جائحة كورونا.. أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً سلَّط من خلاله الضوء على حالة ووضع سوق العمل العالمية في الوقت الراهن، وما يصاحبها من أزمات أو تغيرات جوهرية، واتجاهات وآفاق التشغيل على المستوى المحلي، وأبرز الجهود الحكومية في هذا المجال، وصولًا إلى استعراض أبرز الوظائف المستقبلية.
جائحة كورونا
وأوضح المركز أن التحولات التكنولوجية المتسارعة التي يشهدها العالم انعكست على التشغيل؛ حيث أدى التقدم التكنولوجي والعملي إلى إعادة تشكيل أسواق العمل على المستوى العالمي بأسره؛ ما يثير التساؤلات حول اتجاهات التشغيل ووظائف المستقبل، خاصة أن تزايد الاعتماد على التكنولوجيا والتقنيات الجديدة يؤدي إلى تغيرات هيكلية في سوق العمل، عبر إزاحة وظائف وإيجاد وظائف جديدة، وتشترك جميع وظائف المستقبل في شيء رئيسي، وهي أنها متأثرة بالطفرة التكنولوجية المستمرة التي نشهدها، إذ ستقوم هذه الطفرة التكنولوجية بإعادة تهيئة كل أسواق العمل على هذا الكوكب، وهو ما يطرح تساؤلًا مهمًّا حول أكثر وظائف المستقبل طلبًا في سوق العمل.
وأشار المركز إلى أن الأزمات التي شهدها العالم خلال السنوات القليلة الماضية ألقت بظلالها على سوق العمل العالمية من حيث مستويات التوظيف ومعدلات البطالة، وكذلك أيضًا اتجاهات العمل وأنماطه ومستقبله، فقد أشارت منظمة العمل الدولية في تقريرها عن اتجاهات التشغيل والآفاق الاجتماعية لعام 2023 والذي صدر في يناير 2023، إلى تدهور الآفاق العالمية لأسواق العمل بشكل كبير خلال عام 2022؛ وذلك نتيجة للتوترات الجيوسياسية الناشئة، والأزمة الروسية الأوكرانية، والانتعاش غير المتكافئ من جائحة فيروس كورونا، والاختناقات المستمرة في سلاسل التوريد، وتلك العوامل مجتمعة هيَّأت الظروف لحدوث ركود تضخمي (تضخم مرتفع ونمو منخفض في الوقت نفسه)، وذلك للمرة الأولى منذ السبعينيات.
وكان لجائحة فيروس كورونا تداعيات سلبية كبيرة على سوق العمل العالمية؛ حيث دفعت الجائحة 81 مليون شخص لترك العمل في جميع أنحاء العالم خلال عام 2020، كما أدت أيضًا إلى تراجع متوسط ساعات العمل للعاملين بأجر بنحو 8.8% في عام 2020 مقارنة بالربع الرابع من عام 2019، أي ما يعادل 255 مليون وظيفة بدوام كامل، وهذا المعدل يُعدّ أعلى بمقدار أربعة أمثال ما كان عليه الوضع خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2009.
بالإضافة إلى ذلك، فقد ارتفع معدل البطالة العالمي عام 2020 ليصل إلى 6.5%، مرتفعًا بنحو 1.1 نقطة مئوية مقارنة بعام 2019، وسجَّلت أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وأوروبا وأمريكا الشمالية زيادات في معدل البطالة بما لا يقل عن نقطتين مئويتين. وعليه فقد كان للجائحة تأثير كبير على سوق العمل العالمية؛ حيث أدت إلى تغيرات في اتجاهات وأنماط العمل.
وبحسب مسح أجرته شركة جارتنر المختصة بإجراء الدراسات والاستطلاعات لمساعدة أصحاب الأعمال حول العالم لإيجاد أفضل البدائل والحلول، فقد وجد أن 48% من الموظفين يرغبون في العمل من المنزل على الأقل جزءًا من الوقت بعد انتهاء الجائحة، مقارنة بنحو 30% قبل حدوث الجائحة، وتنوي 32% من المنظمات الدولية تغيير العمل بدوام كامل إلى عمل مؤقت أو لمهمة محددة؛ توفيرًا للنفقات، ويعتمد 16% من المديرين وأصحاب العمل بشكل أكبر على الوسائل التكنولوجية في متابعة الموظفين، ووفقًا لمسح أجرته منظمة العمل الدولية شمل 118 دولة تمثل 86% من إجمالي القوى العاملة في العالم، فإن 7.9% من القوى العاملة في العالم تعمل من المنزل بشكل دائم.
ولم يلبث العالم أن يتعافى من الجائحة حتى جاءت الأزمة الروسية الأوكرانية التي اندلعت في فبراير 2022 وما زالت مستمرة ولا توجد نهاية لها حتى الآن تلوح في الأفق، وكان لتلك الأزمة هي الأخرى تداعياتها على سوق العمل العالمية؛ حيث بلغت فجوة التوظيف عام 2022 نحو 473 مليونًا بزيادة مقدارها 33 مليونًا عن مستوى عام 2019، مع وصول عدد العاطلين عن العمل في العالم إلى 205 ملايين (معدل بطالة عالمي يبلغ 5.8%)، وهو ما جعل البطالة العالمية أعلى بمقدار 16 مليون عاطل، مقارنة بمستويات عام 2019، وقد كانت هذه الفجوة واضحة بشدة في البلدان منخفضة الدخل، وبين الإناث مقارنة بالذكور.
أما على صعيد اتجاهات التشغيل، فهناك تسعة اتجاهات سوف تسود خلال عام 2023 بحسب شركة جارتنر وهي:
– تزايُد التوجهات نحو تبني نظام العمل الهجين (المكتبي – عن بُعد).
– تزايُد الضغوط على المديرين بسبب الضغوط المزدوجة للعمل عن بُعد وتطور احتياجات الموظفين.
– تزايُد أعداد الأشخاص الذين يتقدمون لوظائف خارج مجال خبرتهم.
– تزايُد اهتمام المؤسسات بتحقيق المساواة والتنوع والشمول في أماكن العمل.
– المخاوف المرتبطة بخصوصية البيانات في ظل التوسع في استخدام التكنولوجيا.
– استخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في عمليات التوظيف يواجه تحديات تنظيمية.
– إيجاد طرق جديدة عبر التوظيف الهادئ لاقتناص المواهب المطلوبة.
– تآكل المهارات الاجتماعية لدى الجيل (Z) كشف الفجوة في المهارات بين الأجيال.
– تزايُد الاهتمام بالصحة النفسية للعاملين.
وبالنظر إلى التوقعات خلال عامي 2023 و2024، فمن المتوقع أن يستمر عدد المشتغلين على مستوى العالم في التزايُد، بعد الانخفاض الحاد في عام 2020 نتيجة الجائحة، ومع ذلك فإن نسبة المشتغلين إلى إجمالي عدد السكان سوف تظل حتى عام 2024 أقل من مستويات ما قبل الجائحة والبالغة 56.9%، وبالحديث أيضًا عن متوسط إنتاجية العامل خلال عامي 2023 و2024، فإنه رغم زيادة متوسط عدد ساعات العمل الأسبوعية للعاملين بأجر ليصل إلى 41.4 ساعة عام 2022، فإنه أقل من مستوى ما قبل الجائحة البالغ 42 ساعة، وسوف يظل أيضًا دون هذا المستوى في عامي 2023 و2024.
وتطرق المركز في تحليله إلى آفاق سوق العمل في مصر، حيث أشار إلى أن التحسينات في البنية التحتية التعليمية وفي التشريعات سوف تؤدي إلى زيادة مهارات القوى العاملة على المدى الطويل، كما تتمتع مصر بمستويات تعليم متقدمة مقارنة بدول منطقة شمال إفريقيا، مع أعداد كبيرة من الحاصلين على مؤهلات عليا من غير الأكاديميين، فضلًا عن ذلك يسمح التحضر المتزايد تدريجيًّا بحركة كبرى للعمالة.
وبتحليل مؤشرات سوق العمل المحلية، فإنه بالرغم من تداعيات الجائحة، فإن معدل البطالة في مصر استمر في الانخفاض ليصل إلى 7.4% عام 2021 مقارنة بـ 13.0% عام 2014، كما استمر عدد المشتغلين في الارتفاع ليصل إلى 27 مليونًا و200 ألف مشتغل عام 2021، مقارنة بـ 24 مليونًا و300 ألف مشتغل عام 2014، كما بلغ معدل البطالة لدى الإناث 16% في عام 2021 مقارنة بـ 23.6% عام 2016؛ مما يعكس حرص الدولة المصرية على تعزيز مشاركة المرأة في القوى العاملة.
واستعرض المركز في تحليله أبرز الجهود الحكومية في مجال التشغيل، حيث أكدت المادة 21 من الدستور المصري أن الدولة تلتزم بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم الجامعي لا تقل عن 2% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيًّا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، فقد شهد حجم الإنفاق العام على التعليم خلال السنوات الخمس الماضية قفزة؛ ليرتفع من 109.2 مليارات جنيه في العام المالي 2017/ 2018 ليصل إلى 192.7 مليار جنيه في موازنة العام المالي 2022/ 2023.
كما شهد عدد الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية في مصر قفزة هائلة من 43 جامعة في العام الدراسي 2013/ 2014 إلى 68 جامعة في العام الدراسي 2021/ 2022، وفي إطار مواكبة احتياجات سوق العمل، فقد تم التوسع في إنشاء كليات الذكاء الاصطناعي لتصل إلى 10 كليات خلال العام الدراسي 2022/ 2023 بالإضافة إلى 29 مدرسة تكنولوجية، و8 مجمعات تكنولوجية تم إنشاؤها بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في إطار استراتيجية الدولة لتوطين ونشر ثقافة الإبداع والابتكار على مستوى الجمهورية.
علاوة على ما سبق، فإن الدولة المصرية بصدد الإعلان قريبًا عن الاستراتيجية الوطنية للتشغيل، وتستهدف:
– خلق فرص عمل جديدة للشباب وزيادة معدلات تشغيل النساء.
– مواكبة المتغيرات المتلاحقة في سوق العمل ومتطلبات وظائف المستقبل.
– خفض معدلات البطالة.
– دعم التدريب والتأهيل لسوق العمل، وقد بذلت الدولة جهودًا كبيرة في هذا الصدد، ولعل أبرزها إنشاء الأكاديمية الوطنية للتدريب، وإطلاق البرنامج الرئاسي للتنفيذيين والبرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة.
– تعزيز ثقافة العمل الحر والاستثمار في التشغيل
– دعم الأشخاص ذوي الإعاقة، والذي يُعَدُّ على رأس أولويات واهتمام القيادة السياسية.
وإلى جانب الاستراتيجية الوطنية للتشغيل، فإن الدولة بصدد إصدار قانون العمل الجديد، والذي يأتي في إطار رغبتها في:
– مواكبة التطور والحداثة في ميدان العمل والالتزام بمعايير العمل الدولية والاتفاقيات التي صدَّقت مصر عليها.
– استكمال البنيان الدستوري والقانوني لعلاقات العمل.
– ربط الأجر بالإنتاج لطمأنة المستثمر الوطني والأجنبي وتعظيم دور آليات التشاور، والتفاوض والحوار بين طرفي علاقة العمل.
– خلق مناخ جاذب للاستثمار.
– إرساء مبـدأ العدالـة الاجتماعية.
– تحقيق الرضـا والـتـوازن المتبادل بين طرفي علاقة العمل، وسرعة الفصل في النزاعات العمالية على نحو يحقق العدالة الناجزة.
وبغية استشراف مستقبل العمل؛ فقد تم إطلاق منصة “التوقع المهني المصري” في مارس 2023، وهي منصة لتعزيز النقاش والحوار المجتمعي حول التطورات والتنبؤات المبنية على الأدلة لمستقبل العمل في مصر، وسوف توفر المنصة معلومات بشأن 145 مهنة وتوقعات التشغيل بها حتى عام 2030.
واستعرض مركز المعلومات ودعم القرار في تحليله الاتجاهات والوظائف المستقبلية لسوق العمل، مشيراً أنه في ظل التغيرات المتلاحقة والسريعة التي يشهدها العالم، فإن هناك تغيرات جذرية سوف تطال سوق العمل العالمية على المدى المتوسط والطويل، وفي هذا الصدد فقد أشارت منظمة العمل الدولية إلى أن 269 مليون فرصة عمل يمكن أن تتم إضافتها عالميًّا إذا تمت مضاعفة حجم الاستثمار في قطاعات التعليم والصحة والعمل الاجتماعي بحلول عام 2030.
وبحسب التقديرات فإن مليار شاب سيدخلون سوق العمل حول العالم خلال الفترة (2015 – 2025)، نحو 40% منهم فقط سوف يجدون وظائف مناسبة، وهو الأمر الذي يسلط الضوء على ضرورة مواكبة متطلبات الوظائف الجديدة والتي تتركز في: توافر مهارات تواصل عالية، وامتلاك مهارات تقنية، والقدرة على الإبداع والابتكار، وتأتي هذه المتطلبات الثلاثة في ظل احتياجات الوظائف الجديدة؛ حيث من المتوقع ظهور 97 مليون وظيفة جديدة واختفاء 85 مليون وظيفة بحلول عام 2025.
كذلك سوف تبرز الوظائف الخضراء؛ حيث تتوقع منظمة العمل الدولية توافر 60 مليون فرصة عمل إضافية على امتداد الخمس عشرة سنة القادمة جرّاء التوجّه نحو اقتصاد أخضر. وفي ظل التوجه نحو الميكنة في العمل، فإن العالم سوف يشهد توسعًا كبيرًا في استخدام الروبوتات.
علاوة على ذلك، بات هناك الآن ما يُعرَف باسم اقتصاد العربة – وهو الاقتصاد الذي يستند إلى منصات رقمية تربط بين الموظفين والعملاء لتقديم خدمات أو مشاركة أصول-؛ حيث توفّر الابتكارات التكنولوجية فرصًا جديدة للعمل عن بُعد وعبر الإنترنت.