يحكى أن سفينة ركاب سياحية فارهة تقل أغنياء العالم توقفت خلال رحلتها البحرية بإحدى الجذر الصغيرة ونزل السياح للاستمتاع بجمال وهدوء تلك الجزيرة التى لم تلوثها الوسائل الحديثة..
وفى أثناء تجوال احد السياح الأثرياء لاحظ وجود صياد فقاده فضوله للتحدث معه.. وسأله كم سمكة تصطاد، فأجاب ما يكفينى وأسرتى للغذاء والباقى أبيعه فى السوق لتلبية باقى احتياجات الأسرة
فسأله ثانياً لماذا لا تستأجر عددا أكبر من الرجال فتصطادون كمية أكثر من الأسماك ثم تطور العمل وتقترض من البنك لشراء سفينة للصيد وبعدها مصنع للتعبئة ومنها تنطلق الشركة للبورصة وتصبح غنياً
فأجابه ولماذا؟ كل هذا فرد عليه الثرى حتى تصبح ثريا وتستطيع شراء بيت فى جزيرة هادئة مثل هذه الجزيرة للتقاعد فى هدوء.. فرد عليه هذا بالضبط ما أملكه، أعيش فى بيتى فى جزيرة هادئة وأستمتع بعمرى وليس بتقاعدى؟!
هذا ما استخلصته الآن بعد أن مر عمرى بسرعة.. أصبحت أنظر للأمور بمنظور مختلف عما كنت أراها من قبل وأنا صغيرة، لقد ضحك علينا العالم الغربى الرأسمالى بمصطلحات غريبة عنا وأقنعنا بها لدرجة اننا اقتنعنا اننا لن نستطيع أن نعيش لو لم نلتزم بشرب الكابتشينو ولبس ماركات الأزياء العالمية والأكلات الديليفرى.
وانبرى العديد منا ليتسابق ليوفر كل هذه الرفاهيات »اللى فى الحقيقة لا لزوم لها« حيث يسافر البعض للعمل فى الخارج وعندما عاد أصبح يسمع كلام رؤسائه بدون تفكير خوفا من الاستغناء عنه وهو يريد أن يصل إلى أقصى المناصب بعد أن كون ثروته..
وقد انبرى الكثير منا يتسابق ليوفر كل هذه الرفاهية »التى فى الحقيقة لا لزوم لها« وهناك من التحق بأكثر من عمل ليكتشف الجميع ان عمره قد ولى ولم يستمتع به ولا بأهله أو أولاده أو حتى أصدقائه.. وعندما يعود من السباق بجد أنه خسر عمره مقابل توفير غذاء غالى الثمن أو ماكينة قهوة أمريكية ولم يجد الهدوء الذى طالما تمناه.
لابد أن نقف وقفة مع أنفسنا وتحديد أولوياتنا والسعى لها دون اهمال راحتنا وعلاقتنا بأهلنا وأولادنا فهم فى حاجة لنا أكثر من احتياجهم للملابس والأحذية المستوردة.
والأمر الآخر الذى يلفت النظر فى هذه الحياة ويحتاج لوقفة مع النفس، فكثيرا ما نجد بعض الأغنياء وميسورى الحال من هم أبخل بكثير مما تتخيل لدرجة ان من لا يعرفهم يعتقد انهم فى حاجة لمن يعطف عليهم وانهم فى الظاهر أغنياء
ولكن فى الحقيقة فقراء وكثيرا ما نجد نماذج متعددة من الفقراء تحسبهم أغنياء من التعفف لأنهم أكثر كرما وعطاء وانفاقا من الأغنياء وحصر الغنى فى المال فقط تصور خاطىء فربما لا تكون النعمة فى المال بل فى الصحة والأسرة والأولاد وراحة البال.
الثروة لا تستطيع أن ترفع النفوس المتدنية والفقر لا يستطيع إذلال النفوس القوية وكثيرا ما نجد فقيرا أكثر احتراما لنفسه وللآخرين.. من الغنى الذى لا يستحق من المجتمع الاحترام، الغنى الحقيقى فى أن يملك الإنسان قلبا طبيا يحب الخير لغيره كما يحبه لنفسه.
بقلم /ناهد المنشاوي
الكاتبة الصحفية