قال الدكتور رمزى الجرم الخبير المصرفي، لا شك أن الخلل التقني الذي حدث صباح يوم 19 يوليو؛ الناتج عن عطل في أنظمة مايكروسوفت، والذي ضرب خطوط الطيران، والنظم الطبية، والسكك الحديدية، ووسائل الإعلام، يُنذر بكارثة حقيقية على كافة المستويات، حتى لو تم حل المشكلة في الوقت الراهن. نظرًا لأن هذا تطور نوعي يؤثر بشكل كبير للغاية على كافة مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية وغيرها.
وأضاف الجرم، من جانب آخر، تم رصد تعطل نظام الحجز الطبي الذي يستخدمه الأطباء العاملون في بريطانيا، حيث أصبح غير متصل بالإنترنت، مما يلقي بظلاله على تهديد في مجال الصحة العامة، وهذا أمر في منتهى الخطورة. فضلاً عن أن هذا الخلل التقني أدى إلى تراجع في قيمة أسهم شركات التكنولوجيا في كافة البورصات العالمية، وبشكل خاص الأسهم الأوروبية، وبالأحرى أسهم شركة مايكروسوفت التي تعتبر أكبر الشركات التكنولوجية في العالم، بالإضافة إلى إلغاء نحو 84 رحلة حتى صباح يوم تسجيل هذا العطل التقني.
والحقيقة أن العطل التقني الذي ضرب شركة مايكروسوفت، والذي يتبدى في مشكلة الوصول إلى تطبيقات وخدمات Microsoft 365، سوف يكون جرس إنذار في آذان صانعي القرار على مستوى العالم، ينذر بتوقع المزيد من تلك الأعطال أو الهجمات السيبرانية التي قد تحول العالم للعيش في ظلام دامس والرجوع للعصور الوسطى بين عشية وضحاها. فضلاً عن أن التكلفة الاقتصادية التي قد تترتب على ذلك، لا يمكن لأحد أن يحصيها، نظرًا لكبر حجمها أو لأنها تندرج تحت طائفة الخسائر غير المحسوبة، على خلفية أنها ستبعد العالم عن استخدام التكنولوجيا الحديثة بشكل كامل، بعدما بات العالم يعتمد اعتمادًا كاملاً عليها. وهذا التطور لا ينصرف على البعض دون الآخر، بل يمتد إلى الحياة اليومية بشكل كامل. نجد أن هذا الخلل من المتوقع أن يؤثر في التعامل مع ماكينات الصراف الآلي (ATM)، مثلاً، وعلى عمليات حجز القطارات والطيران والهواتف المحمولة، وانقطاع البث في وسائل الإعلام، كما حدث بالنسبة لقناة سكاي نيوز على خلفية ذلك.
وأكد الخبير، أن هذا الأمر ربما سيدعو المتخصصين في مجال التكنولوجيا إلى استخدام وسائل بديلة، مع إجراء تجارب دورية مفاجئة، لكي يتم الاستعداد لأي تطورات قد تحدث في أي وقت. وبما يعني أن هذا العطل التقني ربما يؤكد فرضية “رب ضارة نافعة”، ويدعم ويعزز توقع مثل هذا الخلل في أي وقت، مع وضع الحلول البديلة والسريعة لتدارك ذلك.
وأكد الدكتور أحمد شوقي الخبير المصرفي تأثر العديد من القطاعات مع تعطل نظم عمل Microsoft كقطاع النقل وقطاع الاتصالات وقطاع الإعلام وقطاع التجزئة وقطاع الصحة والبورصة وغيرها من القطاعات الاقتصادية.
وأوضح شوقي، وتصنف تلك الأحداث ضمن مخاطر التشغيل operational risks فضلا على إثرها في مخاطر السمعة reputational risks والتي تتحول إلي خسائر مالية وتكون قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات والتي يصعب تحديدها في الأجل القصير وتحديدها في الوقت الحالي نظرا لتشعب وتوسع آثارها في القطاعات الاقتصادية .
وتظهر أهمية الأمن السيبراني في التعامل مع مثل هذه الامور، وحيث أظهر في تقرير شركة ريسيكيورتي (Resecurity)، أن زيادة كبيرة في الهجمات السيبرانية خلال شهر رمضان الماضي واثر الهجمات السيبرانية وعمليات الاحتيال من خلال الإنترنت ضد منطقة الشرق الأوسط وصل إلى 100 مليون دولار عن طريق عمليات الاحتيال المرتكبة ضد المغتربين والمقيمين والزوار الأجانب والذي يشمل الاحتيال الإلكتروني والحملات الاحتيالية والاحتيال في التجارة الإلكتروني.
وفي تقرير سابق لصندوق النقد الدولي IMF صادر في ابريل ٢٠٢٤ أوضح أن عدد الهجمات السيبرانية تزايد بشكل كبير بأكثر من الضعف منذ جائحة كورونا. وقد سجلت الشركات خسائر طفيفة نسبيا نتيجة الهجمات السيبرانية، حيث تحملت من قبل هيئة الاستعلام الائتماني الأمريكية Equifax غرامات بقيمة تجاوزت مليار دولار أمريكي عقب تعرضها لحادث ضخم عام 2017 نتج عنه اختراق بيانات حوالي 150 مليون عميل.
وأردف الخبير، كما يزداد حاليا مخاطر الخسائر الناتجة عن حوادث الأمن السيبراني. والتي من المحتمل أن تتسبب هذه الخسائر في اشكالياتت في هياكل الشركات التمويلية والتي قد تهدد ملاءتها المالية. وقد ارتفع حجم الخسائر منذ عام 2017، بأكثر من أربعة أضعاف ليصل إلى 2,5 مليار دولار. مع تتجاوز الخسائر غير المباشرة لهذة القيمة بكثير، بالاضافة الي مخاطر أو خسائر السمعة والتحديثات الأمنية.
كما أوضح استبيان صندوق النقد الدولي على البنوك المركزية والسلطات الرقابية أن أطر سياسات الأمن السيبراني لا تزال غير كافية، ولا سيما في اقتصادات الدول والأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. حيث يطبق حوالي نصف البلدان فقط التي شملها المسح الاستبيان استراتيجيات وطنية أو أطر تنظيمية مخصصة للأمن السيبراني في القطاع المالي.
ونصح الخبير لتعزيز صلابة القطاع المالي، فعلى السلطات الرقابية تبني ووضع استراتيجيات وطنية شاملة لحماية الأمن السيبراني، مع أهمية التقييم الدوري لبيئة واليات عمل الأمن السيبراني، وكذا تحديد المخاطر النظامية المحتملة الناجمة عن الروابط والتركزات، والتي تشمل مقدمي الخدمات.
يقول الدكتور عبدالرحمن طه، خبير الاقتصاد الرقمي، إنه فيما يتعلق بأسباب أزمات الإنترنت، فهي تندرج تحت الحرب العالمية الاقتصادية التي بدأت منذ عام 2019 بالحرب البيولوجية (كورونا)، وتبعتها حرب سلاسل الإمداد وارتفاع سعر الفائدة على الدولار، ثم الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات الاقتصادية، ليدخل المسرح السيبراني كأحد الجبهات الجديدة في الحرب العالمية الاقتصادية.
وقال طه إن خسائر الجرائم السيبرانية تتجاوز النصف تريليون دولار خلال الخمس سنوات الأخيرة، سواء كانت معلنة أو غير معلنة. والجرائم السيبرانية تنقسم إلى ثلاثة أنواع: جرائم الهواة، وجرائم إرهابية، وحروب دولية، ومسرحها جميعًا هو المجال السيبراني، وخسائرها غالبًا ما تكون اقتصادية.
أما عن الشركات الأكثر تضررًا، فهي الشركات التي توجه لها الضربات السيبرانية، وتتعاظم خسائرها الاقتصادية عندما يكون المستهدف بيانات العملاء وارتفاع حجم الفدية، أو عندما تكون مدرجة في سوق الأوراق المالية العالمية، إلا أن تلك الأخيرة تتعافى بمرور الوقت.
ويشير طه إلى أن الوصول لجبهة الحرب السيبرانية يدعو للتساؤل حول الجبهة التالية وشدتها وقوتها، خاصة وأن الجبهة التي يتم إدارة الصراع فيها لا تتوقف.