الجانب المصري فحسب؛ بل اقليميا وعالميا، نظرا لزيادة تكاليف الشحن والتأمين في حالة المرور عن طريق رأس الرجاء الصالح في افريقيا ، وتأخر البضائع من 7 إلى 10 أيام ،مما يؤدي إلى تلف بعضها ، وزيادة النفقات جراء هذا التأخير.
بقلم / دكتور رمزى الجرم
الخبير المصرفى