من المعروف أن البنك المركزي المصري، يعمل وفق سياسات نقدية مستقلة هدفها الأول والرئيسي لصالح الاقتصاد المصري، ومواجهة التضخم الذي لاحق دول العالم بأجمعها.
وعلى ذلك أتخذ قراره برفع سعر الفائدة 3% على الإيداع والإقراض في آخر اجتماع للجنة السياسة النقدية في عام 2022 يوم الخميس، الموافق 22/ديسمبر 2022 لكبح جماح التضخم ليتجاوز بذلك توقعات السوق.
أخذا فى الاعتبار أن رفع الفائدة بمقدار 3% قرار متوقع ويتماشى مع قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الذي رفع مؤخرا سعر الفائدة على الدولار،
بالاضافة إلى أن قرار رفع الفائدة سيكون له دور في كبح جماح التضخم والسيطرة على أرتفاع الأسعار الذي لاحق السلع الاستراتيجية .وبهذا القرار، يكون البنك المركزي، رفع أسعار الفائدة أربعة مرات خلال عام 2022، بواقع 8%..
وقد كان المركزي، أجرى اجتماعين استثنائيين خلال عام 2022، الأول في 21 مارس الماضي بـزيادة أسعار الفائدة ب1% والثاني في 27 أكتوبر بـزيادة 2%.
حيث يعد قرار الفائدة أحد أدوات السياسة النقدية لامتصاص الضغوط التضخمية بعد ما ارتفع معدل التضخم الأساسي خلال شهر نوفمبر الماضي إلى 21.5% وفق بيانات المركزى .
رفع الفائدة وأعباء الديون
إن كل رفع في سعر الفائدة بنحو 1% يزيد أعباء جديدة على الموازنة العامة للدولة بمقدار 32 مليار جنيه، وفي ظل معدل الزيادة السابق 3% فإن فوائد خدمة الدين الداخلي ترتفع بما يصل إلى 96 مليار جنيه.
رفع سعر الفائدة و أسعار الذهب
من المفترض أن يؤدي رفع سعر الفائدة إلى تخفيض أسعار الذهب، حيث تزيد تكلفة حيازة الذهب وخاصة فى ضوء قيام البنوك باصدار شهادات مرتفعة العائد، ولكن يجب أن نسجل أن هذا الاتجاه سوف يتحقق بنسبة كبيرة بشرط أن تستقر قيمة الجنيه المصري في مواجهة الدولار، إذ أنه لو استمر الارتفاع في سعر الدولار فسوف يغذي هذا من الاتجاه نحو ارتفاع اسعار الذهب بشكل قد يقلل أو يلغي من التأثير المبدئي لرفع أسعار الفائدة على انخفاض أسعار الذهب.
زيادة أسعار الفائدة على الاقراض وكيف تؤثر في الأسواق؟
يعد رفع أسعار الفائدة، هو معيار يحدد أسعار الفائدة على القروض التي تحصل عليها البنوك من البنك المركزي، وبناء عليها تضع البنوك خططها في آلية احتساب جديدة لأسعار الفائدة على القروض التي تقدمها للعملاء.
وتتأثر الأسواق بزيادة أسعار الفائدة ، وكلما ارتفع سعر الفائدة الذي يضعه البنك المركزي، تزيد نسبة الفائدة بشكل تلقائي على القروض القائمة والجديدة، بالعملات المقومة بعملة المركزي أو المرتبطة بها.
وإن تكلفة الإقراض سترتفع اعتبارا من اليوم الذي يقر فيه زيادة أسعار الفائدة، وبالتالي على العملاء، وهذا مؤشر سلبي على الاقتصادات النامية والباحثة عن تحفيز الأسواق من خلال وضع نسب فائدة منخفضة ،
إذ سيدفع رفع تكلفة الإقراض إلى تراجع وتيرة الإقدام على طلب التسهيلات الائتمانية علما بأن تكلفة الإقراض الان قد أرتفعت لتقترب من 20%،
وهو معدل مرتفع يزيد من تكلفة الإنتاج، بسبب القروض التي تم الحصول عليها من جانب الشركات للتمويل، وبالتالي رفع أسعار جميع المنتجات لديها لتغطية الفجوة الداخلة في مستلزمات الإنتاج.
وعلى ذلك فأن الاثر السلبى سيمتد الى عملاء المشروعات والذين سيتحملون اعباء زيادة الدين والناتجة من الاقتراض من البنوك اما الذين لم يتعاملوا مع البنوك فسوف يفضلون الانتظار تجنبا زيادة الاعباء عليهم فى ظل تلك الظروف التضخمية السائدة مما يترتب عليه عرقلة التقدم نحو أنتشار الشمول المالى و الذى ينادى به البنك المركزى ذاته.
ويترتب على ماتم ذكره الى تأخير وبطىء الاستثمار الحقيقي حيث تزيد تكلفة التمويل التي تتحملها المشروعات ومن ثم التكاليف الكلية بشكل يقلل من العوائد المحتملة لها،
وهو الأمر الذي يخفض من فرص تنفيذ المشروعات الاستثمارية لزيادة التكاليف وانخفاض معدلات العائد المتوقعة على الاستثمار، بالإضافة إلى تراجع الاستثمارات وتقليص قدرة البنوك على الاقراض سوف يتراجع الطلب الكلي على المنتجات، الأمر الذي يخفض من معدلات النمو الاقتصادي ويؤثر ايضاً بالسلب على التنمية الاقتصادية
رفع الفائدة ومعدلات التضخم
إن قرارات الرفع السابقة لأسعار الفائدة لم تؤثر على التضخم واستمرت مستويات الأسعار في الارتفاع، لأن البنك المركزي يكيف التضخم في مصر باعتباره ظاهرة نقدية بحتة ترجع لتزايد مفرط في الطلب الكلي بفعل السيولة المفرطة في الاقتصاد المصري.
حيث أن التضخم الحالي في مصر هو أقرب للظاهرة الحقيقية التي تفسّر بعوامل تتعلق بجانب العرض وتزايد التكاليف، ومعظم هذه العوامل وافدة من الخارج،
بفعل تزايد التكلفة الاستيرادية للواردات المصرية من الخارج من سلع غذائية ومستلزمات إنتاج وسلع رأسمالية، وبفعل التراجع في قيمة الجنيه المصري، وبالتالي لا يمكن أن يؤثر رفع سعر الفائدة على هذه العوامل.
وعلى ذلك يرجى عدم الانسياق لتوجه الاحتياطي الفيدرالي والمركزي الأوروبي والبنوك المركزية في دول الخليج فنرفع أسعار الفائدة لأنهم يرفعونها، فالتضخم في معضم هذه الدول يعزي بنسبة كبيرة لفائض الطلب وليس لجوانب العرض والتكاليف كما في مصر.
كيف تستفيد الودائع من قرار رفع الفائدة وأثر ذلك على الدولار؟
ومن ناحية أخرى فإن قرار رفع أسعار الفائدة، يحمل جانبا إيجابيا بشكل نسبي على أصحاب الودائع المصرفية لدى البنوك العاملة في الأسواق،
حيث قابل ذلك قيام البنوك بطرح أوعية أدخارية ذات عائد مرتفع يصل الى 20% حيث إن قرار رفع أسعار الفائدة يعني أيضا أن المودع سيحصل على عوائد أعلى ، أى أن المودع صاحب العملة الدولارية على سبيل المثال،
سيكون أمام فرصة تعزيز ودائعه للحصول على فوائد أعلى مقابل إيداعها لدى البنوك بالعملة المصرية، بسبب قرار رفع أسعار الفائدة، حيث ان هذا القرار له تأثيره على الكثير من اصحاب العملة الخضراء ( الدولار) ،
لأنهم سيتنازلون عن مخزونهم من الدولار، لأخذ الجنيه للحصول على الشهادات بالجنيه، وعلى ذلك فأن رفع سعر الفائدة خلال هذه المرحلة يساهم في تحقيق الاستقرار النقدي داخل الجهاز المصرفي وسحب السيولة من الأسواق والتي تعد أحد اسباب ارتفاعات الأسعار.
وفي مثل هذه الحالات، تشهد العديد من الأسواق ارتفاعا متسارعا في ودائع العملاء لدى القطاعات المصرفية، للاستفادة من نسب الفوائد الصاعدة، في المقابل تتراجع وفرة السيولة داخل الأسواق.
ويعني ذلك ، أن الودائع المصرفية أصبحت من إحدى أشكال الاستثمار للأفراد والمؤسسات، من خلال وضعها داخل حسابات مصرفية،
وتقاضي فوائد عليها بشكل شهري أو ربع سنوي أو سنوي. حيث أن رفع الفائدة سيحافظ على أموال المودعين من غول التضخم الذي سجل 21.5%،
حيث يقع رفع سعر الفائدة بالايجاب علي الباحثين عن عوائد ثابته والذى يجدونه لدى شهادات الادخار المطروحة من قبل بنوك القطاع العام الكبرى بمعدل عائد يصل الى20% ،
وهذا هو المغزى من كبح جماح التضخم عبر زيادة أسعار الفائدة، من خلال تقليص حجم الكتلة النقدية داخل الأسواق، وبالتالي يتراجع الاستهلاك والاستثمار، وتعيد الأسواق برمجة القوة الشرائية بناء على السيولة المتوفرة
كما توجد هناك ايجابيات لقرار رفع سعر الفائدة وهى :-
– توفير حماية للجنيه المصري في مواجهة العملات الأجنبية الأخرى وعلى رأسها الدولار، هذه الحماية يمكن أن توفر قدر من الاستقرار لسعر الصرف ويحدد من مدى تقلبه في الفترة المقبلة، فرفع سعر الفائدة على الجنيه المصري يرفع من تكلفة الاحتفاظ بالدولار وغيره من العملات الأخرى ويزيد من الحافز نحو التوجه للجنيه المصري خصوصاً اقترنت الزيادة فى سعر الفائدة بإصدار اوعية أدخارية تتراوح عوائدها بين 18% إلى 22%، حيث قد يؤدي هذا إلى تحول الموارد الدولارية في السوق السوداء إلى الجهاز المصرفي، وربما يزيد هذا الإجراء من تحويلات المصريين بالخارج بشكل يزيد من عرض الموارد الدولارية بالجهاز المصرفي.
– الحد من ظاهرة هروب الأموال قصيرة الأجل والتدفق العكسي للأموال الساخنة بفعل رفع أسعار الفائدة في الدول الأخرى كأمريكا، فرفع سعر الفائدة سيوفر عوائد مرتفعة للاستثمار في الأوراق المالية الحكومية (سندات وأذون الخزانة) ومن ثم يزيد من الطلب عليها وتصبح التدفقات الداخلة من هذا المصدر موجبة بما يوفر موارد صرف اجنبي جديدة.
وعلى ذلك فأننا نرى أن الحكومة تحاول موازنة الأسعار في السوق لمواجهة الأزمة في الوقت الحالي، مع إتاحة تحقيق هامش ربح عادل للتجار، إلا أنه يجب مراعاة تحديات توفير العملة وارتفاع سعرها في السوق الموازية، وارتفاع تكلفة الشحن واستمرار أزمة سلاسل الإمداد منذ جائحة كورونا.
ونؤكد ونكرر بأنه حتى نستطيع حماية عملتنا المحلية (الجنيه المصرى)لابد من إعادة هيكلة الاقتصاد المصري ليصبح اقتصادا إنتاجيا ، بحيث تضاف إيرادات جديدة بالعملة الأجنبية،
ونعمل على تنمية صادراتنا وتخفيض الواردات والاتجاه نحو تنمية السياحة، مما يساعد الدولة على سداد ديونها وتحسين مستوى الدخل، وبالتالي الحفاظ ورفع قيمة عملتنا الوطنية.
بقلم/دكتور محمد الشوربجي
الخبير الاقتصادي