موضوع خطبة الجمعة 9 فبراير 2024.. حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم 28 رجب 1445 هـ، الموافق 9 فبراير 2024، التي جاءت تحت عنوان “مِن دروسِ الإسراءِ الفرجُ بعدَ الشدةِ”.
موضوع خطبة الجمعة 9 فبراير 2024
وأكدت وزارة الأوقاف على جميع الأئمة الالتزام بموضوع خطبة الجمعة نصًا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة علي عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية مراعاة للظروف الراهنة.
نص خطبة الجمعة اليوم 9 فبراير 2024
جبرُ الخواطرِ وأثرُهُ في تقويةِ الروابطِ والعلاقاتِ الاجتماعيةِ
28 رجب 1445هـ – 9 فبراير 2024م
المـــوضــــــــــوع
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْقَائِلِ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، ويقولُ سبحانَهُ: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ}، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدَا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَبَعْدَ:
فَإِنَّ جَبْرَ الْخَوَاطِرِ قِيمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ نَبِيلَةٌ، وَخُلُقٌ إِسْلَامِيٌّ كَرِيمٌ، يَدُلُّ عَلَى شَرَفِ النَّفْسِ، وَطِيبِ الْفُؤَادِ، وَمِنْ مَعَانِي اسْمِ اللهِ تَعَالَى “الْجَبَّار” أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَجْبُرُ خَوَاطِرَ عِبَادِهِ، حَيْثُ يَقُولُ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ: {ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ}، فَرَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ يَجْبُرُ الْفَقْرَ بِالْغِنَى، وَالْمَرَضَ بِالصِّحَّةِ، وَالْخَوْفَ بِالطُّمَأْنِينَةِ، وَالْيَأْسَ بِالْأَمَلِ وَالرَّجَاءِ ؛ لِذَلِكَ كَانَ مِنْ دُعَاءِ نَبِيِّنَاﷺ فِي صِلَاتِهِ (اللَّهُمَّ اغفِرْ لي، وارْحَمْني، واهْدِني واجْبُرني، وارْزُقْني)، ولِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ:
وَكَذَلِكَ الجَبَّارُ مِن أَوْصَافِهِ وَالْجَبْرُ فِي أَوْصَافِهِ نوعانِ
جَبْرُ الضَّعِيفِ وكُلُّ قَلْبٍ قَدْ غَدَا ذَا كَسْرَةٍ فَالجَبْرُ مِنْهُ دَانِ
والثَّانِ جَبْرُ القَهْرِ بِالعِزِّ الَّذِي لا يَنْبَغِي لِسِوَاهُ مِنْ إِنْسَانِ
وَالْمُتَأَمِّلُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ يُدْرِكُ أَنَّ اللهَ (عِزَّ وَجَلِ) تَجَلَّى عَلَى عِبَادِهِ، فَجَبَرَ خَوَاطِرَهُم، وَطَيِّبَ نُفُوسَهُمْ، وَأَرَاحَ قُلُوبَهُم، وَأَدْخَلُ السُّرُورَ عَلَيْهِمْ، فَهَذِهِ أُمُّ سَيِّدِنَا مُوسَى (عَلَيْهِ السلَّامُ) حِينَ تَفَطَّرَ قَلْبُهَا عَلَى وَلَدِهَا (عَلَيْهِ السَّلَاَمُ) خَوْفًا عَلَيْهِ، رَدَّهُ اللهُ (عِزَّ وَجَلِ) إِلَيْهَا؛ جَبْرًا لَخَاطِرِهَا، وَتَطْيِيبًا لَقَلْبِهَا، حَيْثُ يَقُولُ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ: {فَرَدَدْنَٰهُ إِلَىٰٓ أُمِّهِۦ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}، وَعِنْدَمَا أُخْرِجَ نَبِيُّنَا ﷺ مِنْ وَطَنِهِ مَكَّةَ جَبَرَ اللهُ تَعَالَى خَاطِرَهُ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ فِي طَرِيقِهِ إِلِي الْمَدِينَةِ قَوْلُهُ (عَزَّ وَجَلَّ): {إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ}، أَيَّ: إِلَى مَكَّةَ مَرَّةً أُخْرَى، وَيَقُولُ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾؛ وَذَلِكَ جَبرًا لِخواطرِهِم وتطييبًا لِنفوسِهِم.
وَيَضْرِبُ لَنَا نَبِيُّنَا ﷺ أَعَظْمَ الْأَمْثَلَةِ فِي جَبْرِ الْخَوَاطِرِ بِالْكَلَاَمِ الطَّيِّبِ وَالْفِعْلِ الْجَمِيلِ، حِينَمَا جَاءَهُ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ، وَقَالُوا لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ ذهَبَ أهلُ الدُّثورِ بالأُجورِ، يُصلُّونَ كما نُصلِّي، ويَصومونَ كما نَصومُ، ويَتصدَّقونَ بفُضولِ أموالِهِم، فقال: (أوليسَ قد جعَلَ اللهُ لكُم ما تَصدَّقونَ، إنَّ بكلِّ تَسبيحةٍ صَدَقةً، وبكلِّ تَكبيرةٍ صَدَقةً، وبكلِّ تَهليلةٍ صَدَقةً، وبكلِّ تَحميدةٍ صَدَقةً، وأمْرٌ بالمَعروفِ صَدَقةٌ، ونَهْيٌ عنِ المُنكَرِ صَدَقةٌ). وعن عبدِ اللهِ بنِ أبِي أوفَى (رضي اللهُ عنه) قال: كان النبيُّ ﷺ (لا يأنَفُ أن يمشيَ معَ الأرمَلةِ والمسكينِ، فيَقضيَ لَهُ الحاجةَ).
وَحِينَ لَقِيَ نَبِيَّنَا ﷺ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ (رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ) مُنْكَسِرًا لَاِسْتِشْهَادٍ أَبِيهِ عَبْدِ اللهِ (رَضيّ اللهُ عَنْهُ) وَتَرْكَهُ عِيَالًا وَدَيْنًا، جَبَرَ ﷺ خَاطِرَ جَابِرٍ (رَضي اللهُ عَنْهُ)، وَقَالَ لَهُ: (أفلَا أبشِّرُكَ بما لقيَ اللَّهُ بِهِ أباكَ؟) قلتُ: بلَى يا رسولَ اللَّهِ قالَ: ما كلَّمَ اللَّهُ أحدًا قطُّ إلَّا مِن وراءِ حجابِه وأحيىَ أباكَ فَكَلَّمَهُ كِفاحًا فقالَ: يا عَبدي تَمنَّ عليَّ أُعْطِكَ قالَ: يا ربِّ تُحييني فأقتلَ فيكَ ثانيةً قالَ الرَّبُّ تبارك وتعالَى: إنَّهُ قد سبقَ منِّي أنَّهم إليها لَا يُرجَعونَ)، وَحِينَمَا اُسْتُشْهِدَ سَيِّدُنَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) جَبَرَ نَبِيُّنَا ﷺ بِخَاطِرِ أهْلِهِ، حِينَ قَالَ: (اِصْنَعُوا لَآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا ؛ فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ).
*
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى خَاتِمِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ أَجَمْعَيْنِ.
لَا شَكَّ أَنَّ لَجَبْرِ الْخَوَاطِرِ أثَرًا عَظِيمًا فِي تَقْوِيَةِ الرَّوَابِطِ وَالْعَلَاَّقَاتِ الْاِجْتِمَاعِيَّةِ، وَتَأْلِيفِ الْقَلُوبِ، وَوَحدَةِ الصَّفِّ، حِينَ يَتَحَقَّقُ الْإِخَاءُ الصَّادِقُ، وَالتَّكَافُلُ اِلْحَقّ، فَتَعْظُمُ رَوْحُ الْمَحَبَّةِ، وَتَدُومُ الْأُلْفَةُ وَالْمَوَدَّةُ، حَيْثُ يَقُولُ نَبِيُّنَا ﷺ: (مثلُ المؤمنينَ في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ. مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى)، ويقولُ (صلواتُ ربِّي وسلامُهُ عليه): (المُؤْمِنَ للمؤمنِ كالبُنْيانِ يشدُّ بَعضُهُ بعضًا)، ويقولُ نبيُّنَا ﷺ: {مَن نفَّسَ عن مسلمٍ كُربةً مِن كُربِ الدُّنيا نفَّسَ اللَّهُ عنهُ كربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومَن يسَّرَ على مُعسرٍ في الدُّنيا يسَّرَ اللَّهُ عليهِ في الدُّنيا والآخرةِ، ومَن سَترَ على مُسلمٍ في الدُّنيا سترَ اللَّهُ علَيهِ في الدُّنيا والآخرةِ، واللَّهُ في عونِ العَبدِ، ما كانَ العَبدُ في عونِ أخيهِ}.
وَجَدِيرٌ بِالذِّكْرِ أَنَّنَا فِي أيَّامٍ مُبَارَكَاتٍ هِي أَيَّامُ جَبْرِ الْخَوَاطِرِ بِالْمُوَاسَاةِ، بِالتَّكَافُلِ الْمُجْتَمَعِيِّ، بِالْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، فَمَا أَحْوَجَنَا جَمِيعَا إِلَى التَّحَلِّي بِخُلُقِ جَبْرِ الْخَوَاطِرِ، فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، حَيْثُ يَقُولُ سُبْحَانَهُ: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإحْسَانِ إِلَّا الْإحْسَانُ﴾، وَقَدْ قَالُوا:” مَنْ سَارَ بَيْنَ النَّاسِ جَابِرًا لِلْخَوَاطِرِ؛ أَدْرَكَهُ اللهُ فِي جَوْفِ الْمَخَاطِرِ”.
اللَّهُمَّ اُجْبُرْ خَوَاطِرَنَا وَتَوَلَّنَا وَاُعْفُ عَنَا
وَاِحْفَظْ بِلَادَنَا وَارْفَعْ رَايَتَهَا فِي الْعَالِمِينَ