موضوع خطبة الجمعة 26 يناير 2024.. حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم 14 رجب 1445 هـ، الموافق 26 يناير 2024، التي جاءت تحت عنوان “الدفاعُ عن الأوطانِ بينَ الواجبِ العينِي والكفائِي وعِظَمِ الجزاءِ”.
وأكدت وزارة الأوقاف على جميع الأئمة الالتزام بموضوع خطبة الجمعة نصًا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة علي عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية مراعاة للظروف الراهنة.
موضوع خطبة الجمعة 26 يناير 2024
الدفاعُ عن الأوطانِ بينَ الواجبِ العينِي والكفائِي وعِظَمِ الجزاءِ
14 رجب 1445هـ – 26 يناير 2023م
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابِهِ الكريمِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا ونبيَّنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وباركْ عليهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ، ومَن تبعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وبعدُ:
فإنَّ الوطنَ مِن الكلياتِ والمقاصدِ الضروريةِ التي أحاطَهَا دينُنَا الحنيفُ بسياجاتٍ عظيمةٍ مِن الحفظِ والرعايةِ، فمصالحُ الأوطانِ مِن صميمِ مقاصدِ الأديانِ، والدفاعُ عن الأوطانِ سبيلُ الشرفاءِ، والعظماءِ الأوفياءِ الذين يفتدونَ أوطانَهُم بأنفسِهِم وأموالِهِم وكلِّ ما يملكون.
ومِمّا لا شكَّ فيهِ أنَّ تقويةَ شوكةِ الدولةِ الوطنيةِ والدفاعَ عنهَا واجبٌ شرعيٌّ ووطنيٌّ، وأنَّ على كلٍّ منّا أنْ يدافعَ عن وطنِهِ مِن موقعِهِ، جنديًّا كان أو شرطيًّا أو كاتبًا أو مفكرًا أو إعلاميًّا، أو معلمًا أو حرفيًّا أو مزارعًا، فالدفاعُ عن الأوطانِ في كلِّ مجالٍ مِن فروضِ الكفاياتِ؛ إذ إنَّ الأوطانَ لكلِّ أبنائِهَا، وإنَّمَا تستقرُّ وتُحمَى وتُحفظُ بهِم وبجهدِهِم وعرقِهِم جميعًا، حيثُ يقولُ سبحانَهُ: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾، وللهِ درُّ القائلِ:
وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ يَدٌ سَلَفَتْ وَدَينٌ مُستَحِقُّ
وَمَن يَسقى وَيَشرَبُ بِالمَنايا إِذا الأَحرارُ لَم يُسقُوا وَيَسقُوا
بِلادٌ ماتَ فِتيَتُها لِتَحيَا وَزالوا دونَ قَومِهِمُ لِيَبقوا
ونذكرُ بكلِّ التقديرِ دورَ قواتِنَا المسلحةِ الباسلةِ، وشرطتِنَا الوطنيةِ في الدفاعِ عن الأوطانِ متكاملينِ متعاونينِ في الحفاظِ على أمنِ الوطنِ وأمانِهِ، وإذا كانت قواتُنَا المسلحةُ الباسلةُ ساهرةٌ على حمايةِ الوطنِ وتأمينِ حدودِهِ ومصالحِهِ وردعِ مَن تسولُ لهُ نفسُهُ المساسَ بهِ أو الاقترابَ منهُ، فإنَّ شرطتَنَا الوطنيةَ تقفُ جنبًا إلى جنبٍ مع قواتِنَا المسلحةِ الباسلةِ في ميدانِ الدفاعِ عن الوطنِ، فالحفاظُ على الأوطانِ يتطلبُ حمايةَ حدودِهَا مِن الأعداءِ المتربصينَ، وحمايةَ الداخلِ مِن العملاءِ والعابثينَ وتجارِ السمومِ والمخدراتِ وعصاباتِ الجريمةِ المنظمةِ، وكلِّ الأدواءِ التي تنالُ مِن أمنِ الوطنِ وأمانِه.
ولا شكَّ أنَّ قدرَ هؤلاء الأبطالِ عظيمٌ وخيرَهُم عميمٌ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ﷺ: (عَينانِ لا تمَسَّهما النَّارُ: عينٌ بكتْ مِن خشيةِ اللهِ، وعينٌ باتتْ تحرسُ في سبيلِ اللهِ)، ويقولُ (عليهِ الصلاةُ والسلامُ): (ألَا أُنبِّئُكُم بليلةٍ أفضلَ مِن ليلةِ القدرِ؟ حارسُ حرسٍ في أرضِ خوفٍ، لعلَّهُ أنْ لا يرجعَ إلى أهلِه)، ويقولُ (عليهِ الصلاةُ والسلامُ): (رِبَاطُ يَومٍ في سَبيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وما عَلَيْهَا، ومَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وما عَلَيْهَا، والرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ في سَبيلِ اللَّهِ، أَوِ الغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وما عَلَيْهَا).
ونؤكدُ أنَّ الدفاعَ عن الأوطانِ يصيرُ فرضَ عينٍ على مَن يُكَلَّفُ بهِ أو يُنتدَبُ لهُ، وحالَ تعرضِ الوطنِ للخطرِ، فإنَّ الدفاعَ عنهُ حينئذٍ يكونُ واجبًا عينيًّا على المواطنينَ جميعًا بأنفسِهِم وأموالِهِم وبكلِّ ما أوتُوا مِن قوةٍ، سواءٌ كانوا رجالًا أو نساءً أو كبارًا أو صغارًا حتى ولو فنُوا جميعًا، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ﷺ: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ. ومَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فهوَ شَهيدٌ. ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ).
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين، سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.
إنَّ فضلَ الدفاعِ عن الأوطانِ عظيمٌ عندَ اللهِ (عزّ وجلّ)، فهل لنَا أنْ نتصورَ فضلَ مَن بذلَ نفسَهُ نصرةً لدينِ اللهِ (عزَّ وجلَّ)، ودفاعًا عن الوطنِ والأرضِ والعرضِ! حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: }وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}، ويقولُ سبحانَهُ: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
ويقولُ نبيُّنَا ﷺ: (والَّذي نفسي بيدِه لا يُكْلَمُ أحدٌ في سبيلِ اللهِ ـ واللهُ أعلَمُ بمَن يُكْلَمُ في سبيلِه ـ إلَّا جاء يومَ القيامةِ وجُرحُه ينثَعِبُ دمًا اللَّونُ لونُ دمٍ والرِّيحُ ريحُ مِسكٍ)، ويقولُ ﷺ: (لا يجتمعُ غبارٌ في سبيلِ اللَّهِ ودُخانُ جَهَنَّمَ في جوفِ عبدٍ أبدًا)، ويقولُ (عليهِ الصلاةُ والسلامُ): (كلُّ ميتٍ يُختَمُ على عملِهِ إلا المرابطَ في سبيلِ اللهِ فإنَّهُ يُنْمَى له عملُهُ إلى يومِ القيامةِ ويأمنُ من فتنةِ القبرِ).
اللهُمَّ احفظْ أوطانَنَا وارفعْ رايتَهَا في العالمين.