تجارب البشر لها رائحة وطعم ولون الزمن.. وقد يجد الإنسان صعوبة شديدة فى تحديد لون كل عصر. وبالذات إذا كانت القضية تخص المرأة..
فأجد صعوبة فى استعمال نون النسوة وأشعر أحياناً وأنا أستعملها بأن القارئ يجد صعوبة أكبر فى قراءتها وكم كنت أود أن اللغة العربية مثل اللغة الإنجليزية لا تفرق بين المذكر والمؤنث أو بمعنى أصح المؤنث والمذكر لكى أعطى الصدارة للمرأة.
وموضوع اليوم عن المرأة فقط.. فقد كنت أقرأ أخيراً عدداً من الكتب والمقالات عن المرأة وتاريخ الحركات النسائىة فى العالم.. وجدت بعض الحقائق التى لا أعتقد أنها معروفة حتى لدى زعيمات الحركات النسائية
فمثلاً هل تعرف المرأة المصرية من هى أوليمب دى جوج.. إنها امرأة فرنسية نادت فى ٩٨٧١ بضرورة إصدار كتاب بعنوان »إعلان حقوق النساء« رداً على كتاب توماس مان »إعلان حقوق الإنسان« والذى وصفته أوليمب بأنه ليس أكثر من إعلان حقوق الرجل.. وحينما أصدرت أوليمب هذا الكتاب غضب روبسير وألقى بها فى السجن ثم أمر بإعدامها.
وهناك »مارى وولتونكرافت« التى نشرت فى عا ٢٩٧١ كتاباً بعنوان »المطالبة بحقوق المرأة« وفيه هاجمت عدم توفير فرص لتعليم وتدريب المهن للمرأة وذات القدرة على التحليل والابتكار..
لقد نادت مارى بضرورة إعطاء المرأة حق التعليم نفسه الذى يعطى للرجل.. وأنه لا يوجد أى أساس منطقى لكى ينال الرجل حقوقه واستبعاد المرأة وحبسها فى داخل الأعمال المنزلية.. وكانت جزاؤها المحكمة والسجن.
وهناك أيضاً فرجينيا وولف وهى من المتحمسات لحقوق المرأة والمساواة بينها وبين الرجل ولكن نداءها كان مختلفاً فهى لم تطالب بالمساواة الاجتماعية وبحقوق المرأة سياسياً..
وإنما طالبت بحق المرأة فى الخلق والإبداع وتساءلت ما هى الظروف الأساسية لخلق عمل فنى.. وهى تعنى من جانب كل من المرأة والرجل.. وتجيب فرجينيا وولف فى الموضوع قد حسم للرجل.
فهناك العديد من الرجال المبدعين الخلاقين أما المرأة فتكتب فرجينيا وولف فى حجرة ملكى يجب أن تكون لدى المرأة المال وحجرة باسمها إذا أرادت أن تبدع وحين أطلب منكن أن تكسبن المال وأن يكون لكن حجرة باسمكن.. إنما أطلب أن تعشن فى حضور الواقع.
لقد قالت فرجينيا وولف ذلك منذ أكثر من 100 عام.. وكانت ترى أن القدرة الإبداعية أساسية وأنها موزعة بالتساوى بين المرأة والرجل.. وأن الفقر والدور التقليدى للمرأة يخنقان فيها هذه القدرة على الإبداع..
لقد أكدت أكثر من مرة أن المال يعطى لصاحبته مكانة رهيبة.. وأن نقطة التحول الخطيرة فى تاريخ العالم الحديث هى بدء المرأة فى الكسب..
ولعلها تبالغ حين تقول إن نقطة التحول هذه لها أهمية أكثر من الحروب الصليبية وأنها لو كتبت تاريخ العالم لأعطت لهذا التحول الذى جعل فى استطاعة المرأة أن تبدع مكانة أهم من كل الحروب كما ترى أن مقاومة الرجل لتحرير المرأة أهم من تاريخ تحرير المرأة.
لقد نادى الرجال لأجيال عديدة بأن عملية الإبداع والخلق من حقهم وحدهم وحاولوا سجن المرأة فى طبيعتها البيولوجية وهى الإنجاب وإطاعة الرجال..
وهذا يعكس فى رأى فرجينيا وولف نوعاً من الاستعباد كما أنه يؤكد غيرة الرجل من المرأة. ومن ثم معارضته للمساواة وقد أدى ذلك إلى أن الكثيرات من النساء فقدن الثقة بأنفسهن
كما نجد أن بعضهن إذا ما شعرن بالرغبة فى الإبداع يحاولن كبت هذه الرغبة.. بل إن بعضهن ومازال الرأى لفرجينيا وولف يعاقبن أنفسهن بالمسح والطهى والزراعة والحصاد والحياكة والإنجاب ورعاية الأطفال.
وتضيف قائلة:
أن لو ظهرت أى امرأة ذكية فى عصر شكسبير لكانت قد أصيبت بالهلع وأطلقت النار على نفسها أو انعزلت عن العالم فى كوخ خارج المدينة لا يزورها فيه أحد.
هذا بعض ما ظهر فى أوروبا فى حركات تحرير المرأة.
أما فى مصر فهى حكاية أخرى بدأتها هدى شعراوى 1919 ومعها كثير من النساء سأكبتها الأسبوع القادم بإذن الله لو كان فى العمر بقية.
بقلم /ناهد المنشاوي
الكاتبة الصحفية