فى مقالنا السابق تناولنا ماقد يسفر عنه أجتماع يوم الخميس الموافق 29/3/2023 للجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصرى وذكرنا بأن كل الامور تشير الى رفع سعر الفائد فى حدود 2 % على الاقل للسيطرة وتخفيض معدل التضخم ، حيث أن رفع سعر الفائدة هو أحد الأدوات التي يروض بها البنك المركزي التضخم وتعزيز الاستثمار في الجنيه المصري الا أننا فى ذات المقالة تمنينا أن يكون قرار لجنة السياسة النقدية هو تثبيت سعر الفائدة في اجتماعها دون تغيير حيث أن سوق الاعمال لا يتحمل أية قرارات جديدة بمزيد من رفع أسعار الفائدة في ظل ما يشوب السوق من أعباء أخرى الا أن قرار لجنة السياسات الذى تم أنعقاده أتفق مع التوقعات حينئذ وتم زيادة سعر الفائدة 2% خلافا لما تمنينا بالرغم من قيام البنك المركزى برفع لأسعار الفائدة بمجموع 8% أخرها 3% في ديسمبر 2022 ليسجل سعر الفائدة لدى المركزي 16.25% للإيداع و17.25% للإقراض من أجل السيطرة على معدلات التضخم المرتفعة ومسايرة رفع الفائدة الأمريكية وجذب الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، وهو الامر الذى لم يتحقق بل ازداد غول التضخم توحشا حيث وصل الى 40% تقريبا.
وفى ظل الاستمرار فى رفع سعر الفائدة وتنامى نسبة التضخم مما يؤدى الى انخفاض قيمة الاموال نتيجة فرق سعر العائد على الاوعية الادخارية المطروحة ونسبة التضخم الحالية حيث أن أقصى وعاء أدخارى بسعر عائد 18% تقريبا ولو تم طرح أوعية أخارية جديدة ( نتيجة زيادة سعر الفائدة ) بنسبة عائد أعلى من المطروح الحالى وليكن بسعر 25% يكون هناك نسبة 15% أنخفاض فى قيمة أموال حائز الوعاء الادخارى وعليه تحملها .
وعلى ذلك فأن رفع أسعار الفائدة ليس الحل الوحيد للسيطرة والحد من التضخم، لكنه أحد الحلول وًأن رفع سعر الفائدة من شأنه أن يزيد من أعباء الدين الداخلي، لأن رفع الفائدة يهدف لتعويض العملاء عن نقص قيمة مدخراتهم بالبنوك، إضافة لوجود انخفاض في قيمة الجنيه خلال الفترة الماضية .
مما سبق ذكره نجد عدم جدوى من زيادة سعر الفائدة في التأثير على كبح التضخم خلال الفترة الحالية، حيث أوضحنا فى مقالات سابقة بأن الازمة واردة من الخارج و ناجمة من صدمة العرض (زيادة التكلفة) وأن هذا التضخم يعد مستوردا بسبب زيادة أسعار بعض السلع عالميا ( نتيجة الازمة الروسية / الاوكرانية ) وبالتالي هي أسباب تتعلق بالعرض وليس في زيادة الطلب فضلا عن استمرار صعود سعر الدولار مقابل الجنيه ينعكس على زيادة أسعار السلع، مما يؤدي إلى زيادة التضخم مما قد يدفع في حالة رفع سعر الفائدة إلى الدخول في حالة ركود تضخمي حيث يتكون الركود التضخمي من ظاهرتين ،الظاهرة الاولى هى تراجع النشاط الاقتصادي للدولة من فترة إلى أخرى، ما يعني احتمال تقلص عدد الوظائف المتاحة وتراجع أرباح الشركات وضعف القدرة الشرائية للمستهلكين. ،الظاهرة الثانية وهى ارتفاع في الأسعار فإن هاتين الظاهرتين معا تؤديان إلى ما يسمى الركود التضخمي. المشكلة هنا أن الركود الاقتصادي يعالج بخفض معدلات الفائدة لإنعاش الاقتصاد، لكن في وجود ظاهرة تضخم في الوقت نفسه فإن خفض معدلات الفائدة لا يمكن العمل به، كون ذلك يصبح كمن يرش مزيدا من الوقود على نار مشتعلة.
ومن هنا يتعين علينا أن نحدد المرض وليس العرض حتى يتم وضع الخطط السليمة للتعافى والخروج من تلك الازمة فالمسكنات لا تحرز أثراً ولا علاج العرض يشفينا من المرض اذ ان الاساس هو الانتاج والعمل والتكامل بين المشروعات الكبيرة والصغيرة لخلق بيئة عمل وسوق للجميع وتدورعجلة الانتاج عملا على توفير احتياجاتنا و الحد من الاستيراد.
وان تدخل الدولة عبر السياسات الماليه والنقديه للمواءمة لضبط الاسواق ( انكماشيا او توسعيا) وأن يتم أخذ مسألة تضخم الأسعار بجدية أكبر، فيتم رفع معدلات الفائدة بحذر، مع اتخاذ إجراءات مالية أخرى لمنع تدهور الوضع الاقتصادي، تشمل سياسات مالية تحفيزية وتخفيف الضرائب وتحسين بيئة العمل وغير ذلك بحيث تزيد الإنتاجية ويتحسن أداء سلاسل التوريد، وبالتالي يؤدي ذلك إلى خفض معدلات البطالة وتحسن النشاط الاقتصادي دون تأثيرات حادة في مستويات الأسعار مما يمكنا من كبح جماح التضخم .
بقلم / الدكتور محمد الشوربجي
الخبير المصرفى