بقلم/ الدكتور ناصر عبد المهيمن
تأتي جائحة كورونا بعد قرابة 12 عاماً على الأزمة المالية العالمية في عام 2008، التي ستظل حاضرة بقوة في أذهان صانعي السياسات الذين تعلموا منها كيفية الاهتمام بالأزمات، ودور حزم التحفيز النقدي للحد مما تخلفه الأزمات من نتائج وتبعات. ففي 30 يناير 2020 أعلنت منظمة الصحة العالمية رسمياً أن تفشي فيروس كورونا يُشكل حالة طوارئ صحية عامة تبعث على القلق الدولي، وأكدت تحول المرض إلى جائحة يوم 11مارس، ليصل عدد المصابين لنحو 8 مليون مصاب بكوفيد19 في أكثر من 188 دولةً ومنطقةً حتى 30يونيو 2020، وبنسبة وفيات تصل الى 2%.
وباء كورونا، يمثل وباء كورونا ضربة للاقتصاد العالمي، حيث تسبب في إعاقة الإنتاج وعرقلة الإمداد وإضعاف الطلب العالمي، فقد أدى إلى إلغاء 225 مليون وظيفة دائمة، وفقا للتقرير الصادر عن منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة، وتقليص عدد ساعات العمل عالميا بواقع 8.8%، وهي النسبة التي فاقت التراجع في عدد ساعات العمل إبان أزمة الاقتصاد العالمي في أواخر 2008.
النفط، لم يتمكن النفط من الصمود أمام هذه الجائحة، حيث تسارعت وتيرة إنهيار أسعاره نتيجة تراجع الطلب العالمي على هذا المنتج الحيوي، لينخفض سعر خام برنت لنحو 12 دولار أمريكي، هذا في حين تلاشى الطلب العالمي على الخام الأمريكي إلى دون الصفر (-40 دولار) في أسوأ أداء تاريخي وهو ما يعني أن بائع العقد مستعد لدفع 40 دولار للمشتري لكي يقبل على الشراء، وهذا بعد التراجع التاريخي لسعر الخام، حيث اكتسحت الأسواق خسائر فادحة مع نفاد أماكن التخزين حول العالم.
أما أسواق الأسهم العالمية، فقد واصلت أسواق المال العالمية والإقليمية انخفاضاتها، وكانت التراجعات هى الأسوأ منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية 2008، ووصف المشهد بالارتباك والانهيارات المدفوعة بقلق من الدخول في انكماش اقتصادي عميق، إذ فقدت البورصة الأميركية ما يزيد على 33 تريليون دولار من قيمتها السوقية منذ تفشي كورونا، وتراجع مؤشرات نيكي الياباني والداوجونز الصناعي الامريكي والفوتسي البريطاني حتى نهاية شهر أبريل نتيجة ما شهدته من حلقات التخبط واقتصاد شبه مؤمم، وتعثر أسواق الأسهم مما تسبب في الشعور باقتراب نهاية العالم.
وفي محاولة لإمداد صناع القرار في الدول الإسلامية برؤية استشرافية وتحليلية لأداء الاقتصاد الكلي لهذه الدول الحيوية خلال جائحة كورونا، في محاولة لبيان مدى تمكن البلدان الإسلامية من الخروج من هذه الجائحة وتبعاتها، وذلك من خلال بيان مدى استمرار هذه الجائحة على مستوى اقتصاديات العالم عامة وعلى البلدان الإسلامية خاصة.
تجارة العالم السلعية، كان لما تم إتخاذه من إجراءات وتدابير وقائية من كافة بلدان العالم خلال جائحة كورونا عظيم الأثر على انحصار حجم التبادل التجاري بين بلدان العالم، وتحليل تطور مؤشر حجم التجارة العالمية خلال العامين الأخيرين يظهر كثير من النتائج الهامة.
ففي الربع الأخير من عام 2019 بلغ حجم التبادل التجاري العالمي نحو 4.3 تريليون دولار أمريكي بزيادة بلغت نسبتها نحو 2.7% مقارنة بالربع الثالث من عام 2019، في حين تراجع حجم التبادل التجاري العالمي خلال الربع الأول من عام 2020 بنحو 12.8% مقارنة بالربع الأخير من عام 2019، وبتراجع بلغت نسبته نحو 8.8% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق،حيث بلغ حجم التبادل التجاري نحو 3.8 تريليون دولار أمريكي. ليس هذا فحسب بل تراجع مؤشر تجارة العالم السلعية خلال الربع الثاني من عام 2020 بنحو 11.6% مقارنة بالربع الأول من عام 2020، وبتراجع بلغت نسبته نحو 21.3% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، ليصل لنحو 3.3 تريليون دولار.
يتضح مما سبق كيف عاش العالم وضعاً استثنائياً في ظل انتشار وباء كوفيد- 19 في عام 2020 وما استتبعه من تأثيرات اقتصادية واسعة النطاق على عدة أصعدة في ظل تأثر سلاسل الإمداد العالمية بهذه الظروف، وما كان لها من نتائج على حركة التجارة الدولية، وأنشطة الاستهلاك والاستثمار والتصنيع، وتزايد مستويات عدم اليقين. ويمكننا التأكيد على تمكن الاقتصاد العالمي من التعافي من آثار هذه الجائحة القوية، حيث بدء مؤشر حجم التجارة العالمية في تحقيق معدلات زيادة بداية من الربع الثالث من عام 2020، فقد إرتفع مؤشر التبادل التجاري السلعي بنحو 18.6% خلال الربع الثالث من عام 2020 مقارنة بالربع الثاني من عام 2020، في حين سجل معدل إنخفاض بلغ نحو 6.1% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق. كما تمكنت تجارة العالم السلعية خلال الربع الرابع من عام 2020 من تحقيق زيادة بلغت نسبتها نحو 10.5% مقارنة بالربع الثالث من عام 2020، وبزيادة بلغت نسبتها نحو 1.1% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، لتشهد هذه الفترة أول إرتفاع في حجم التبادل التجاري السلعي العالمي على المستوى السنوي خلال عام 2020.
وهذه النتيجة الهامة المتمثلة في تعافي الاقتصاد العالمي، تجعلنا في أمس الحاجة لبيان حال إقتصاديات البلدان الإسلامية، ومدى تمكنها من بدء التعافي، خاصة وأن كثير من البلدان الاسلامية يعاني من مشكلات تنموية. لذلك تم إستخدام مؤشر تجارة منظمة التعاون الإسلامي خلال العامين الأخيرين مع باقي مناطق العالم لاستخراج مجموعة من النتائج.
ووفقاً لحجم التبادل السلعي الربع سنوي بين دول منظمة التعاون الإسلامي وباقي دول العالم، يتضح تأثر مؤشر التبادل التجاري السلعي بجائحة كورونا، حيث بلغت قيمة التبادل التجاري خلال الربع الثاني من عام 2020 نحو 398 مليار دولار بتراجع يزيد عن 26% مقارنة بحجم التبادل التجاري للمنظمة خلال الربع الأول من العام نفسه، وبانخفاض بلغت نسبته نحو 20% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.
تطور حجم التجارة الخارجية لمنظمة التعاون الإسلامي
وفي محاولة لتقييم جدوى ما انتهجته حكومات البلدان الإسلامية من سياسات لمواجهة جائحة كورونا، سنحاول فيما يلي عقد مجموعة من المقارنات بين مجموعة من أبرز أعضاء منظمة التعاون الإسلامي خلال العامين السابقين، لبيان أهم التطورات التي شهدتها أسواق هذه البلدان ومدى تمكنها من التعافي من كارثة وباء كورونا COVID-19.
،،،، يتبع