انقضى الشتاء أو كاد ولم يحدث تغيير جوهرى أو استراتيجى فى ساحة الحرب على الأراضى الأوكرانية خلافاً لتوقعات كل المحللين السياسيين والاستراتيجيين.
قيل إن شهور الشتاء هى التى ستحسم الحرب بين روسيا وأوكرانيا ميدانيا وان ما أطلقوا عليه وصف »الجنرال شتاء« هو ما تنتظره روسيا لإنهاء الصراع لصالحها نظراً لتاريخ هذا الجنرال فى حسم معاركها الحربية السابقة فى القرن الماضى.
وتوقع الكثيرون ان أزمة الطاقة ونقص الوقود وغياب التدفئة وترشيد استهلاك الكهرباء والغاز سوف يكون لها تأثير سلبى على أوكرانيا بالدرجة الأولى وقدرتها على التقدم الميدانى أو على القتال أصلاً،
بينما سيكون لها تأثير سلبى متفاوت على المعسكر الأوروبى ودوله التى تقف وراءها وتتضامن معها وتقدم لها كل ما تطلبه – إلا قليلاً – من المساعدات العسكرية والمالية.
ويبدو أن هذه التوقعات تعرضت للتضخيم وأن من روجوها لم يضعوا فى حسبانهم المساعى الأوروبية الحثيثة والتى ساهمت أمريكا فى مساعدة الأوروبيين خلالها فى تعويض ما تعرضت له القارة من أزمات ولو بصورة نسبية،
فلم تظهر تلك التأثيرات السلبية بالشكل التى تم الترويج له ومرت فترة الشتاء حتى الآن على الأقل وأوروبا تعيش حياة شبه طبيعية.
بل ان التغيرات المناخية جاءت بصورة معاكسة لصالح الأوروبيين حين منحتهم خلال الاسبوعين الماضيين موجة حرارة غير مسبوقة فى مثل هذا الوقت من السنة تمتعوا خلالها بتدفئة طبيعية وهى الموجة التى طالنا بعض منها فى مصر حيث ارتفعت درجة الحرارة هذا الاسبوع إلى الثلاثين درجة نهارا.
ولأن الرهان على »الجنرال شتاء« لم يكن صائباً فقد انتقل أو نقله المحللون إلى رهان على »الربيع« وبدأ الترويج لاستعداد الطرفين المباشرين فى الحرب: روسيا وأوكرانيا
لما أسموه »صدام الربيع« وانه سيكون صاحب الكلمة فى حسم الحرب مستشهدين بـ »القصف الإعلامى التصعيدى« بين الطرفين
وما قد يؤكده من حشد كل منهما لقدرات قتالية جديدة فى الميدان سواء القدرات البشرية أو التسليحية وتدفق الأسلحة الغربية الأكثر تطورا ودقة على أوكرانيا.
ومع هوجة الحديث عن »صدام الربيع« بدأت على الساحة السياسية العالمية محاولات لفتح نافذة للسلام فظهرت المبادرة الصينية لنزع فتيل الحرب وتسوية النزاع على أساس من مبادئ القانون الدولى ونصوص ميثاق الأمم المتحدة
وهى المبادرة الوحيدة التى يجرى تداولها علناً وتدور حولها تحركات واضحة بين مختلف العواصم.. بكين – كييف – واشنطن – باريس – لندن – برلين.. وموسكو بالطبع.
وأياً كانت نتيجة هذه التحركات خاصة فى ظل تحفظ أمريكا على إمكانية أن تكون الصين »وسيطا مقبولا« فى هذا النزاع وهى التى لم تصدر على مدى عام كامل إدانة واحدة لروسيا، فإن »الوسيط الأكثر قبولا« – فى رأىى – هو مصر.. وهذه هى الأسباب:
مصر تتمتع بعلاقات قوية ومتوازنة مع جميع الأطراف المباشرين وغير المباشرين فى هذا النزاع.. روسيا – أوكرانيا – أمريكا – الاتحاد الأوروبى بجميع دوله ولها من كل هذه الأطراف كل التقدير والاحترام.
مصر – كأحد الدلائل على تلك النقطة هى التى اختارتها أمريكا لنقل رسالة إلى روسيا خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكى للقاهرة أوائل الشهر الماضى والتى على اثرها طار وزير خارجيتنا إلى موسكو حاملا هذه الرسالة التى كانت تتعلق بالأزمة.
مصر هى التى انتهز رئيسها انعقاد القمة العالمية للتغيرات المناخية على أرض شرم الشيخ ليطرح مبادرة باسم جميع قادة الدول المشاركة فى القمة تتضمن نداء بوقف هذه الحرب واستعداد مصر للمساهمة فى أى جهد دولى يسعى لذلك.
مصر صوتت بالموافقة على جميع القرارات الدولية التى صدرت خلال العام الأول من الحرب سواء من الأمم المتحدة أو غيرها من المنظمات الدولية وتضمنت معارضة اللجوء للحل العسكرى وتأكيد سيادة الدول ووحدة أراضيها وهو ما لقى ويلقى ترحيباً وإشادة من القيادة الأوكرانية فهذا ما تطالب به.
مصر على الجانب الآخر تعترف بحق أى دولة فى ضمانات لحماية أمنها القومى من أى تهديد مباشر أو غير مباشر يتعرض له وهو ما يصب فى مصلحة الطرف الروسى خاصة ان لمصر تجربة عملية فى هذا المجال
حين تعرض أمننا القومى لتهديدات على جبهتنا الغربية من جماعات الارهاب والميليشيات والمقاتلين الأجانب الذين تم نقلهم من سوريا إلى الأراضى الليبية
وكان رد مصر على هذا التهديد قويا وحاسما ببناء أكبر قاعدة عسكرية فى الشرق الأوسط على الساحل الشمالى الغربى وهى »قاعدة محمد نجيب« وتحديد خط أحمر على أراضى غرب ليبيا حذرت من ان تجاوزه سيقابل برد عسكرى مصرى.
هذه بعض »مسوغات« الوساطة المصرية التى تجرى الآن فى هدوء وتحت السطح قبل أن تتبلور فى صورة »وثيقة« معلنة لمبادرة سلام توقف نزيف الدم وتداعياته على كل شعوب العالم.
من أجندة الأسبوع
- من أكثر لقاءات الدكتورة »درية شرف الدين« التى تجريها فى برنامجها »بيت العرب« امتاعاً ورُقياً لقاؤها فى حلقة الخميس الماضى مع زميلتنا الناقدة الفنية الكبيرة والقديرة »خيرية البشلاوى«.. حوارا أشبه بسجال بين قمتين فى مجالهما أخرجت فيه كل منهما مخزونها الموسوعى فى مجال السينما ماضيا وحاضرا ومستقبلها كصناعة وفن وقوة ناعمة من قوى وأدوات التأثير والنفوذ فى المحيطين الإقليمى والعالمى.
تحية لـ »درية« زميلة دراسة العلوم السياسية.. وتحية لـ »خيرية« زميلة »الجمهورية« التى قدمت فى هذه الحلقة وكعادتها أرقى نموذج فى الفكر والتحليل الموضوعى الهادئ والراقى لكل مشاكل السينما المصرية وما يرتبط بها أو ترتبط به فى المجتمع. - »صباح الخير يا مصر« برنامج تليفزيونى يومى عريق ومشرق دائماً ويقدم فقرات متنوعة.. ولذلك يحتاج إلى تنويه عنه غير هذا التنويه الذى يظهر على شاشة القناة الأولى يومياً ولا يتضمن إلا صور مقدمى ومقدمات البرنامج وهم فى غرف الماكياج أو الملابس استعدادا للظهور وهو أمر لا يهم المشاهد.
- مطلوب تنويه »موضوعى« يتناسب مع ما يقدمه البرنامج من جولات مع صحف الصباح ومع أخبار وأحداث الأمس واليوم والغد.
- »الإعلام والسياسة«.. »الأزمة الأوكرانية والإعلام« مقالان للدكتور ياسر عبدالعزيز فى صحيفة »المصرى اليوم« يحتاجان إلى قراءة أكثر من مرة لما تحتويان عليه من دروس ورسائل.
بقلم/الأستاذ محمد أبو الحديد
الكاتب الصحفي القدير