وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي الأخير الصادر في يوليو والذي اظهر تعرض الاقتصاد العالمي لعدة مخاطر تشير الي انكماش الناتج العالمي وحدوث حالة من التباطؤ في معدلات النمو ليصل الي 3.2% خلال العام 2022 مقارنة 6.1% بالعام الماضي وتخفيض توقعاته للنمو بنسبة 0,4 نقطة مئوية عن توقعاته في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر في إبريل 2022 نتيجة لتأثر النشاط في الصين وروسيا بشكل سلبي، وهبوط الإنفاق الاستهلاكي في أمريكا لمستويات اقل من التوقعات.
ولعل الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة والارتباكات وانقطاعات سلاسل الامدادات عالمياً والتي كان لها دور مباشر في ارتفاع معدلات التضخم عالمياً والتي دفعت البنوك المركزية توجهت لاستخدام أداة سعر الفائدة لمحاولة احتواء معدلات التضخم القياسية وعلى رأسها الفيدرالي الأمريكي في سلسلة متتالية لرفع أسعار الفائدة 0.25% في مارس متبوعا برفع اخر 0.5% في مايو ثم 0.75% في يونيو ورفع أخر في يوليو 0.75% لتصل الي 2.25% مقارنة بتضخم قدره 9.1% والذي في ظاهره يسعى لاحتواء معدلات التضخم الا ان سلسلة الرفع المتتالية التي أسعار الفائدة والمتبوعة بتحركات البنوك المركزية الغربية والخليجية برفع أسعار الفائدة ستقود العالم لمزيد من الانكماش والركود.
وعملياً بعد سلسلة الرفع لأسعار الفائدة للفيدرالي الأمريكي قبل رفع يوليو خفض صندوق النقد الدولي توقعات نمو الاقتصاد الأمريكي بمقدار 1,4 نقطة مئوية، وارتفع التضخم ليصل الي 9.1% في يونيو مقارنة 8.6% في مايو وهذا ما حدث في الاجتماعات الماضية أيضا….. ((مسلسل متكرر)) ……
وبالتالي فان اداه سعر الفائدة لم تعد الآداه الفعالة لاحتواء التضخم في ظل الظروف والأوضاع الحالية لانها ازمة في العرض العالمي وأدوات السياسة النقدية لن تتمكن بشكل كبير في احتوائها، وهذا ما اكدت عليه لجنة السياسات النقدية للبنك المركزي المصري في اجتماعها الماضي في يونيو بعد تثبيتها لأسعار الفائدة على مستواها الحالي لأسعار الفائدة.
وارى ان أدوات السياسة المالية سيكون لها دور في الفترة الحالية لاحتواء معدل التضخم من خلال الإعفاءات الضريبية وتأجيل المستحقات الضريبية واحتواء زيادة أسعار الطاقة كالبترول والكهرباء والدعم النقدي للسلع الأساسية والغذائية والتي ستثقل من الأعباء على الموازنات العامة حيث أصبح السيطرة على التضخم من اهم الأولويات في الوضع الحالي بالإضافة الي لحماية الفئات والاسر الضعيفة والاشد احتياجاً بالإضافة الي احتواء معدلات تزايد الديون وضمان سلامة تدفق الغذاء والطاقة.
وفيما يخص اجتماع لجنة السياسات النقدية للبنك المركزي المصري في أغسطس المقبل فالمركزي المصري يتبع استراتيجية الانتظار والدراسة للمتغيرات السوقية لاتخاذ القرار الملائم، ومع احتواء الدولة المصرية لأسعار البترول حيث يبلغ متوسط سعر لتر البنزين عالمياً 1.41 دولار امريكي وفي مصر 0.567 دولار امريكي وبالتالي فنحن في مصر اقل من متوسط السعر العالمي بعد اخر زيادة لاسعار البنزين ، حيث اثرت هذه الزيادة في ارتفاع أسعار العديد من السلع وزيادة تعريفة النقل والمواصلات والتي نرى انها سيكون لها اثر في معدلات التضخم بعن ان حققت انخفاضاً لتصل الي 13.2% مقارنة 13.5% فضلاً عن توجه الدولة لتحقيق معدل نمو يتجاوز 6% مقارنة بتوقعات صندوق النقد الدولي 5.9%، وبالتالي فمن المنتظر قراءة ارقام التضخم في اول أغسطس لتحديد توجه مؤشرات التضخم في يوليو، وقراءة الأرقام المبدئية لمعدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي للعام المالي 2021/2022 ومعدلات البطالة، وقياس اثر رفع الفائدة من الفيدرالي الأمريكي على الأسواق محلياً وعالمياً ، والتي ستكون لها اثر في اتخاذ قرار لجنة السياسات النقدية سواء بالرفع بنسبة 1% (والذي يعد الاقرب) للحفاظ على الاستثمارات الاجنبية المتبقية من الأموال الساخنة والتي خرج اغلبها (90% منها)، وللمساهمة في تحقيق معدل عائد حقيقي في حالة ارتفاع قراءة التضخم في يوليو، على الرغم من سلبيات رفع أسعار الفائدة وابرزها زيادة حجم الأعباء التمويلية على الموازنة العامة للدولة، وزيادة التكاليف التمويلية على المصنعين والمتعاملين (المقترضين) من القطاع المصرفي وغير المصرفي والتي قد تعوق التوجهات الحالية بزيادة معدلات النمو والتي قد تكون من ابرز المبررات نحو الإبقاء على معدلات الفائدة الحالية (والذي سيكون الأفضل)، وايضاً لما أشار اليه المركزي المصري في اجتماعه الماضي لكون الازمة في العرض. الا ان سيناريوهين الرفع والتثبيت قائمين لحين المزيد من دراسة الأوضاع الداخلية والمحلية خلال الأيام القليلة الماضية.
بقلم/دكتور أحمد شوقي
عضو الهيئة الاستشارية لمركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية
عضو هيئة تدريس بالجامعة الإسلامية بولاية مينيسوتا