اتسمت الفترة السابقة لعام 2014 بكثرة التحديات التي أنهكت مؤسسات الدولة وتسببت في حدوث شلل تام لكافة مفاصل الاقتصاد المحلي، على خلفية ارتفاع فاتورة دعم الطاقة، وأزمة شح العملات الأجنبية نتيجة استنزاف الاحتياطي النقدي الذي سجل 14.9 مليار دولار في يونيو 2013، فضلًا عن زيادة معدلات التضخم وارتفاع معدل البطالة إلى 13.2% خلال عام 2013، واستمرار عجز ميزان المدفوعات نتيجة تراجع حصيلة الصادرات المصرية التي فقدت جزءًا من قدراتها التنافسية، مقابل ارتفاع قيمة الواردات، بالإضافة إلى تدني مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد، وتراجع حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 4.2 مليارات دولار خلال العام المالي 2013/2014. وقد ساهمت كل العوامل سالفة الذكر في تراجع معدل النمو الاقتصادي إلى 2.9% فقط.
وبناء على ذلك، استندت رؤية الدولة المصرية في عملية الإصلاح الاقتصادي الشامل القائم على التخطيط الفعال لمسار التنمية في البلاد، من خلال إعادة هيكلة الاقتصاد المصري عبر تحوله من اقتصاد يعتمد على الموارد إلى اقتصاد قائم على التكنولوجيا والابتكار والمعرفة، بجانب بناء هيكل صناعي ذي قیمة مضافة مع صناعة متنوعة ومتوازنة. وعليه فقد استهدف برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل بالأساس تطوير وتحسين السياسات النقدية والمالية، بالإضافة إلى تبنّي سياسات تحفيزية تساهم في جذب المزيد من الاستثمارات، مرتكزة على قوانين وتشريعات متوافقة مع تطلعات الدولة المصرية الرامية لزيادة معدلات النمو الاقتصادي، كما لم تغفل الدولة العمل للارتقاء بجودة حياة المواطن المصري وتحسين مستوى معيشته في مختلف نواحي الحياة، مؤكدة على ترسيخ مبادئ العدالة والاندماج الاجتماعي ومشاركة كافة المواطنين في الحياة السياسية والاجتماعية.
ولهذا، ضخت الدولة المزيد من الاستثمارات الهادفة لتعزيز الحماية الاجتماعية بمنظورها الشامل، وتحسين البنية التحتية، ورفع كفاءة المؤسسات وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين،
وبطبيعة الحال، أثمرت السياسات الاقتصادية سالفة الذكر عن نتائج إيجابية على كافة الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية، تجلت في ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي إلى 6.6% خلال العام المالي 2021/2022، وانخفاض معدل البطالة إلى 7% خلال الربع الثاني من عام 2023، إلى جانب زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 10 مليارات دولار خلال 2022/2023، وارتفاع الاحتياطي النقدي إلى 46.9 مليار دولار فى نهاية أكتوبر 2024
وقد قامت الدولة بتنفيذ العديد من إجراءات الضبط المالي التي تستهدف في الأساس السيطرة على كل من العجز الكلي والدين العام اللذين تفاقما في أحداث 2011؛ حيث بلغ العجز الكلي نسبة 13% و12.2% من الناتج المحلي الإجمالي في عامي 2012/2013 و2013/2014 على التوالي، بالرغم من تضمن عام 2013/2014 ما يقرب من 95 مليار جنيه من الإيرادات والمنح.
وقد طبقت الدولة برنامجًا متكاملًا لإصلاح السياسات المالية لمعالجة مشكلة تسرب الدعم داخل الموازنة العامة للدولة لغير المستحقين، وتعظيم الإيرادات من الناحية الأخرى من خلال تطبيق ضريبة القيمة المضافة التي ترتبط بالاستهلاك، وعليه يساهم الأعلى دخلًا والأكثر استهلاكًا في سداد الجزء الأكبر من هذه الضريبة بالاضافة الى حوكمة منظومة الدعم وتحويل الدعم العينى الى الدعم النقدى ضمانا لتوصيل الدعم للفئة المقصودة به .
كما رفعت الدولة الإنفاق على الأجور من 178.6 مليار جنيه في موازنة 2013/2014 إلى 470 مليار جنيه في 2023/2024 بنسبة زيادة تصل إلى 163%، وكذلك الحد الأدنى للأجور من 1200 جنيه إلى 4000 جنيه في 2023 بزيادة قدرها %.233
علاوةً على ذلك، تم إطلاق عدة مبادرات للسداد الفوري لمستحقات دعم المصدرين، وتم زيادة الإنفاق على دعم تنشيط الصادرات من 3.1 مليار جنيه في العام المالي 2013/2014 إلى 28.2 مليار جنيه خلال العام المالي الجاري 2023/2024.
كما أنه تم إجراء العديد من الإصلاحات التشريعية على مدار السنوات الماضية، حيث صدر 21 قرارًا جمهوريًا و16 قانونًا جديدًا في المجال الضريبي، وتم تعديل 40 تشريعًا قائمًا بهدف تحفيز النشاط الاقتصادي، ومنح مزايا ضريبية للمستثمرين وحوافز للمشروعات العاملة في قطاعات اقتصادية ذات أولوية للتنمية الاقتصادية، والحد من القضايا الضريبية المنظورة أمام المحاكم، وتعزيز موارد الخزانة العامة لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية مختلفة، إلى جانب تخفيف الأعباء الضريبية عن كاهل المواطنين.
وتستهدف الرؤية المستقبلية لوزارة المالية استكمال تكامل الأنظمة والتطبيقات الجمركية، وإدخال الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات الكبيرة، وإعداد التقارير الذكية.
هذا ويواجه الاقتصاد العالمي أزمات حادة متلاحقة ومتداخلة تتمثل في جائحة كورونا، والحرب الروسية-الأوكرانية، والتغيرات المناخية التي أسهمت في حدوث اضطرابات في سلاسل التوريد، وارتفاع في أسعار الشحن، ونقص في السلع، وارتفاع التضخم، مما أدى إلى انخفاض في نمو الاقتصاد العالمي وانخفاض في التجارة العالمية ولهذا تم تحديث الرؤية المصرية المستقبلية وفقًا للتحديات الدولية والإقليمية وتداعياتها، لتركز على زيادة مرونة الاقتصاد المصري، ورفع قدرة الاقتصاد على امتصاص الصدمات الخارجية والداخلية، وتحويل مسار الاقتصاد المصري إلى اقتصاد إنتاجي يتنافس مع باقي الاقتصادات العالمية فضلا عن الاشتراك فى التكتلات الاقتصادية العالمية المختلفة مثل الاشتراك فى مجموعة البريكس والمشاركة فى مؤتمر قمة مجموعة العشرين . .
ومن المستهدف أن يُحقق الاقتصاد المصري نموًا مستدامًا يتراوح بين 7% إلى 8% سنويًا، عن طريق زيادة نصيب قطاعات الزراعة والصناعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من 25% إلى 35% بحلول عام 2027، مع العمل على التكيف مع إعادة هيكلة سوق العمل العالمي، والتوجه لتحفيز القطاع الخاص، وزيادة نصيب الصادرات الصناعية ذات المكون التكنولوجي المتوسط من إجمالي الصادرات الصناعية بمعدل لا يقل عن 10% سنويًا، وزيادة نصيب المشروعات الصغيرة والمتوسطة من 10% إلى 20% من إجمالي الصادرات بحلول عام 2027 وبالاضافة الى ذلك تستهدف الدولة المصرية تسريع وتيرة الرقمنة وتنمية القدرة التصديرية لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لتصبح الصادرات الرقمية تبلغ 9 مليارات دولار بحلول عام 2026.
هذا وقد تعددت التحديات التي واجهت الاقتصاد المصري قبل عام 2014 مما أنهك جميع قطاعاته، وهو ما دفع الحكومة المصرية إلى اتباع عملية الإصلاح الاقتصادي الشامل القائم على التخطيط الفعال لمسار التنمية في البلاد، من خلال إعادة هيكلة الاقتصاد المصري عبر تحوّله من اقتصاد يعتمد على الموارد إلى اقتصاد قائم على التكنولوجيا والابتكار والمعرفة، وتنمية البنية التحتية، مع الاخذ فى الاعتبارالبعد الإنساني على مدار السنوات الماضية حتى يتم الارتقاء بمستوى المواطن المصرى .
بقلم / دكتور محمد الشوربجي
الخبير الاقتصادي