يعنى التصنيف الائتماني للدول بأنه تصنيف تقاس من خلاله قدرة الدول أو الشركات على الحصول على قروض ومدى وفائها بسداد فوائد تلك القروض أو الأقساط المترتبة عليها مما يزيد احتمالية التخلف عن السداد أى بمدى قدرة الدولة على الوفاء بألتزاماتها وتصنف الدولة أئتمانيا وفقا والأداء المالي والاقتصادي والاستقرار النقدي للدولة، و تساهم تلك التصنيفات فى المساعدة على تهيئة ونمو مناخ الاستثمار حيث يتخذ المستثمرين والمقرضين تلك التصنيفات كوسيلة لفهم المخاطر المرتبطة بالدول والشركات التي تقرضها.
وكلما ارتفع التصنيف الائتماني للدولة تنخفض المخاطر المترتبة على المديونيات. مما يساعد على قيام الدولة على الاستدانة بتكلفة أقل والعكس تماما حال أنخفاض التصنيف حيث تقوم الدولة برفع أسعار الفائدة بشكل كبير من أجل الحصول على تمويل لاحتياجاتها وهو أمر متعلق بكل أنواع الاقتراض الداخلي أو الخارجي.
وعلى ذلك فأن انخفاض التصنيف الائتمانى للدولة يعني تكلفة أعلى على الديون السيادية وكذلك ارتفاع المخاطر السيادية، ما ينعكس على تخوفات المستثمرين الأجانب والمحليين مما يترتب عليه أنكماش الاستثمار فى الدولة.
وبعد ان تناولنا ايضاح مفهوم التصنيف الائتمانى للدول ومدى تأثيره نستطيع أن نتفهم تقييم وكالة موديز للتصنيف الائتمانى لمصر حيث خفضت الوكالة التصنيف الائتمانى لمصر وأصبح B3 بدلا من B2 وأرجعت «موديز» خفض التصنيف إلى تراجع احتياطي النقد الأجنبي لمصر وقدرتها على امتصاص الصدمات الخارجية في وقت يخضع فيه الاقتصاد لتغيير هيكلي نحو نمو يقوده القطاع الخاص ونظام سعر صرف مرن ، وقالت في تقريرها: «انخفضت الاحتياطيات السائلة إلى 26.7 مليار دولار في نهاية ديسمبر الماضى بدلا من 29.3 مليار دولار فى أبريل الماضي، وبلغ صافي الالتزامات الأجنبية 20 مليار دولار مقارنة بـ13 مليار دولار .
وأشارت «موديز» إلى أنه من المحتمل أن ترفع تصنيفها الائتماني لمصر بناءً على حدوث تحول هيكلي إلى نموذج نمو يولد حصيلة من النقد الأجنبي للوفاء بمدفوعات خدمة الدين، وسينعكس ذلك في زيادة حصة الصادرات غير النفطية بمرور الوقت والتراكم المستدام في احتياطي سيولة النقد الأجنبي مدعوماً بتدفقات غير متعلقة بالديون.
وقد أكدت الحكومة على لسان وزيرها للمالية بأنها تعاملت بإيجابية مع التخوفات الواردة في تقرير وكالة “موديز”، حيث أتخذت الحكومة إجراءات وسياسات وتدابير متكاملة أسهمت في قيام مؤسسة “ستاندرد آند بورز” ، بتثبيت التصنيف الائتماني لمصر ، خاصة في ظل الالتزام بوتيرة الإصلاح الاقتصادي المدعوم من صندوق النقد الدولي باتفاق يمتد إلى 48 شهرا.
وأستعرض معالى وزير المالية ماتحقق في السنوات الماضية ومنها العام المالي 2021/ 2022 حيث بلغ العجز الكلي 6.1٪ من الناتج المحلي نزولا من 6.8٪ في العام 2020/ 2021، وتحقيق فائض أولي للعام الخامس على التوالي بلغ 1.3٪ من الناتج المحلي، في العام المالى 2021/ 2022 فضلا عما حققته قناة السويس من حصيلة تعتبر الأعلى تاريخيا وصلت 7 مليارات دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 8 مليارات دولار خلال عام 2023 الحالى كما أن إيرادات قطاع السياحة ارتفعت خلال العام الماضى إلى 10.7 مليار دولار في ظل التدفقات القوية من أسواق متنوعة مثل دول لخليج وألمانيا وبولندا، إضافة إلى زيادة حصيلة الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 71% لتحقق نحو 9.1 مليار دولار مقارنة بنحو 5.2 مليار دولار في العام الذى يسبقه.
وأوضح الوزير، أن تقرير مؤسسة “موديز” يشير إلى توقعات بتراجع عجز الحساب الجاري في مصر بصورة تدريجية لنحو 3% في العام المالي المٌقبل 2023/2024، مقارنة بنحو 3.5% في العام المالي 2021/2022، لافتًا إلى التحسن الكبير في مؤشرات الميزان الجاري للعام المالي 2021/2022 حيث حققت حصيلة الصادرات غير البترولية ارتفاعًا ملحوظًا بنسبة 29% سنويًا على ضوء زيادة الصادرات من الأسمدة والأدوية والملابس الجاهزة، كما تم تحقيق فائض كبير على جانب الميزان التجاري البترولي 4.4 مليار دولار على ضوء التوسع في الصادرات من الغاز الطبيعي التي وصلت حصيلتها الشهرية إلى نحو 700 مليون دولار، مؤخرًا.
وعلى ذلك نرى أن مصر ليس لديها أزمة في سداد التزاماتها من الدين الخارجي، مقارنة بحجم إيرادات الدولة، إلا أن التحدي أمامها هو خروج الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة من مصر منذ الازمة الروسية الأوكرانية، والتي بلغت 14 مليار دولار من أصل 31 مليار دولار، في المقابل لديها تعهدات بقيمة 22 مليار دولار من الدول الخليجية منها 11 مليار دولار تم إيداعها في البنك المركزي المصري، والباقي إما استثمارات أجنبية مباشرة أو شراء أصول لشركات بالبورصة، علما أن احتياجات خدمة الدين تتراوح بين 25-30 مليار دولار سنويًا على مدار الـ3 سنوات المقبلة، وتحاول الحكومة توفيرها من خلال جذب استثمارات أجنبية مباشرة بنحو 10 مليار دولار سنويًا خلال السنوات الأربع المقبلة
ومن جهة أخرى فأن الحكومة المصرية تواجه تحديًا فى ضوء أرتفاع تكلفة الاقتراض من الخارج نظرا لتوجه الفيدرالي الأمريكي في رفع أسعار الفائدة، لذلك لجأت إلى تنويع إصدار أدوات التمويل سواء صكوك أو سندات في أسواق مثل اليابان والصين وطرحت مصر لأول مرة سندات “الساموراي” بالسوق اليابانية، بقيمة 60 مليار ين ياباني، بما يعادل نحو نصف مليار دولار، وتعتزم طرح سندات مصرية باليوان في السوق الصينية، التي تعد ثاني أكبر سوق للسندات بالعالم، بما يسهم في تنويع مصادر وأدوات التمويل، وجذب مستثمرين جدد، ويساعد في خفض تكلفة وتنويع مصادر تمويل الاستثمارات التنمويةوذلك وفقا لبيان رسمي لوزارة المالية .
مما سبق عرضه اردنا كالعادة ايضاح الصورة العامة امام السادة القراء بعد قرار وكالة موديز بتخفيض التصنيف الائتمانى لمصر لتكون الصورة واضحه امام كل فرد من الشعب المصرى ليعرف التحديات التى تواجه بلاده ومجهودات الحكومة لمواجهة تلك التحديات .
بقلم/دكتور محمد الشوربجي
الخبير المصرفى