لاشك ان التطورات الحادثة على المشهد الاقتصادي العالمي، وتداعياتها السلبية على الاقتصاد المصري، والتي تَسارعت وتيرتها في الفترة الأخيرة، قد أجبرت الحكومة على تَبني حزمة من السياسات والإجراءات الصعبة على الاستثمار والأمور الاقتصادية الأخرى، والتي تَمثلت في زيادة كُلفة الإئتمان بشكل غير مسبوق، نتيجة إرتفاع اسعار الفائدة على الإيداع والإقراض بواقع 300 نقطة لليلة واحدة في آخر اجتماع للجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري، والذي أدى إلى طرح بعض البنوك لمُنتجات مصرفية بأسعار عائد مُرتفع للغاية، لم تشهده الأسواق المصرفية من قبل، حيث تم زيادة فائدة حد الإقراض عند مستوى 24.5٪، مما كان له تأثير على عدم قدرة الشركات والكيانات الاقتصادية على طلب القروض والتسهيلات الائتمانية، مما سيؤدي إلى عدم انشاء خطوط إنتاج جديدة او تطوير القائم منها، فضلا عن ان إرتفاع تكلفة الإئتمان، سَتُعرض الشركات والكيانات الاقتصادية إلى مخاطر التَعثر او التصفية، نتيجة عدم الوفاء بالتزاماتها تجاه العملاء والموردين، خصوصا المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تحتاج دائماً إلى ائتمان رخيص، يتناسب مع حجم تلك النوعية من الشركات، مما سيترتب عليه زيادة تكلفة إنتاج السلع، وبالتالي زيادة اسعارها، والذي يَدعم ويُعزز استمرار الضغوط التضخمية لفترة طويلة من الوقت، وما يلقي بظلاله على سوء الأحوال الاقتصادية والمعيشية للأُسر المعيشية.
ولم يَكن لصانغي السياسة الاقتصادية والمالية والنقدية في البلاد، ان تَغض الطرف عن تقديم الدعم اللازم لبعض القطاعات ذات الأولوية الحيوية في الأقتصاد، من خلال تَحمل الدولة فرق الفائدة المُرتفعة، والتي تُعد احد اهم العوامل المهمة في منح الإئتمان ، حيث تَبنت الحكومة مُبادرة تمويلية بقيمة قدرها 150 مليار جنبه لقطاعي الزراعة والصناعة، لمدة خمس سنوات، بفائدة بسيطة بمعدل 11 ٪، يخصص مبلغ 140 لتمويل رأس المال العامل، والباقي وقدره 10 لتمويل شراء السلع الراسمالية اللازمة لتلك القطاعات.
ومن الجدير بالذكر، ان المُبادرة التمويلية السابق ذكرها، تأتي في ظل تقييد او تجميد المبادرات التمويلية التي كان قد طرحها البنك المركزي المصري في وقت سابق، بعد نقلها للوزارات المعنية خلال الفترة القليلة الماضية، وبما يؤكد على أن الدولة لديها اصرار على دعم عجلة الانتاج، بالتزامن مع تنفيذ القرارات الاقتصادية الصعبة والجريئة التي تَبنتها الحكومة والبنك المركزي، والتي أصبحت من الأمور المُلحة، من أجل تنفيذ إصلاحات مالية واقتصادية ونقدية عاجلة.
فضلا عن ذلك، تَسعى الدولة من خلال تنفيذ حزمة القرارت الاقتصادية الأخيرة في توفير حصيلة وافرة من موارد النقد الأجنبي، والذي نَتج عنه الإفراج عن البضائع المُكدسة بالموانئ المصرية، والتي كانت قد بلغت قيمتها نحو 14.5 مليار دولار، تم الإفراج عنها بشكل كامل مع بداية الشهر الجاري، وبما سَيَسمح بزيادة عرض المزيد من السلع ومُستلزمات الانتاج اللأزمة للصناعة.
والحقيقة، ان هذا التوجه يَهُدف بالأساس إلى تشجيع القطاع الخاص في المُشاركة الفعالة في إحداث تنمية اقتصادية واجتماعية مُستدامة، تتواكب مع خطة الدولة الاقتصادية والاجتماعية، وتوصيات صندوق النقد الدولي في شأن إصلاح المالية العامة للدولة، فضلا عن زيادة مُكون القطاع الخاص الصناعي في أرقام الناتج المحلي الإجمالي، حيث نجد ان دعم اسعار الفائدة على التسهيلات الائتمانية والجاري مدين من جهة، والأفراج عن السلع الاساسية ومُستلزمات الانتاج من جهة أخرى، من شأنه ان يؤدي إلى تشجيع المُنتج المحلي، وزيادة فرص العمل بشكل حقيقي، مما سَيَدفع مُعدل البطالة نحو التراجع بعدما ارتفع من 7.3٪ الى 7.4٪ خلال الفترة الحالية.
بقلم / دكتور رمزى الجرم
الخبير المصرفى