اتساقاً مع استراتيجية توطين الصناعات التي تضعها الحكومة المصرية في أولوياتها الداعمة لبيئة الأعمال المصرية في سبيل تحقيق تكامل اقتصادي مشترك واكثر فاعلية بين مصر وكثير من بلدان العالم تم التركيز في الفترة الأخيرة على الملف الصناعي في محاولة لضمان حُسن مشاركة القطاع الخاص، وتعميق التصنيع المحلي، وزيادة فرص أمام الشباب في الأسواق المحلية.
شهد عام 2022 أعلان صندوق السعودية السيادي عن تأسيس شركة متخصصة للاستثمار في مصر، مما يعكس حرص المملكة للاستثمار فيما يظهر بمصر من فرص استثمارية بمختلف المجالات الواعدة، هذا ونود التأكيد على أن هذه الشركة تعتبر خطوة بالغة الأهمية بما توفره للمجتمع المصري من ايجابيات كزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وخفض حجم الواردات، ودعم الصادرات المصرية، وتعظيم استثمارات المملكة العربية السعودية في مصر، خاصة في ظل خطة الحكومة المصرية للشراكة مع القطاع الخاص، وتواصل الشركة العربية للتجارة والتصنيع وخدمات النقل مع شركة كينج لونج الصينية لتنفيذ استثمارات بلغت قيمتها مليار جنيه مصري لتدشين مصنع للحافلات والمركبات في مصر، على مساحة تصل لنحو 164 ألف متر مربع. ونود التأكيد على أن هذا المصنع جاء بعد مفاوضات بين الجانبين السعودي والصيني فهو استثمار سعودي صيني، ومن المقرر أن تصل نسبة المكون المحلي للمنتج النهائي لنحو 60%، وحجم عمالة يزيد عن 12 ألف عامل، مما سيكون له مردود ايجابي في انخفاض حدة معدلات البطالة في مصر.
ايجابيات هذا المشروع (تقليل الواردات)، حيث أنه ووفقاً لبيانات الخطة الاقتصادية، تستهدف مصر تنمية الصادرات السلعية غير البترولية، وترشيد عمليات الاستيراد، من خلال إقامة مشروعات صناعية للتصنيع المحلي بديلا للمستورد، ومعالجة الفجوة بين الصادرات والواردات، فمن المتوقع تراجع حجم الواردات المصرية من السيارات والحافلات، حيث من المقرر أن يصل حجم انتاج مصنع الحافلات والمركبات المختلفة في مصر نحو 500 حافلة في عامه الأول، وهذا بدوره سيكون له تأثير ايجابي على حالة الميزان التجاري المصري إما من خلال تراجع حجم واردات البلاد من السيارات وقطع الغيار والاكسسوارات، أو عن طريق زيادة حجم الصادرات المصرية من هذه المنتجات الهامة.
هذا وتعتبر مثل هذه المشروعات أكبر دليل على تحسُن بيئة الأعمال في مصر، فالحكومة المصرية كغيرها من البلدان تضع حجم الاستثمارات الأجنبية نصب أعينها، لذلك وجود هذه المشروعات يعتبر شهادة على توافر فرص أستثمارية داعمة لتدفق الاستثمار الأجنبي المباشر في مصـر، حيث أن ارتفاع حجم الإستثمارالأجنبي المباشر في مصر خلال العام المالي الماضي بنحو 71.4% مقارنة بالعام المالي السابق ليصل لنحو 8.9 مليار دولار، وهذه الزيادة تعتبر هي الأعلى منذ عشر سنوات.
ونود التأكيد على أن هذه الطفرة في حجم الاستثمارات الأجنبية إنما يمكن إرجاعها لتدفق صافي الاستثمار الأجنبي في قطاعات غير بترولية، مما يؤكد صمود الاقتصاد المصري أمام مختلف التحديات محلية كانت أو إقليمية أو عالمية، وهذا بدوره يتطلب ضرورة الدفع بمزيد من برامج دعم بيئة الأعمال المحلية لإنتاج مزيد من السلع، ومن ثم تخفيض العجز في الميزان التجاري تدريجياً حتى يتحول إلى فائض.
هذا كما نود التأكيد على أنه بالرغم من الأداء الفعال لبرامج دعم سياسات التنيمة الاقتصادية في بيئة أعمالنا المحلية، إلا أننا مازالنا في أشد الإحتياج لمزيد من العمل الجاد لضمان استمرار تهيئة مناخ استثماري جاذب في مصر، وإتاحة فرص استثمارية متنوعة أمام صناديق الاستثمار عامة والخليجية خاصة لضخ مزيد من الاستثمارات، وإقامة الكثير من المشروعات الجديدة.
بقلم / دكتور ناصر عبد المهيمن
الخبير الاقتصادي