بقلم/دكتورة رانيا الجندي
خبيرة أسواق المال
بدلت الحرب الروسية الأوكرانية ملامح الساحة العالمية من محاربة لآثار الجائحة الصحية العالمية بمتحوراتها العديدة والتي ضغطت على معدلات النمو وحولتها إلى السالبه وتسببت في أزمة سلاسل الإمداد ورفعت أسعار الملاذات الآمنه والبرنت وجعلت الدول تعاني من تضخم مصاحب بركود، إلى آثار أزمة إندلاع الحرب على أوكرانيا، وهكذا تظل البلدان في أزمات متلاحقة يتبعها توابع اقتصادية تغير الوضع من السيئ إلى الأسوء، وتصبح أوراق ضغط على الدول التابعة أكثر منها على المتقدمة.
نعلم أن من لايستطيع صنع غذائه لن يُسمح له في رسم خريطة مستقبله فعندما تحدثت العلوم في أواخر التسعينات، وظهرت أفكار المدرسة التبعية (نظرية التكاليف النسبية- التجارة الدولية) التي قسمت العالم بدورها إلى اقتصاد نامي متخلف و اقتصاد متقدم يقود العالم قائم على فكرة التبادل اللامتكافئ للنظام الاقتصادي العالمي لتعظيم المنافع لصالح الاقتصاد المتقدم، وأصبحت الدول تستخدم اللامنطق ولاتصنع ولاتزرع احتياجاتها الأساسية لأن تكلفة استيرادها أرخص، ولا تصنع ملابسها لأن الغرب تغرق الأسواق النامية بالملابس الرخيصة وتغزو ثقافة أبنائهم بموضة الغرب فأصبحنا تابع فقط علينا أن ندفع أقل وأقل مما تنتج إلى أن يصعب علينا إعادة المحاولة وإعادة الصناعة بعد أن أصبح سلوكنا إستهلاكي وتجاري. وعندما نحاول نقل المعرفة التي أصبحت متاحة ومُسعره على شبكان الإنترنت التي صنعها لنا الغرب، سوف نقوم بالدفع لمحاولة النهوض من جديد وسوف نستغرق وقت أطول، ولكن علينا أن نتقن لغة الغرب أولاً، ليتم نقل الجزء المتقادم من عقولهم لأننا مجرد تابع، أي لانمتلك حريتنا فقد تم غزو عقول أبنائنا في مؤسساتهم التعليمية على أرضنا، وقد جعلوا اهتماماتهم بقضايا عالمهم المضيئ وليس عالمنا المظلم ويتم تحريكهم من بعد وليس عن طريق الدول المتقدمة فحسب وإنما عن طريق الشركات متعدية الجنسيات والتي تحمل جنسيات قامت بسلب أراضي شعوبنا والآن تعمل على سلب الهوية وتسيير العقول وتبديل الإنتماءات وحتى اللغات فأصبح العرب لايتقنون لغة أديانهم ولايعلموا معنى المصطلحات المستوردة بلغة أوطانهم.
ولمحاولة الإجابة على عنوان المقال هل تسرعت روسيا في إصدار المصل الذي أطفئ نيران الجائحة الصحية COVID-19 هل كان على الرئيس الروسي بوتين الإنتظار إلى حين إشتعال النيران أكثر مما كانت عليه من حصد أرواح ورعب دب في قلوب العرب قبل الغرب، حيث قام الرئيس بوتين في منتصف أغسطس 2020 بالتلويح عن ظهور أول مصل لوباء كرونا وأعلن أن إبنته خضعت لهذا اللقاح قبل الإعلان عنه، فإنخفض الملاذ الآمن من قمته العالمية بعد أن وصل سعر أونصة الذهب إلى حوالي 2070 دولار. والآن عاود الذهب للحاق بقمته التي سجلها في عام الجائحة بإختراقة سقف 2027 دولار/ للأونصة، تزامن ذلك مع فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا إثر الحرب على أوكرانيا، وكان أول هذه العقوبات عدم الإعتراف بأول لقاح مسجل ضد كوفيد-19 سبوتنيك V اللقاح الروسي الذي تم مهاجمته من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية الربع الثالث من عام 2020 لأنه أطفئ نيران الأزمة وهذا ليس بوقت الإطفاء.
ونشهد الأن الشركات المتعدية الجنسيات التي تسجل أرباح تفوق الإنتاج المحلي الإجمالي لدول مجتمعه، تفرض هيمنتها على الدول العظمى وتهدد وتندد بعد أن أخترقت عالمنا بدون أن تكلفنا روبل أو قرش واحد في بداية ظهورها، فصنعت أزمات الربيع العربي ونددت بالرؤساء العرب وقتها عندما حجب العرب هذه المواقع التي تعمل على توجيه الشعوب، والأن هيا التي تحجب مواقعها عن روسيا لعدم تصدير رؤية القيادة الروسية والمشهد من وجهة نظر أخرى وذلك مروراً بالإعلان العظيم عن الميتافيرس الذي شارك فيه الكونجرس الأمريكي بجلسة استماع مذهلة وتم حجب العالم أجمع من تلك الخدمة المجانية والتي تجلب المال لبعض مشاهيره.
والأن أوربا غير مستعدة لتوقيع العقوبات على روسيا والتي تُفرط في استخدامها، فهي بحاجه إلى النفط والغاز الروسي أكثر من احتياج روسيا للتصدير فالعملاق الآسيوي – الصين، يلوح دائما بالإستيراد.
وهل التحول للرقمنه هو السيف الحاد على رقبة الدول، وهل العملات الرقمية ستعلن هيمنه وقتيه خلال هذه الأزمة وتحل محل السويفت أم ستخضع للعبة السياسية لمعاودة هيمنة الدولار من جديد. بعد أن تسلحت أغلب البنوك المركزية العالمية بالذهب والعملات الأخرى. وتسلح رجال الأعمال بالعملات الرقمية فنحن في عالم اللا واقع أو مايسنى بالإفتراض وتسهيل خروج ودخول الأموال دون قيود سواء للتبادل التجاري أو لحماية الثروات فالحماية أصبحت إفتراضية في عالم الأزمات.