تعرض الاقتصاد المصري بعد الحرب الروسية الأوكرانية إلى أزمات مالية مثل باقي دول العالم وأصبحت الحرب الروسية الأوكرانية هي المتغير الحاكم المؤثر في كل الاقتصاديات العالمية ونتج عن انخفاض سلاسل الإمداد والتوريد ارتفاع كبير في أسعار السلع فارتفعت أسعار القمح المورد الي مصر الي 4.4 مليار دولار والنفط الي 10.2 مليار دولار.
ومع تشديد السياسات النقدية من البنوك وخاصه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أدى إلى خروج استثمارات غير مباشرة قدرت بي 20 مليار دولار مما أدى إلى فجوة بين الطلب والعرض من الدولار قدرت في آخر إحصائية بشهر أغسطس إلى 5% سالب بمبلغ 385.8 مليار جنيه وبالتالي تأثير ذلك علي الاحتياطي النقدي الأجنبي.
ولذلك قامت مصر بمجموعة من الخطوات التي من خلالها تستطيع أن تخفض الفجوة بين الطلب والمعروض من العملة الأجنبية منها رفع أسعار الفائدة 3% لتشجيع الاستثمار في الجنيه المصري بالإضافة إلى تخفيض قيمة الجنيه 20% لزيادة جاذبيته متوافقة في ذلك التوقيت مع ودائع عربية من السعودية وقطر والإمارات وفتح استثمار المباشر في أصول مصرية.
مما فتح المجال أمام استثمارات إماراتية قدرت بـ1.8 مليار دولار في شراء حصص في خمس شركات مصريه «فوري والبنك التجاري وموبكو وأبوقير والإسكندرية لتداول الحاويات» وكذلك استثمارات سعودية في حصص مصريه بقيمه 10 مليارات دولار.
بالإضافة إلى رفع أسعار الدولار الجمركي تدريجيا حتي سجل 19.31 جنيه وكل تلك المحاولات لإنقاذ انخفاض الجنيه المصري أمام سلة العملات الأخرى والتحديات التي تواجهها أمام كل الاقتصاديات العالمية، ولكن كل المؤسسات أشارت إلى ارتفاع الجنيه وأن قيمته مرتفعة، وبالتالي مع تغير القيادات البنك المركزي استلزم مجموعة من القرارات الأخرى خاصه مع المستوردين لحصر متطلباتهم من الدولار. وبالتالي تم اتخاذ مجموعة من الإجراءات والقرارات الأخرى منها الآتي.
أولا: الاستمرار في الاعتماد على مستندات التحصيل فقط لمواد الخام التي تتدخل في الإنتاج والاستمرار بالاعتمادات المستندية.
ثانيا: رفع سعر الفائدة على الودائع الدولارية من 2.25% إلى 5.3% أي ارتفاع بقيمة 109% وبالتالي أصبحت أكثر من قيمة الفائدة الأمريكية المقدرة بـ3.25%.
ثالثا: السماح باستيراد من الخارج للعاملين بالخارج وفقا لاشتراطات محددة للسيارات بدون ضرائب أو جمارك وإيداع المبلغ بالدولار وديعه بدون عايد علي أن يتم صرف المبلغ بعد خمس سنوات بالعملة المحلية.
واخيرا: السماح للبنوك بعد موافقه البنك المركزي المصري بالعمل بالمشتقات derivetives للمرة الأولى في مصر وتعرف المشتقات أنها تعامل علي مشتق من سلعة أو أصل من خلال اتفاق يتم إبرامه في تاريخ معين وأن يتم التسليم في تاريخ لاحق وفقا لاتفاق العقد المبرم.
وتتنوع أنواع المشتقات إلى أربعة أنواع منها العقود الآجلة forward والعقود المستقبلية future والمبادلة swaps وأخيرا عقود الخيارات option وما يتحدث عنه موافقة البنك المركزي من خلال إبرام العقود الآجلة والتي يتم التعامل بها بين شخص وآخر أو شخص وبنك أو بنك وبنك آخر من غير وجود وسيط.
وهذا هو الاختلاف بينها وبين future وبالتالي تقوم الدولة باستحداث آليات جديده التحوط من انخفاض قيمه الجنيه أمام العملات بإبرام عقود أجله NDF حيث يستطيع البنوك من خلال تعاقد علي إبرام اتفاق أو عقد مع شخص أو شركة لشراء مبلغ من الجنيه بسعر دولار ثابت في تاريخ التعاقد مع بنوك أخري وعلى تاريخ محدد مسبقا.
على أن يتم انتهاء العملية ليس بالتسليم وإنما حساب الفارق بين السعر المبرم وقت التعاقد والسعر الفوري وقت التنفيذ أو الاستلام دون استلام مبالغ ولكن حساب الفارق فقط أما يتحمله أحد البنوك لعميله أو العكس ويهدف من قيام المركزي بالموافقة على إبرام العقود الآجلة لأسباب الآتية:
أولا: هي عملية تحوط hudging الجنيه لحماية الجنيه من الانخفاض.
ثانيا: تعطي مرونة لسعر الصرف وتقضي على السوق الموازية أو الدولره.
ثالثا: دخول منتجات جديدة في السوق المصرية مما تشجع علي مزيد من الاستثمارات الأجنبية للاستفادة من فروق الأسعار.
رابعا: زيادة سيولة البنوك الناتجة من الحركة على الجنيه.
خامسا: تقليل انخفاض الجنيه، وبالتالي يستفيد منها المواطن من تحديد السعر وفقا للطلب والعرض المعلن من البنوك وبالتالي تقليل الارتفاعات المتتالية على الدولار مقابل الجنيه.
سادسا: تسعير المنتجات بسعر عادل.
ومع كل ذلك تعتبر الموافقة على نوع من المشتقات إيجابية في الوقت الحالي وتطرح تساؤلا هل تعتبر خطوة أمام تعويم كامل أم أنه حل مؤقت ولابد من زيادة موارد الدولة والعمل على زيادة الإنتاج والتصدير وعدم الاعتماد على الآخرين في احتياجاتنا وزيادة المصانع ورفع شعار صنع في مصر.
بقلم/ دكتور محمد عبد الهادي
خبير أسواق المال