تحديات كبيرة يواجهها الاقتصاد المصري على خلفية استمرار تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وامتداد آثارها إلى مدينة رفح الفلسطينية وما تلاها من استمرار التهديدات الإقليمية نتيجة ذلك الصراع وهو ما وضع الاقتصاديات العالمية والإقليمية في مأزق للخروج من تلك السلسلة غير المنتهية من الأزمات.
الاقتصاد المصري
مخططات الدولة المصرية لم تكن بعيدة عن تضمين تأثيرات ذلك الصراع علي كيان الاقتصاد القومي وأثره بجميع نواحي حياة ومقدرات ملايين من المصريين ومحاولات السيطرة عليها أو تقليل تبعاتها، وهو ما ظهر جليا في التوجهات الخاصة بإعداد الموازنة العامة للدولة عن العام المالي 2025/2024 المقبلة والتي سيبدأ العمل بها اعتبارا من أول يوليو المقبل.
تراجع الناتج المحلي
موازنة العام المالي الجديد والتي تصنف على أنها الأكبر في تاريخ مصر من حيث المصروفات والإيرادات والتي تعرف بـ”الاستخدامات” المقدرة بنحو 6.525 تريليون جنيه ويقترب معدل نموها من 27% عن العام المالي الجاري؛ إذ تسجل في الوقت الحالي 5.142 تريليون جنيه.
وفقا لبيانات مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2024-2025 والذي تنفرد “البوابة” بنشر أبرز بنودها.
تتضمن البنود رفع الناتج المحلي الإجمالي إلى 17.1 تريليون جنيه بما يعادل 357 مليار دولار؛ بزيادة تبلغ 5.3 تريليون جنيه عن العام المالي الجاري المقدر بـ11.843 تريليون جنيه وتعادل 247.24 مليار دولار، بما يعني وصول معدل نمو الناتج المحلي إلى 44.4% على أساس سنوي.
سعر البترول والقمح
وعلى الرغم من مخالفة الحكومة في الوقت الحالي من توجهاتها في خفض الدعم على المواد البترولية والمحروقات، إلا أنها قررت تسعير برميل النفط وفقا للتقديرات العالمية في المتوسط بمعدل 2 دولار زيادة عما كان عليه في العام المالي 2024/2023 الجاري؛ ليصل في مشروع موازنة السنة المالية الجديدة إلى 82 دولارا للبرميل بعد أن كان 80 دولارا في الوقت الحالي، لكن مع المقارنة بما كان عليه سعر النفط في موازنة العام المالي 2022/2021 سنجد أنه تم تخفيض تقديرات برميل النفط بمقدار 9 دولارات مع الأخذ في الاعتبار أن تسعير النفط في البورصات العالمية في الوقت الحالي قد شهد زيادة مقدارها 0.17% ليصل سعر الخام العالمي إلى 83.37 دولار للبرميل.
وخفض مشروع الموازنة الجديدة من متوسط سعر طن القمح من 340 دولارا في موازنة 2024/2023 الجاري لتصل إلى 280 دولارا بمشروع الموازنة 2024/2025 المقبل بمعدل تخفيض يقدر بـ60 دولارا بما يمثل 17.64%.
وفي موازنة العام المالي 2023/2022 الماضي قفز متوسط سعر القمح إلى 424 دولارا والذي جاء متوازيا مع اشتداد تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية والتي أفقدت الاقتصاد المصري جزءا كبيرا من مقدراته وموارده، ليتحسن بذلك معدل تسعير القمح في الموازنة المقبلة بمقدار 144 دولارا للطن بالمقارنة بموازنة السنة المالية السابقة، بمعدل تخفيض يقدر بـ 33.9%.
فجوة تمويلية
وعلى صعيد المؤشرات الاقتصادية فإن الموازنة الجديدة تعكس توجهات الحكومة في توسيع حجم الاقتراض من خلال آلية أدوات الدين المحلية والدولية سواء أذون أو سندات الخزانة العامة لتدبير احتياجاتها التمويلية التي تقدر بأكثر من 47 مليار دولار في المالي المقبل وهو ما ظهر في رفع نسبة الفائدة على ما يتم طرحه من أدوات دين محلية لتحفيز المستثمرين والمكتتبين في تلك الاستثمارات غير المباشرة؛ ليصبح سعر العائد في المتوسط 25% بعد أن كانت 18.5% في موازنة العام المالي الجاري بزيادة تقدر بنحو 6.5% وهي معدل مرتفع في ظل التوجهات العالمية بترشيد سعر الفائدة لمواجهة تداعيات التضخم.
التضخم يرتفع
تسعير الفائدة على طروحات أذون وسندات الخزانة في الموازنة الجديدة هو الأعلى وفقا لما كشفته الأرقام والتي ارتفعت من 14% في موازنة العام 2020/2021 لتصل نحو 25% في موازنة العام المالي المقبل بما يعني أنها سجلت نموا يقدر بـ78.6% في 4 سنوات.
وهو ما انعكس بالفعل في تقديرات الحكومة لمعدلات التضخم والتي قفزت من 6.7% في موازنة العام 2021/2020 لتسجل مستهدفا نسبته 18.1% في موازنة العام المالي الجديد بما يعني أن نسب التضخم ستقفز بمعدلات تتجاوز 3 أضعاف ما كانت عليه قبل 4 أعوام مالية سابقة.
رفع معدلات التضخم المستهدف ليس غريبا على الموازنة خصوصا أن تلك النسبة قد أفصحت عنه ضمن بيانات البنك المركزي المصري والتي تضمنت تسبب تداعيات الأزمات الإقليمية والعالمية سواء الحرب الروسية الأوكرانية واستمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في استمرار تأثر الاقتصاد المصري وعدم القدرة على تحقيق مستهدفات نسب التضخم المقدر بنسبة 7% في المتوسط بنهاية العام 2024 الميلادي مع وضع تصور 2% معدل زيادة أو نقص بما يعني أنه في حالة الزيادة ستكون معدلات التضخم المخططة 9% أو 5% في حالة الانخفاض وذلك بنهاية العام الجاري.
تحديات النمو
وانعكست تلك المؤشرات بلا شك على معدلات النمو حيث عدلت الحكومة من توقعاتها بشأن نسب النمو المستهدف من 4.7% لتصل إلى 4% بمشروع موازنة العام المالي الجديد بما يعني أنها خفضت التوقعات بمقدار 0.7% نظرا لتأثر الاقتصاد بالتحديات العالمية والإقليمية.
ويتوقع أن ينتهي العام المالي 2024/2023 الجاري على معدل نمو 4.1% بزيادة 0.3% عن العام المالي الماضي، وهو ما يعني أن معدلات النمو في موازنة السنة المالية 2024/2025 الجديدة ستشهد تراجعا قد يكون طفيفا لا يتجاوز 0.1% على الأقل.
وفقا لتقديرات الحكومة خلال الأعوام المالية المقبلة والتي من بينها 2025/2026 سيكون معدل النمو المستهدف 5.4% بما يعني زيادة النمو بمعدل 1.5% ، حتى يتم الوصول لـ6.5% نسبة نمو بحلول العام 2027/2028، وهو ما يضع المجموعة الاقتصادية أمام تحديات كبيرة تتعلق بوضع محفزات سريعة المفعول حتي تتمكن من تحقيق مستهدفاتها بشأن النمو المستهدف.
الإيرادات والضرائب
يعتمد مشروع الموازنة 2024/2025 الجديدة والتي سيتم العمل بها أول يوليو المقبل؛ بصورة أساسية على زيادة موارد الخزانة العامة والتي تعتمد بصورة أساسية على الإيرادات العامة والتي تبلغ 2.63 تريليون جنيه وتمثل 15.4% من الناتج المحلي الإجمالي، بزيادة تبلغ 488 مليار جنيه بنمو يقدر 22.8% عن العام المالي الجاري حيث سجلت إيراداته العامة نحو 2.142 تريليون جنيه وتمثل 18.1% من الناتج المحلي الإجمالي.
وفقا لما تضمنته نسبة الإيردات العامة إلى الناتج المحلي بموازنة العام المالى الجديد ومقارنته بما كان عليه في العام المالي الجاري، سنجد أنها تراجعت بصورة حقيقية تقدر بنحو 2.7% ولكنها من حيث القيمة سنجدها ارتفعت بمقدار أقل من نصف تريليون جنيه علي أساس سنوي.
تعتمد الموازنة الجديدة بصورة أساسية على الإيرادات الضريبية التي تمول الجزء الأكبر من خطة الحكومة حيث تمثل 76.844% من إجمالي الإيرادات العامة هذا العام بما يعني أنها تمثل أكثر من ثلاثة أرباع تلك الإيرادات، لكنها لا تزال في الوقت الحالي تمثل رقما متواضعا بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي فهي تشكل 11.82% أي أنها أقل من ربع الناتج المحلي بمقدار الضعف أي أقل من “ثُمن” ذلك الناتج وبالتالي لا تتوافق مع المعدلات العالمية.
حسبما كشفته أرقام الموازنة والتي تضمنت استهداف الحكومة زيادة إيرادات الضرائب بأنواعها المختلفة مقدار 491 مليار جنيه مقارنة بالعام المالي الجاري بما تمثل نموا نسبته 32.1%.
وتبلغ مساهمة الضرائب في موازنة العام المالي الجاري إلي الإيرادات العامة نحو 71.42% و 12.92%.
ولعل المتابع لتلك المؤشرات سيجد مساهمة الضرائب إلى الناتج المحلي الإجمالي قد تراجعت بمعدل سنوي 1.1% بالرغم من محاولات الحكومة لرفع مستهدفات زيادة الحصيلة الضريبية في مشروع الموازنة الجديدة بمقدار 491 مليار جنيه عن العام المالي الحالي، لكنها من الناحية الحقيقية تنخفض.
الإنفاق العام
وعلي جانب الإنفاق العام، تخطط الحكومة عبر موازنة العام 2025/2024 المقبل رفع مصروفاتها إلى 3.9 تريليون جنيه بما يمثل 22.81% من الناتج المحلي الإجمالي وبزيادة تقدر بتريليون جنيه عما هو مخطط بموازنة العام المالي 2024/2023 الجاري والذي تم تقديره بنحو 3 تريليونات وتمثل 25.33% أي نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي.
تخفيض نسبة الإنفاق العام بالموازنة الجديدة نسبة للناتج المحلي بمقدار 3% بمشروع الموازنة الجديدة على أساس سنوى يعد من الخطوات الإيجابية لتقليص الأعباء على الخزانة العامة والإسراع في المخططات الخاصة بإدارة الدين العام وتفرغ الحكومة للمهام التنموية والإصلاحية للاقتصاد القومي، وربما بحسب التقارير هي سابقة لم تحدث.
مخصصات الأجور
وتأتي مخصصات الأجور في الباب الأول من مصروفات الموازنة العامة للدولة، أبرز الأولويات التي تراعيها الحكومة في ظل التكليفات الرئاسية بتحسين مستوى معيشة المواطنين بما في ذلك الموظفون بالدولة وأجهزتها التابعة سواء المخاطبين بقانون الخدمة المدنية أو أصحاب القوانين والكوادر الخاصة.
وارتفعت مصروفات الأجور وتعويضات العاملين بالدولة إلى 575 مليار جنيه بمشروع موازنة العام المالي المقبل بما تمثل 14.74% من جملة المصروفات العامة، بزيادة تبلغ 105 مليارات جنيه عن العام المالي الجاري والذي سجل نحو 470 مليار جنيه وتستحوذ على 15.7% من جملة الإنفاق العام.
تعكس أرقام الأجور وتعويضات العاملين بالدولة، إجراءات الحكومة في ترشيد الإنفاق العام علي المرتبات والمكافآت والتي كانت تتم في أوقات سابقة بدون ضوابط وكانت تمثل إرهاقا علي المصروفات العامة وتعد عبئا عليها إذ وصلت في بعض الأعوام المالية إلى استحواذها على أكثر من ربع الإنفاق العام والتي تجاوزت 27%.
ونجحت الحكومة على مدار الـ 5 سنوات الأخيرة في ترشيد مساهمة الأجور وتعويضات العاملين بالدولة من المصروفات العامة، تدريجيا، حيث خفضت من مصروفات المرتبات لتستحوذ على 20.13% في العام 2019/2020 ثم 19.93% في العام المالي 2020/2021 و19.6% في العام المالي 2022/2021 وصولا لـ15% خلال العام المالي 2023/2024 الجاري، مع استهداف وصولها لـ14.74% في العام المالي الجديد.
ووصل معدل ترشيد الإنفاق العام على الأجوروتعويضات العاملين بالدولة، بمقدار تخفيض نسبته 5.4% بالمقارنة بما كان عليه في العام 20219/2020.
مع زيادة مخصصات الأجور وتعويضات العاملين من حيث القيمة علي أساس سنوي لترتفع بمقدار 105 مليارات جنيه خلال العام المالي الجديد وبالمقارنة بالعام المالي الجاري؛ حيث تم تدبير تلك المبالغ الزائدة لتمويل التكليفات التي وجه بها الرئيس عبدالفتاح السيسي لتحسين أوضاع الموظفين لمواجهة الأعباء المعيشية الراهنة بسبب التداعيات العالمية والإقليمية.
تضمنت تلك المخصصات إقرار حزمة حوافز لتمويل الحد الأدني للأجور البالغ حاليا 6 آلاف جنيه واحتساب العلاوات الاجتماعية للموظفين بالدولة سواء المخاطبين بقانون الخدمة المدنية أو أصحاب الكوادر الخاصة بتكلفة 11 مليار جنيه، بالإضافة إلي تمويل تعيين 120 ألفا من أعضاء المهن الطبية والمعلمين والعاملين بالجهات الإدارية المختلفة بتكلفة 6.6 مليار جنيه و إقرار زيادة بدالات ومرتبات العاملين بالقطاع الطبي والمعاهد والمراكز البحثية والموظفين بالقطاع التعليمي الجامعي وقبل الجامعي ومن يعاونهم.
وتم تمويل تكاليف زيادة الإعفاء الضريبي علي الموازنة العامة بقيمة 5 مليارات جنيه، ليتم بمقتضاه زيادة حد الإعفاء من 45 ألفا إلى 60 ألف جنيه علي الدخل السنوي للموظفين