لا جدال في أن لكل فعل رد فعل، ولذا فعلى من ينادون بمزيد من العقوبات الاقتصادية عدم إغفال هذه القاعدة، وعلى من ينادون بوقف التعاملات التجارية مع دولة أو أي كيان إقتصادي معين تحليل كامل المعلومات عما لدى هذا الكيان من إمكانيات.
وفي محاولة لبيان الأثار المتوقعة لما تشهده الساحة العالمية من تطورات جاء هذا المقال بالتركيز على واحد من أهم سلع العالم ألا وهو القمح.
وتشير بياناتCNBC الأمريكية إلى أن كلا من روسيا وأوكرانيا يستحوذان على 29% من تجارة القمح العالمية، وتشير بيانات وزارة الزراعة الأمريكية إلى أن روسيا أنتجت نحو 76 مليون طن من القمح العام الماضي،
وتمثل صادرات روسيا من القمح إلى العالم نسبة 17% من إجمالي تجارة القمح، وحيث يستحوذ القمح الروسي على النصيب الأكبر من الواردات المصرية للقمح ومصر تعتبر من أكبر مستوردي القمح في العالم،
فمن المتوقع أن يكون المخزون الإستراتيجي المصري من القمح من أكثر الدول تأثراً بما تشهده الفترة من تطورات جراء الحرب الروسية الأوكرانية،
فبحسب بيانات وزارة الزراعة الأمريكية بلغت واردات مصر من القمح الروسي نحو 8.96 مليون طن من إجمالي نحو 13.3 مليون طن استوردتها مصر خلال عام 20/2021.
ليس هذا فحسب بل إن مصر تأتي في مقدمة الدول التي تستورد القمح الأوكراني، فوفقاً لتحليل التوزيع النسبي لصادرات أوكرانيا من القمح خلال عام 2020 تبين إستحواذ السوق المصري على نحو 17% من إجمالي الصادرات الأوكرانية من القمح لتحتل بذلك المركز الأول،
في حين إحتلت إندونسيا المركز الثاني بحصة بلغت نحو 15% من إجمالي صادرات القمح الأوكراني، أما بنجلادش فقد جاءت بالمركز الثالث بحصة بلغت نحو 8%.
وقت الأزمة; كان وقت وقوع الأزمة الروسية الأوكرانية من أهم العوامل في عدم إرتفاع أثارها السلبية على المخزون المحلي المصري من القمح، فقد لا يكون الخطر بالنسبة لمصر في الوقت الحالي كبيراً،
نظراً لاقترابها من موسم توريد القمح المحلي، وهو ما ساهم في استقرار المخزون الاستراتيجي، وكانت الحكومة المصرية قد قررت على ضوء ارتفاع الأسعار العالمية
زيادة سعر توريد القمح المحلي ليبلغ 670 جنيهاً للطن خلال موسم الحصاد الذي سيبدأ في أبريل المقبل.
ويكفي الاحتياطي الاستراتيجي لمصر من القمح نحو خمسة أشهر، مع الأخذ في الاعتبار اقتراب موسم التوريد المحلي والمقدر في منتصف أبريل المقبل،
وتستهدف وزارة التموين والتجارة الداخلية جمع نحو أربعة ملايين طن قمح من الفلاحين في الموسم الجديد، بزيادة بلغت نحو 11% عن الموسم الماضي.
وبالرغم من أن تأثير الحرب بين روسيا وأوكرانيا يؤثر في الجميع، وترتب عليه قلة المعروض في السوق، إلا أن اقترابها من فترة الحصاد للمخزون المحلي، ساهم في توافر مخزون محلي من القمح حتى نهاية أكتوبر 2022،
ولذلك أكدت وزارة التموين إنها غير قلقة من حدوث تراجع عالمي في مخزونات القمح نظراً لأنها تحصل عليه من مجموعة متنوعة من الموردين.
مصر ليست الأكبر عالمياً; أكدت تحليلات مستويات الإستهلاك المحلي أن مصر ليست أكبر دولة في العالم استهلاكاً للقمح خلال عام 20/2021،
حيث إحتلت مصر المركز السابع بين أهم مستهلكي القمح في العالم وفقاً لموقع_ Statistaالمتخصص في بيانات السوق والمستهلكين.
وجاء في المركز الأول كأكبر مستهلك للقمح في العالم الصين بكمية بلغت نحو 135 مليون طن، ويأتي بعدها الاتحاد الأوروبي بكمية بلغت نحو 118.5 مليون طن، وفي المركز الثالث جاءت الهند بكمية بلغت نحو 99.5 مليون طن،
وفي المركز الرابع جاءت روسيا بنحو 41.5 مليون طن، ثم الولايات المتحدة خامساً بنحوـ 31.38 مليون طن، وباكستان سادساً بنحو 25.8 مليون طن.
لتحتل مصر بذلك المركز السابع عالمياً بين أكثر الدول استهلاكاً للقمح بكمية بلغت نحو 18 مليون طن. هذا وتجدر الإشارة إلى أن إجمالي إنتاج القمح على مستوى العالم يقدر بنحو 780 مليون طن،
تحتل الصين المركز الأول كأكبر منتج سنوي بكمية تصل لنحو 134 مليون طن، تأتي بعدها روسيا بكمية تصل لنحو 86 مليون طن،
ثم أوكرانيا بكمية تصل لنحو 26 مليون طن، ومن المتوقع أن تؤثر الحرب على الإنتاج في روسيا وأوكرانيا وأن تصيب سلاسل التخزين والإمداد بالقصور، خاصة أن البلدين هما من أكبر مصدري الأقماح عالميا.
شح متوقع; أكدت منظمة التجارة العالمية إن الأزمة الروسية الأوكرانية ستؤثر سلباً في أسعار القمح بشكل كبير. وفي مصر تم إلغاء مناقصة للقمح في 24 فبراير نظراً لمشاركة عدد ضئيل من المصدرين الرئيسيين،
وذلك على الرغم من توافر أسواق بديلة لواردات القمح إلى مصر عقب الأزمة الروسية الأوكرانية تشمل الولايات المتحدة وفرنسا ورومانيا وكازاخستان وألمانيا،
كلها دول يتوافق إنتاجها من القمح مع المواصفات المصرية الخاصة بدرجة الرطوبة.
وعليه، نود الإشارة الى أن العمليات العسكرية المستمرة بين الجانبين الروسي والأوكراني تعتبر عائق أمام تنفيذ العمليات التجارية نظراً لتعليق العمل في الموانئ،
وهذا بالتأكيد سيكون له تأثير واضح على حجم المعروض العالمي من القمح وغيره من السلع الضرورية، وعلى المستوى المحلي نود التأكيد على أن المخزون الإستراتيجي المصري من القمح يقترب من خمسة ملايين طن في الصوامع والمطاحن
وهو يكفي لنحو تسعة أشهر، بالإضافة إلى ذلك؛ فمصر تعتمد على تنوع مصادر القمح نظراً لإمكانية استيراده من نحو 14 دولة وان كان السوق الأكراني وكذلك الروسي هما الأقرب.
ختاماً، نود التأكيد على أن من ينادي بزيادة ما يفرض على روسيا من عقوبات اقتصادية لابد وأن يكون قادر على دراسة وإدراك كل ما هو متوقع لهذه العقوبات من أثار مرتدة، خاصة وأن الأزمات قد تكون فرص لمن يُحسن إستخدامها.
بقلم/دكتور ناصر عبد المهيمن
خبير أقتصادي