يرجع ارتفاع سعر الدولار الأمريكي بالبنوك المصرية لعدة أسباب يأتي على رأسها وجود طلب مؤجل على العملة الأجنبية طوال فترة الأجازة الرسمية للبنوك والتي وصلت إلى قرابة عشرة أيام ، وبالتالي ومع عودة العمل بالبنوك تقدم الجميع من أفراد وشركات بطلبات التدبير مما زاد من قيمة العملة وارتفاع سعرها ، على أمل أن يقوم البعض بإرجاء الطلب لحين انخفاض السعر مرةً أخرى .
يضاف إلى ذلك وجود تدفقات دولارية في صورة الأموال ساخنة كان متوقع دخولها ولم يحدث إضافةً إلى خروج جزء كبير منها خلال فترة العطلة الرسمية متجهة إلى أسواق ناشئة أخرى، فكان لابد من وجود مرونة تصاعدية لسعر الصرف لخفض قيمة العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي لجذب هذه الأموال الساخنة وإعادتها للسوق المصري مرةً أخرى .
ومن الطبيعي سيكون هناك مزيد من إنخفاض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي خلال الفترة القادمة مع عودة للسوق الموازي. ويعزز من تحقق ذلك أن كافة الموارد والتدفقات الدولارية خلال النصف الأول من العام الجاري خرجت في صورة سداد التزامات ومستحقات داخلية وخارجية ، ولم يتم استغلال أياً منها في صورة تدعم الاقتصاد والإنتاج بصورة صحيحة بما يساهم في خلق موارد دولارية ، وهو أمر سيترتب عليه مزيد في انخفاض العملة المحلية أمام سلة العملات الأجنبية الأخرى خلال الفترة القادمة وازدهار للسوق الموازية كأمر طبيعي في ظل عدم وجود موارد دولارية مقابل وجود طلبات داخلية والتزامات خارجية ، لا سيما وأن هناك أقساط ديون سيادية مستحقة خلال النصف الثاني من هذا العام ، وهناك حالة من تراجع المصادر الدولارية الأساسية للدولة المصرية المتمثلة في قناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين بالخارج .
فما شهدناه من استقرار / انخفاض في سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري منذ تحرير سعر الصرف في ٦ مارس ٢٠٢٤ ، كان استقرار مؤقت مدعوم بتدفقات دولارية من صفقة رأس الحكمة والأموال الساخنة التي تم العودة للاعتماد عليها من جديد ، وهي أمور مؤقتة ونسبية لا تضمن ولا تتسبب في استدامة استقرار سعر الصرف أو ارتفاع قيمة العملة المحلية ، فإن صفقة رأس الحكمة والأموال الساخنة بمثابة مُسكنات لسعر صرف الجنيه مقابل الدولار الأمريكي، والمزيد من الاعتماد على الأموال الساخنة يدعم عودة السوق الموازية مرةً أخرى كون زيادة الطلب المفاجئ على الأموال الراغبة في الخروج من السوق المصري يضاعف الطلب على الدولار في السوق الرسمي ومن ثم عدم قدرة البنوك المصرية على تلبية طلبات واحتياجات المستوردين والأفراد ومن ثم لجوءهم كنتيجة طبيعية ومباشرة لتدبير احتياجاتهم الدولارية من السوق الموازي .
وإذا أرادت الدولة المصرية حماية الاقتصاد المصري والوقاية من معاودة السوق الموازية للعمل وارتفاع سعر الصرف بها ، فلابد من اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير الوقائية والتحوطات الاستبقاية ولعل على رأسها الإعلان عن مبادرات وتسهيلات حقيقية لخطوط الإنتاج والتصنيع والتصدير .
فالاقتصاد المصري بحاجة إلى خطة طوارئ عاجلة تتضمن معالجة هيكلية لمشكلهة سياسات مالية ونقدية واستثمارية وانتاجية.
فقد كانت أزمة جائحة كورونا وما ترتب عليها من تعطل سلاسل الإمداد والتوريد بمثابة جرس إنذار لكافة اقتصادات دول العالم وعلى رأسها الاقتصاد المصري بضرورة العمل على تحقيق الأمن الصناعي والغذائي وخلق بيئة جاذبة مطمئنة للمستثمرين من الأفراد والشركات المحليين والأجانب .
إلا أن هذا لم يحدث بالصورة الكاملة داخل الدولة المصرية، نتيجة العديد من الأسباب التي لا داعي لذكر أو عرض منها كونها أصبحت معلومة ومحل حديث الجميع ، فأصبحنا في الوقت وضع الحلول وآليات التتفيذ.
ولعل أهم الحلول السريعة في الوقت الحالي للحد من معاودة الأزمة وامتداد تداعياتها بصورة يصعب تداركها أو التعافي منها تتمثل في :
أولاً :- وفيما يتعلق بأزمة سعر الصرف :
-ضرورة العمل على توفير مصادر دولارية مستدامة ، لتطوير حصيلة دولارية تفي بالمتطلبات والاحتياجات الدولارية للأفراد والشركات ، ويكون ذلك إما بتقديم أوعية إدخارية ذات عائد كبير يصرف بالدولار وليس بما يعادل قيمة العائد بالجنيه المصري ، مع ضمان رد قيمة الشهادة في نهاية مدتها بذات العملة .
-إعادة مبادرة استيراد العاملين بالخارج لسيارات وبحد أقصى سيارتان أو سيارة لكل أسرة حسب عدم سنوات العمل بالخارج على أن تكون بمبالغ محددة تسدد مرة واحدة فقط لخزانة الدولة، وتكون بنظام الشرائح حسب نوع وموديل السيارة وتأثيرها على النظام البيئي .
-الدعوة لمؤتمر اقتصادي عربي دولي، يتم فيه عرض رؤى وتصورات وسياسات مالية واستثمارية جديدة لتحفيز الشركاء والمستثمرين العرب والأجانب للعودة والعمل في السوق المصري مرة اخرى ، على أن تكون الحوافز والتسهيلات جادة ويتم تطبيقها على أرض الواقع .
-توفير حصيلة دولارية بصورة مستمرة كون حدوث خلاف ذلك سيُعاود الفجوة بين السوق الرسمي والسوق الموازي وسيترتب عليه أثار سلبية على مستويات الأسعار ومعدلات الاستثمار مرةً أخرى.
ثانياً :- دعم الإنتاج وتخفيف الأعباء على المنتجين والمصنعين :
لقد أصبح الأمن الصناعي والغذائي ضرورة حتمية فبتحقيقها تنخفض الأسعار في الأسواق وينخفض الضغط على احتياج الدولة من العملة الأجنبية ويتحقق التوازن في الميزان التجاري، ولكن هذا يتطلب تسهيلات على دخول مواد ومستلزمات الإنتاج وحافز وتسهيلات مالية وضريبة، مع إلزام كل من حصل على هذه التسهيلات بحجم إنتاج يقدر بقدر ما حصل عليه من تسهيلات وأيضاً إلزامه بأن يكون ثلثي حجم الإنتاج لتلبية احتياجات السوق المحلي ، والثلث للتصدير .
مع ضرورة تفعيل أدوار الملحق التجاري في كافة سفارات الدول الأخرى، ليكون له دور فاعل في تحقيق التقارب والتواصل بين المصنعيين والمنتجين والجهات ذات الاهتمام في الدولة الأخرى .
ثالثاً : خطة تقشف عاجلة وحقيقية في كافة مؤسسات ووزارات الدولة ، يتم الإفصاح عنها للرأي العام تضامناً مع ما يعيشه المواطن المصري البسيط في الشارع .
رابعاً : إعادة النظر في منظومة دعم الصادرات ومنظومة الدعم العيني لتخفيف العبء على الموازنة العامة للدولة.
خامساً : رفع رسوم الإقامة وتأشيرات الدخول للأجانب والمقيمين وتسدد بالعملة الأجنبية .
بقلم / دكتور كريم عادل
رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية